عرض عام
بعدما طردت سلالة اليعاربة البرتغاليين من الخليج وساحل عُمان في القرن السابع عشر، حافظ حكّام مسقط على أحقيتهم في جزيرة مسندم. فبعدما سيطر عليها اليعاربة لبعض الوقت، وقعت في قبضة سلالة آل بوسعيد التي أصبحت القوة الرائدة في غرب المحيط الهندي، إذ بسط نفوذها على الأراضي الواقعة على الساحل الفارسي للخليج والممتدة حتى جوادر وزنجبار، الأمر الذي لم يكن ليحدث لولا تدخل الإمبراطورية البريطانية.
بريطانيا ومسقط ومسندم في القرن التاسع عشر
عقب تدمير رأس الخيمة في الحملة العسكرية العقابية ضد القواسم سنة ١٨١٩، أكملت بريطانيا تحولها من قوة تجارية إلى قوة استعمارية كبرى في الخليج. واعتبرت بريطانيا المنطقة واحدة من الحدود الخارجية للراج البريطاني [الهند البريطانية]، وهو محور إمبراطورية عالمية كان من الضروري حماية خطوط إمدادها. وبفضل هذا السياق، أصبح ساحل الخليج محمية غير رسمية. وبينما كان سلاطين مسقط لا يزالون مستقلين رسميًا، أصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على القوة البريطانية للحفاظ على مناصبهم، لا سيما بعد انفصال زنجبار عن سلطنة مسقط سنة ١٨٦١. وتمثلت العلاقة المتغيرة في معاهدات خاصة مختلفة تمنح بريطانيا حقوقًا حصرية. على سبيل المثال، نصت معاهدة مسقط لسنة ١٨٩١ (بالإنجليزية؛ بالعربية) على أن السلطان لن يتنازل عن أي جزء من أراضيه أو يرهنه لأي قوة أخرى سوى بريطانيا. وكان هذا أحد أسباب مساعدة بريطانيا لسلطان مسقط في الحفاظ على حكمه في أجزاء مختلفة من المناطق الخاضعة له بما في ذلك مسندم.
أثبتت شبه جزيرة مسندم أنها ذات أهمية استراتيجية لبريطانيا لعدة أسباب ليس أقلها الاتصالات. ففي ١٧ نوفمبر ١٨٦٤، وقّع الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني، لويس بيلي، اتفاقية مع سلطان مسقط، السيد ثويني بن سعيد آل بوسعيد، تسمح للبريطانيين ببناء محطة تلغراف في جزيرة التلغراف (المعروفة أيضًا باسم جزيرة مقلب). ونظرًا لموقع الجزيرة المنعزل، كان يعتبر العمل المتمركز فيها مشقّة؛ ولعل طوبوغرافيا أخوارها الساحلية الملتوية هي مصدر التعبير الإنجليزي "الالتفاف حول المنحنى" (بمعنى الوصول لنقطة فقدان الإدراك). سرعان ما تم التخلي عن فكرة بناء المحطة سنة ١٨٦٨، عندما مُدَّ كابل جديد على طول الساحل الفارسي.
وقد كان لخليج خصب، دونًا عن المواقع الهامة الأخرى في مسندم، أهمية خاصة لدى البريطانيين بسبب عمق مياه مراسيه. حتى أن بيلي أوصى بنقل كل من قاعدة أسطول الخليج البحري والمقيمية البريطانية بأكملها إلى خليج خصب. كما أرسل رسالة إلى مفتش محطة التلغراف سنة ١٨٦٦، يخبره فيها أنه سيحضر إلى مسندم للاستماع إلى شكوى مقدمة ضد والي خصب (Mss Eur F126/43، ص. ٥١ظ). وكان هذا التدخل بمثابة مؤشر على نفوذ بريطانيا وهيمنتها على الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. وسلطنة عُمان.
جمع بريطانيا المعلومات الاستخباراتية
في نوفمبر ١٩٠٦، مرّ ضابط المخابرات العسكرية البريطانية، المقدم ويلفريد ماليسون، بجزيرة مسندم في طريقه نحو شمال الخليج من أجل تقييم الدفاعات العثمانية. ولا شك أن التقرير الذي أعدّه كان مفيدًا للمخططين العسكريين البريطانيين خلال حملة بلاد الرافدين عندما اخترقت قوة عسكرية حدود الدولة العثمانية عبر البصرة.
شهد بدء التنقيب الأوروبي عن النفط في شبه الجزيرة العربية خلال عشرينيات القرن الماضي تحولًا ملحوظًا في تركيز جمع المعلومات الاستخباراتية. إذ يركز تقرير ماليسون على مخطط الساحل والآثار العسكرية للهجوم أو الدفاع. ولكن بعد عقدين من الزمن، تركز الاهتمام على تحالفات القبائل المختلفة، نظرًا لأن ترسيم حدود السيادة الإقليمية قد يؤثر على توقيع امتيازات حقول النفط وتطويرها بالإضافة إلى أمور مالية أخرى. وأجرى بيرترام توماس (المستشار المالي للسلطان تيمور بن فيصل منذ سنة ١٩٢٤) استطلاعًا في مسندم سنة ١٩٢٦، يهدف إلى تحديد الولاءات القبلية من أجل المساعدة في حل النزاعات وجمع الضرائب. وقد رسم خريطة باليد لمسندم مظللة بألوان مختلفة للإشارة إلى الولاءات الواضحة لكل من شيوخ الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. ولسلطان مسقط. وجمع توماس أيضًا ملاحظات عن قبيلة الشحوح المقيمة في مسندم والمناهضة لحكم مسقط. وتُظهر مراسلات المسؤولين البريطانيين، بمن فيهم توماس، احتقارهم لقبيلة الشحوح ووصفهم لهم بأنهم "أفظاظ ومريبون وهمجيون" (IOR/R/15/6/246، ص. ٨و). وفي خريطة أولية لسنة ١٩٢٨، صنّف الرائد جورج باترسون مورفي، الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في مسقط، حكم السلطان في مسندم على أنه "معترف به ولكنه وهمي".
المقاومة داخل شبه الجزيرة
في أواخر أيام حكم السلطان تيمور بن فيصل، وافق مجلس وزرائه على محاولة بريطانية لإرسال سفينة المسح البريطانية الملكية "أورموند" من عدن، مما لاقى مقاومة من شيوخ خصب ودبا وبخاء وكمزار. وضمن جهوده الساعية لإخضاع هؤلاء الشيوخ، أمر المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في بوشهر السفينة الملكية البريطانية "لوبين" بقصف خصب. وأرسل شيخ خصب، حسن بن محمد، تحت هذا القصف رسالة إلى الممثلين الموجودين على متن السفينة "أورموند"، موضحًا أن بريطانيا ومسقط كانتا "ترغبان في رفع علم في منطقة رأس الجبل [شبه جزيرة مسندم]" وأن هذا كان "مستحيلًا تمامًا ولم يكن ليحدث البتة [...] سواء بمقابل أو دون مقابل." وعلى هذا الغرار، أرسل شيخ دبا، صلاح بن محمد، رسالة إلى السفينة "أورموند" محذرًا "أننا لن نتخلى عن أراضينا لأي أحد [...] أنت لست ملكًا علينا [...] ونتمنى منك إرجاء التدخل" (IOR/R/15/6/41، ص. ٩٤و).
قاوم سكان مسندم اعتداء كل من مسقط وبريطانيا وتدخلهما في شؤونهم، مما أسفر عن سجن شيخ خصب في مسقط لمدة ثمانية عشر شهرًا اعتبارًا من مايو ١٩٣٠. وواصلت بريطانيا فرض سلطة حكم سلطنة آل بوسعيد في مسندم حتى السبعينيات. وعقب الانسحاب البريطاني الرسمي من الخليج سنة ١٩٧١، شُنت عملية عسكرية أطلق عليها عملية إنترادون، نزلت فيها قوات بريطانية بالمظلات إلى مسندم لمواجهة قوات عربية محتملة من القوميين أو اليسار الراديكالي. ومنذ ذلك الحين، تحولت سلطنة مسقط وعُمان وشبه جزيرة مسندم تمامًا في نظر البريطانيين من أماكن ذات أهمية استراتيجية على الطريق نحو الهند البريطانية إلى عنصر حيوي لضمان "أمن الخليج" وعبور ناقلات النفط.