عرض عام
تتكون عُمان من مجموعة سلاسل جبلية ويحيط بها سهل ساحلي، وغالباً تشبه جزيرة لأنها معزولة عند حدودها الغربية عن بقية شبه الجزيرة العربية بصحراء الربع الخالي الكبرى، كما أن حدودها الشرقية بساحل الباطنة تواجه المحيط الهندي.
لذا فلا عجب إن كانت الثقافة العُمانية تميل للخارج نحو البيئة البحرية للمحيط الهندي وكذلك تميل للداخل نحو السلاسل الجبلية الداخلية فأصبحت بهذا مزيجًا ثريًا من الاثنين.
الحضور التجاري العُماني في المحيط الهندي
ظلت آل بوسعيد العائلة الحاكمة لمسقط وعُمان منذ ١٧٤٩، وقد استفادت خلال هذه الفترة من الفرص التجارية ومنها تجارة الرقيق من شرق أفريقيا التي سهّلها الخط الساحلي للبلاد الممتد على المحيط الهندي.
في القرن الثامن عشر، توسع العُمانيون في المحيط الهندي وأصبحت موارد الإيرادات من القرنفل وتجارة الرقيق مهمة جدًا للسلطنة حتى إنه في ١٨٣٢ أو ١٨٤٠ (تتباين التواريخ بحسب اختلاف المصادر) انتقل البلاط العُماني إلى شرق أفريقيا. كان البريطانيون يجوبون البحار وخلال القرن التاسع عشر أصبحوا بالتدريج القوة البحرية المهيمنة في المحيط الهندي.
حكومات الحماية البريطانية والقوى الأوروبية المتنافسة
وقد شمل جزء من هذه الهيمنة إبعاد القوى الأوروبية التي تسعى لمنافسة تلك الهيمنة والتحجيم القسري لانتشار الإمبراطورية العُمانية. لذلك تأسس النظام المتصالح في الخليج الأدنى خلال الفترة ١٨٢٠-١٨٥٣ الذي تحكمت بريطانيا بموجبه في العلاقات الأجنبية بين الدول المتصالحة.
وفي الحالة العُمانية كانت هناك مقترحات متعددة بتأسيس محميات وبخاصة في تسعينيات القرن التاسع عشر في أوج "سياسة التقدم" لنائب الملك، اللورد كرزون - وهي استراتيجية كبرى تضمنت منع وجود أي نفوذ للقوى الأوروبية المنافسة في الخليج. مع ذلك، كان معنى الاتفاق الأنجلو فرنسي لسنة ١٨٦٢ بشأن استقلال السلطنة عقب انفصالها عن زنزبار أن استقلال سلطنة مسقط وعُمان محفوظ ولو من الناحية القانونية على الأقل.
النفوذ البريطاني المتزايد
مع ذلك، أصبحت مسقط تخضع بشكل متزايد لنفوذ بريطانيا مع الاقتراب من نهاية القرن التاسع عشر وذلك من خلال سلسلة من المعاهدات وافق فيها السلطان على استشارة بريطانيا في كل "الأمور المهمة". ظهر إحباط السلاطين المتعاقبين من هذا القرار في رغبتهم بالعيش بعيدًا عن مسقط - في الهند أو منطقة ظفار - وهي تبعد بمقدار خمسمائة ميل عن مسقط.
فمعنى كبح موارد الإيرادات العُمانية (تجارة الرقيق والبنادق) على يد البريطانيين أن السلاطين المتعاقبين لم يكونوا قادرين على دفع المساعدات لشيوخ القبائل أصحاب النفوذ بالمنطقة الداخلية. وقد أدى هذا إلى سلسلة من التمردات والهجمات على مسقط من قبائل المنطقة الداخلية. نتيجة لذلك، التزمت بريطانيا في ١٨٩٥ بحماية السلطان فيصل بن تركي في مسقط ومطرح من الهجمات القبَلية. لذلك تمكنوا البريطانيون على ممارسة النفوذ الإمبراطوري بشكل غير رسمي من خلال الحفاظ على مناصب السلاطين.
برترام توماس والاعتماد على البريطانيين
بعد حصار مسقط في ١٩١٣-١٩٢٠، اعترفت معاهدة السيب الشخص المنوط بسحب الغيص إلى سطح الماء التي تم التوصل إليها عبر وساطة بريطانية بالإمامة باعتبارها السلطة الفعلية في المنطقة الداخلية العُمانية لأن البريطانيين لم تكن لهم مصلحة في هذه المنطقة في ذلك الوقت.
في عشرينيات القرن العشرين وبينما أصبح السلاطين أكثر اعتمادًا على القروض من الرعايا الهنود البريطانيين، شجع البريطانيون على القيام بإصلاحات من خلال تأسيس مجلس للوزراء وتعيين برترام توماس مستشارًا ماليًا. وفي الحقيقة، حكم توماس السلطنة إبان الغياب الطويل للسلطان تيمور بن فيصل (حكم ١٩١٣-١٩٣٢) والذي استمر في إبداء رغبته بالتنازل عن العرش والإقامة في الهند وزيارة مسقط بشكل متقطع.
لم يُعاد توحيد الساحل والمنطقة الداخلية إلا في حكم السلطان سعيد بن تيمور (حكم ١٩٣٢-١٩٧٠) وذلك من خلال القوات العسكرية الخاضعة للتنظيم البريطاني.
التمرد والتوحد في ظل السلطنة
ساعد المسؤولون البريطانيون على تأسيس وتنسيق قوات عسكرية بهدف تعزيز سلطة السلطنة في المنطقة الداخلية في خمسينيات القرن العشرين - حتى يُسمح لهم بالإستمرار في التنقيب عن النفط في هذه المنطقة - والتي بلغت ذروتها بالاحتلال العسكري للمنطقة الداخلية الجبلية. وعلى وجه الخصوص، ساعدت شركة عُمان لتطوير البترول البريطانية على تمويل القوات الميدانية لمسقط وعُمان والتي احتلت نزوى في ديسمبر ١٩٥٥.
رغم قيام سعيد بن تيمور بجولة في المنطقة الداخلية في ديسمبر ١٩٥٥ لتأكيد سيطرته على المنطقة، إلا أنه بمجرد عودته إلى ظفار لم يستطع العودة إلى مسقط أو المنطقة الداخلية مرة أخرى. في هذه الأثناء، مثل تواجده في ظفارضغطاً على حياة السكان مما أدى في النهاية إلى إنقلاب ضد حكمه سنة ١٩٦٥.
عائدات النفط والانقلاب النهائي
على الرغم من بدء تدفق صادرات النفط في نهاية المطاف سنة ١٩٦٧، استمر النظام في التدهور بسرعة كبيرة. أدى النهج الحذر لسعيد بن تيمور في التطوير بالفعل إلى تولد شعور بالاستياء بين السكان إلى جانب النفوذ الأيديولوجي القومي والماركسي اللينيني وتمخض عن ذلك تمرد آخر على حكمه في مقاطعة ظفار الجنوبية سنة ١٩٦٨.
امتدت الثورة نحو الشمال وأثارت تحرك القوى المتعددة المعارضة لحكمه للإطاحة به. وكان ضغط الثورة كبيرًا جدًا على النظام: فحل محله ابنه السلطان قابوس بدعم بريطاني سنة ١٩٧٠، وبعد النهاية الفعالة لصراع ظفار في ١٩٧٥ تم تسليم قواعد سلاح الجو الملكي في صلالة وجزيرة مصيرة بشكل رسمي للسلطنة في ١٩٧٧.
مع ذلك، احتفظت بريطانيا بقدر كبير من النفوذ حيث ظل أفراد بريطانيون على رأس قيادة القوات المسلحة بالسلطنة حتى أواخر تسعينيات القرن العشرين. ولا تزال العلاقة مع بريطانيا تمثل أهمية حتى الوقت الحالي.