عرض عام
عندما نشرت الصحافة البريطانية خبر عبور بيرترام توماس من ظفار إلى الدوحة في ١٩٣١، كان الخبر مصحوبًا بملاحظات عن وجود تسرباتٍ نفطية ضمنت ظهوره على الصفحات الأولى.
ولكن بعد هذه الشهرة الأولية المفاجئة توارى بيرترام توماس عن الأضواء حتى أصبح مغمور نسبيًا. وصل بيرترام توماس مسقط للمرة الأولى بعد تعيينه مستشارًا (أي وزيرًا) ماليًا للسلطان تيمور بن فيصل بعد الحرب العالمية الأولى.
قياس الجماجم والأنثروبولوجيا
جمع توماس بين مهامه الرسمية، المتمثلة بإضفاء شكل من النظام على ميزانية "دولة مسقط"، مع شغف الاستكشاف. حيث شحذ مهاراته الاستكشافية برحلاتٍ إلى المنطقة المحيطة بشبه جزيرة مسندم حيث سعى إلى التعرف على ولاءات القبائل المتعددة ليوظف هذه المعلومات في حل النزاعات وجمع الضرائب. كما قام توماس بقياس جماجم السكان هناك (وهو تقليدٌ ابتدعه الأنثروبولوجيون الاستعماريون واستمر توماس في اتباعه في ظفار): "لقد وجدت أن المؤشر القحفي للرأس الكمزارية يختلف بثبات عن الرأس الطويلة للظواهر وبدو الجبال. فهي رأسٌ مسطحة، ضيقة من الأمام، بارزة من الخلف، معتدلة القحف."
انطلاق الرحلة
شارك توماس في البداية في عدة رحلات تمهيدية إلى ظفار، حيث كسب ثقة القبائل التي ستساعده لاحقًا في عبور الربع الخالي. وفي أوائل شهر أكتوبر ١٩٣٠، ودون أن يبلغ المسؤولين البريطانيين في الخليج، أبحر توماس من مسقط إلى ظفار على متن ناقلة نفط تابعة لشركة النفط الأنجلو-فارسية. وكان توماس على وشك التخلي عن الرحلة عندما تأخر دليله – الشيخ صالح بن كلوت الراشدي الكثيري – بسبب نزاعٍ قبلي، لو لم يصل بن كلوت في اللحظة الأخيرة.
انطلق الاثنان من صلالة في ظفار في ١٠ ديسمبر ١٩٣٠، وتحملا مشقة الطريق وخطر الهجمات المحتملة من القبائل المتصارعة في المنطقة حتى وصلا إلى الدوحة في قطر بعدها بتسعةٍ وخمسين يومًا. حمل توماس معه مجموعة كبيرة من الأدوات لإعداد الخرائط، تضمنت بوصلة منشورية وهيدرومتر وسدسية، استخدمها لإعداد خريطة "جنوب شرق الجزيرة العربية" والتي ستصبح فيما بعد مرجعًا أساسيًا في هذا المجال. كما سجل توماس ملاحظات تفصيلية حول الحياة النباتية والحيوانية التي قابلها وأرسل العديد من العينات إلى متحف التاريخ الطبيعي في لندن. وعقب عودته إلى بريطانيا، قدم عددًا من الأوراق إلى الجمعية الجغرافية الملكية حول ما اكتشفه خلال رحلاته.
الاستقبال الأمريكي
على عكس الحماس الذي لاقته رحلة توماس في الدوائر العلمية، فقد قوبلت بشيءٍ من الشك من بعض المسؤولين البريطانيين والأمريكيين. حيث قام القنصل الأمريكي في بغداد، ألكسندر ك. سلون، خلال زيارةٍ إلى البحرين في فبراير ١٩٣١ باستجواب وكيل الشركة الفارسية لبلاد الرافدين، مستر ووكر، حول الأهداف والدوافع المحددة وراء عبور توماس من ظفار إلى الدوحة: "لقد دافع مستر سلون عنه على الفور قائلًا إن المسؤولين البريطانيين في الخليج الفارسي المصطلح التاريخي المستخدم للإشارة إلى المسطح المائي الذي يفصل بين شبه الجزيرة العربية وإيران. كانوا على علمٍ تام بأن مستر توماس لم يُرسل ليشغل منصب المستشار المالي لسلطان عمان فحسب، وإنما كانت مهامه الرئيسية هناك تتمثل في استكشاف الداخل وأن يحاول – لصالح شركة النفط الأنجلو-فارسية – تحديد مواقع التسربات النفطية التي تداولت أخبارها قوافل العرب في ذلك الجزء من الجزيرة العربية. وأضاف أن المسؤولين البريطانيين كانوا على علمٍ أيضًا بأن ناقلة نفط تابعة لشركة النفط الأنجلو-فارسية قد أقلت السيد توماس من مسقط وأوصلته إلى ظفار، وأن رحلته، وإن كانت ظاهريًا بهدف استكشاف جزءٍ مجهول من الجزيرة العربية، فقد كانت أيضًا بهدف جمع أكبر قدر من المعلومات الممكنة لحساب شركة النفط الأنجلو-فارسية" (انظر بورتر 1982: ٢٨-٣٢).
إلا أن مراسلات مسؤولي مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. لا تعكس هذه المجموعة من المهام. ففي أبريل ١٩٣١، كتب المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي، هيو فنسنت بيسكو: "عندما وصل خلفه، وُجد أن التسيب قد ساد الإدارة المالية للدولة ... وأرى أن هذه الحقائق تشير إلى أنه ليس لديه اهتمام حقيقي بعمله وأنه قد أهمل مهامه. لقد كان موظفًا لدى الدولة لمدة خمس سنوات براتبٍ ضخم، وفي رأيي أنه لم يخلص في أداء واجباته كما يحق للدولة أن تتوقع منه" (IOR/L/PS/12/46، صص. ٦٤٢-٦٤٤).
تقدير متأخر
لذلك، فعلى الرغم من اقتراح البعض أن توماس يستحق التقدير لعبوره الربع الخالي، لم يكن هناك التأييد الكافي لمنحه وسام الفروسية. كان على توماس أن ينتظر حتى ١٩٤٩ ليحظى بتقديرٍ رسمي تمثل في حصوله على وسام القديس مايكل والقديس جورج. وقد يفسر ذلك ما لقيته سيرة توماس من إهمال في تاريخ الاستكشاف والإمبراطورية البريطانية.
على الرغم من ذلك، في ديسمبر ٢٠١٥، قامت رحلة استكشافية أنجلو-عمانية مكونة من المستكشف البريطاني مارك إيفانز، حامل وسام عضو الإمبراطورية البريطانية، والشيخ مبارك صالح محمد صالح بن كلوت، حفيد حفيد الشيخ صالح بن كلوت، بالسير "في خطى بيرترام توماس" لاقتفاء أثر الرحلة الأصلية في ١٩٣٠-١٩٣١. وفي أعقاب هذه الرحلة التي تزامنت مع الذكرى الخامسة والثمانين للعبور واحتفت بإنجاز توماس ودليله العماني الشيخ صالح بن كلوت، يتم الآن إيلاء المزيد من الاهتمام لمستكشف الصحراء الغامض هذا.