عرض عام
لقد أثَّرت الرياح الموسمية على منطقة الخليج والمحيط الهندي لآلاف الأعوام، مما أسهم في تنشيط التجارة التي أدت بدورها إلى الامتزاج بين الشعوب وخلق شبكة ثقافية بين دول المحيط الهندي.
نظام الرياح الموسمية
على عكس الرياح التجارية التي تهب في اتجاه ثابت، تهب الرياح الموسمية في المحيط الهندي من اتجاه الجنوب الغربي بين أبريل وسبتمبر، ومن اتجاه الشمال الغربي بين نوفمبر وفبراير. وكان لذلك أثر عميق على التجارة البحرية في الخليج. في هذا السياق يقول عبد الشريف:
فرضت الرياح الموسمية نظام الذي ساعد على تسهيل التحركات الموسمية المنتظمة، لكنه قيدها أيضًا، مما تتطلب من مراكب الداو مصطلح اعتمده المسؤولون البريطانيون للإشارة إلى المراكب الشراعية المحلية المستخدمة في غرب المحيط الهندي. الشراعية أن تقضي وقت أطول في الموانئ أثناء فترات الرياح الموسمية.
رغم أن أغلبية مناطق الخليج تقع خارج نطاق التأثير المباشر للرياح الموسمية في المحيط الهندي، إلا أن البحارة العرب استمروا في تسخير الانعكاس الموسمي لنظام الرياح الموسمية لآلاف الأعوام من أجل توجيه أشرعة مراكبهم والسفر من الخليج إلى مسقط، ثم إلى زنجبار، ثم العودة بعد بضعة أشهر.
في عصر المراكب الشراعية، تعلمت الأساطيل الأوروبية الداخلة إلى المحيط الهندي أيضًا - الأساطيل البرتغالية في البداية ثم تلتها الأساطيل الهولندية، الفرنسية والبريطانية - كيفية الاستفادة من هذه الرياح في رحلاتهن بين أوروبا والهند.
رياح الخليج العربي في الأرصاد الجوية للإمبراطورية
كان البحارة الأوروبيون على دراية تامة بالرياح في الخليج والتي كانت تربط البحارة المحليين مع نظام الرياح الموسمية. كما كان جمع البيانات عن الأرصاد الجوية جزءًا مهمًا من عملية جمع المعلومات للإمبراطورية البريطانية، ومن أهم الامثلة لذلك هو كتاب جون لوريمر دليل الخليج وعُمان ووسط الجزيرة العربية، الذي نُشر في ١٩٠٨(القسم الجغرافي والإحصائي) و ١٩١٥ (القسم التاريخي). في كتابه، وصف لوريمر خصائص الرياح الموسمية في الخليج والمخاطر البحرية المصاحبة لها. وكان من الضروري أن يسجل هذه المعلومات لتوعية المسؤولين البريطانيين الذين لم يكونوا على دراية بما يمكن توقعه من المواسم في الخليج.
وبشكل خاص، وجد لوريمر أنه من المهم أن يصف الرياح الشمالية الغربية السائدة، أو ما يُعرف برياح الشمال، التي تهب في الجزء الشمالي من الخليج لمدة تسعة أشهر تقريبًا من العام. وهذه الرياح قوية جدًا في شهر أبريل وشبه متواصلة في شهر يونيو. وفي الصيف، نادرًا ما تتخطى رياح الشمال قوة عاصفة معتدلة، بينما تتحول في الشتاء إلى نوَّة قوية. وبالمثل، وصف الدليل الرياح الموسمية الأخرى بما في ذلك رياح الكوسوالنعشي، ورياح السهيلي.
مسقط ودورها كميناء
كانت مدينة مسقط لديها أهمية مميزة في شبكة التجارة عبر المحيط الهندي لأنها كانت تربط الخليج بالمحيط الهندي. كما أن موقعها على الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية يجعلها نقطة انطلاق مثالية للقوارب الساعية إلى "الاستفادة من" الرياح الموسمية لاستكمال رحلتها. بالاضافة إلى مدينة صور، فقد أتاح موقع مسقط على امتداد ساحل خليج عُمان بأن تلعب دور مركز تجاري للخليج، بما في ذلك تجارة الرقيق الذين يتم جلبهم من شرق أفريقيا. وصل الكثير من القوارب البريطانية المكلفة بملاحقة تجار الرقيق إلى ساحل عمان، فقط لتجد أن القوارب قد وصلت من زنجبار منذ أسبوع.
ومع عصر السفن البخارية، قللت معوقات الرياح الموسمية على المسافرين بحرًا. بينما حلت السفن البخارية محل المراكب الشراعية في منتصف القرن التاسع عشر، أصبحت مسقط ميناء التوقف لشركة الملاحة البخارية المحدودة في الهند البريطانية. ومع ذلك، أدت الإجراءات المتخذة من قبل بريطانيا لمناهضة تجارة الرقيق والسلاح إلى تراجع أهمية مسقط كميناء وقوة بحرية إقليمية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أُغلقت القنصلية الأمريكية في ١٩١٥، ولم يقوم الفرنسيون بتعيين قنصلًا بديلًا بعدما توفي القنصل في ١٩١٨.
مطرح وظفار
ونتيجة لهذا التراجع في أهمية ميناء مسقط ، بدأ المسؤولون مناقشة مقترح بتغيير ميناء التوقف للسفن البريطانية الهندية من مسقط إلى مطرح في عشرينيات القرن العشرين. احتج برترام توماس، وزير مالية سلطان مسقط، بأن منطقة الباطنة كانت تشكل ظهيرًا طبيعيًا لدبي. ومع زيادة ثروة اللؤلؤ في دبي، زادت أيضًا قوتها الشرائية: نتيجة لذلك، تمكنت القوافل من منطقة الباطنة من تحقيق أرباح تجارية أكثر في تعاملها مع التجار في دبي مقارنة بنظرائهم في مسقط.
لم يكن تراجع دور مسقط كميناء نتيجة لأية تغييرات في البيئة الطبيعية، لكنه نتج عن الطبيعة الخانقة للنفوذ الاستعماري، مما دمرت الإمكانات المالية لسلطان مسقط من خلال مناهضة تجارته في السلاح والرقيق. وفي ظل عجزه عن شراء ولاء القبائل، أصبح السلطان عرضة لهجمات قبائل المناطق الجبلية الداخلية، مما جعل الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني، الرائد باريت، يستخلص ما يلي:
لا أقصد التلميح من خلال هذه الآراء إلى أنني أتوقع الزوال المبكر لمسقط. ولا أرى أنه من المتوقع مطلقًا أن يقوم صاحب السمو بتغيير مقيميته. ذلك أن التلال التي تنتقص من جاذبية [مسقط] كميناء تضيف كثيرًا إلى ملائمتها كملاذ آمن للحاكم الذي أصبح معرض للخطر بين شعبه المتمرد.
لقد أدت قلة الموارد المالية المتاحة لسلاطين مسقط على مدار القرن العشرين إلى تأجيج المقاومة ضد حكمهم. وقد تطلب ذلك مواصلة التدخل المتكرر من قبل القوة العسكرية البريطانية لسحق المتمردين الذين اتخذوا مأوى لهم في المناطق الجبلية: في البداية على هضبة الجبل الأخضر العالية، ثم في ظفار بين ١٩٦٥-١٩٧٥.
في ظفار، كانت التغييرات الموسمية للمناخ، الذي يعتبر فريد في الجزيرة العربية، تعرقل محاولات القوات المسلحة السلطانية لطرد خصومهم. وكما أشار لوريمر في كتابه، كانت ظفار تتعرض للتأثيرات الكاملة للرياح الموسمية، على النقيض من المناطق الأخرى في عُمان.
نتيجة لذلك، تتحول جبال ظفار في كل موسم ممطر من اللون البني إلى الأخضر الفاخر. سمح هذا الغطاء الطبيعي بعودة المقاتلين المتمردين إلى المناطق التي طُردوا منها، مما جعل أحد الكتاب يطلق عليها "ثورة الرياح الموسمية". مرة أخرى، لعبت البيئة الطبيعية دورًا في المواجهة المتوترة بين وسط عُمان وأطرافها.