عرض عام
في أربعينيات القرن العشرين، كانت السلطات البريطانية تواجه معضلةً في الخليج. فقبل بداية حقبة النفط، كان أطباء الإرسالية الأمريكية هم من يقدمون غالبية الرعاية الطبية في المنطقة. وفي إطار سعيهم لتوسيع نطاق المشافي الموجودة في البحرين ومسقط، تواصل أطباء الإرسالية الأمريكية مع الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني عارضين عليه فكرة بناء مستشفى جديد في قطر. وفي سبتمبر ١٩٤٦، أبلغ إيرنست فينسينت باكر، الممثل البريطاني لشركة امتيازات النفط المحدودة في البحرين وقطر، المسؤولين الاستعماريين البريطانيين بأن شيخ قطر يقوم ببناء مستشفى. ويبدو أن المسؤولين البريطانيين شعروا بأن البساط يُسحب من تحت أقدامهم، إذ كان يصعب عليهم رفض عرضٍ لتقديم الرعاية الطبية، لكنهم كانوا مترددين في دعم مشروعٍ أمريكي. وكما لخّص الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين آنذاك المسألة: "لا أميل للمساعدة في تشييد مستوصفٍ يعينه الأمريكيون […] إلا أن هناك حاجة لوجود مرافق طبية في الدوحة وأود أن أكون في وضعٍ يمكنني من مساعدة الشيخ" (IOR/R/15/2/608، ص. ٤و). فعلى الرغم من المنافع الواضحة، خشي المسؤولون البريطانيون أن يفتحوا المجال أمام اتساع النفوذ الأمريكي في قطر حيث حافظت بريطانيا اليد العليا منذ الحرب العالمية الأولى.
ترسيخ المكانة البريطانية في قطر
بالرغم من أن الاعتراف البريطاني بأسرة آل ثاني في ١٨٦٨ لعب دورًا كبيرًا في تأسيس دولة قطر ككيانٍ سياسيٍ مستقل، إلا أن اهتمامات بريطانيا آنذاك كانت تتمثل في التصدي للقتال في البحر. وكما كانت الحال في مشايخ الخليج الأخرى في تلك الفترة، كان تدخل بريطانيا في الشؤون الداخلية لقطر محدودًا. كان النفوذ العثماني في المنطقة معترفًا به حتى المعاهدة الأنجلو-عثمانية سنة ١٩١٣، ومن ثمّ وقّع شيخ قطر والمقيم السياسي في الخليج العربي، بيرسي كوكس، معاهدة قطر سنة ١٩١٦. تضمنت هذه المعاهدة شرطًا يقضي بتعيين بريطانيا وكيل في الدوحة، إلا أن هذا الشرط لم يكن قد نُفذ بعد بحلول سنة ١٩٤٦، حيث استمرت بريطانيا في إدارة علاقاتها مع حاكم قطر من خلال الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين.
مسؤول طبي يمكنه الجمع بين وظيفتين
في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرةً، شعر البريطانيون بالحاجة الملحة لتقديم الخدمات الطبية للعاملين في قطاع النفط المتنامي في قطر. في ديسمبر ١٩٤٦، كتب المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي، روبرت هاي، إلى الحكومة في الهند للاستفسار عن إمكانية تمويل مستوصف في الدوحة. وبمنطق أنه "سيُستحب بشكلٍ متزايدٍ على الأرجح أن يكون لنا وكيلٌ في قطر"، يفترض هاي أن الطبيب بإمكانه أن يجمع بين وظيفتين على نحوٍ غير رسمي، ذلك أن "الرجل المناسب بإمكانه ]أيضًا[ أن يكون مفيدًا في العمل السياسي".
شعر هاي بأنه من الأفضل أن يوافق الشيخ عبد الله على تعيين مسؤولٍ سياسيٍ بشكلٍ مباشر، غير أنه كان مستعدًا "لتوظيف مكر الطبيب" إن لزم الأمر.
موقفٌ مقتصد وتضاؤل المكانة البريطانية
إلا أن الحكومة في الهند ردت بأنه، في ضوء اقتراب الاستقلال الهندي من بريطانيا، وإلى أن يتم توضيح الترتيبات المالية المستقبلية، لا توجد هناك أي إمكانية للموافقة على التمويل اللازم. ففي رسالةٍ إلى هاي في يناير ١٩٤٧، يؤكد ج. ت. ل. كريتشتون من إدارة الشؤون الخارجية، نيو دلهي، أنه "إلى أن يتم تسوية الوضع فيما يتعلق بالفصل بين مصالح الحكومة البريطانية والمصالح الهندية في منطقة الخليج الفارسي، لا يمكننا أن نطبّق هذا المشروع أو أي مشروعٍ آخر يتضمن الإنفاق من العائدات الهندية" (ص. ٩و).
علاوةً على ذلك، خلص المسؤولون البريطانيون إلى أنه ما من مكسبٍ يذكر في السعي لعرقلة بناء مستشفى الإرسالية الأمريكية الذي شارف على الانتهاء. ولئن شعر البريطانيون بالارتياح لعدم تحمل المسؤولية أو التكاليف، إلا أنهم اعتبروا أنه من "المؤسف من وجهة نظرنا أن تقع المرافق الطبية في قطر بأيدي الأمريكيين" (ص. ٢٠و). قد يرجع هذا الأسف إلى أن المستشفى مثّل موطئ قدمٍ أخرى للنفوذ الأمريكي في الخليج. في المقابل، كتب الدكتور ستورم من الإرسالية الأمريكية إلى الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين، أنهم يعتبرون المرفق الصحي في الدوحة، على حد زعمه، محض "تطوير لعياداتٍ خارجية لمستشفى الإرسالية الأمريكية في البحرين" (ص. ١٥و).
ومن جهته، أكد الشيخ عبد الله، في رسالةٍ إلى الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين، على رغبته في توفير مرافق صحية أفضل في قطر مشيرًا إلى أن المستوصف ما هو إلا "مشروع خيري".
مستوصف في الدوحة: بريطانيا وتطوير الرعاية الصحية في الخليج
فضًا لهذه المسألة، يستخلص إيون بيلي دونالدسون من مكتب شؤون الكومنولث على نحوٍ فلسفي أنه لئن "انتفت الأسباب التي تدفعنا للاعتراض" على المستشفى الأمريكي، إلا أنه "سيتوفر دون شك المجال لتوسعة الخدمات الطبية في قطر بشكلٍ كبير، ولربما أمكن البحث بجدية في إمكانية إنشاء مستوصف أو مستشفى صغير تابع للوكالة هناك".
وعلى الرغم من موجة الاهتمام هذه في أواخر أربعينيات القرن العشرين، لم تُبدِ السلطات البريطانية اهتمامًا حقيقيًا بصحة المقيمين في شبه الجزيرة القطرية. حيث لم يوجه المسؤولون البريطانيون ناظرهم إلى خدمات الرعاية الصحية في قطر إلا بعد أن تداخلت هذه المسألة مع توسع قطاع النفط وتطوره، ومع مخاوفهم من نمو النفوذ الأمريكي في الدوحة.