عرض عام
في أواخر أربعينيات القرن العشرين، كانت صناعة النفط الوليدة في قطر آخذة في الازدهار. ومع ازدياد الحاجة إلى البنية التحتية والبيروقراطية لدعم هذه الصناعة الحديثة، أخذت الأحداث تتبلور بوتيرة متسارعة في أعين المسؤولين البريطانيين في الخليج. حتى ذلك الوقت، كان يتولى العلاقات البريطانية مع حاكم قطر الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين، والذي بدوره يرفع تقاريره إلى المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ المتواجد في بوشهر (والبحرين لاحقًا). غير أنه عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، شهدت الساحة نقاشات مستفيضة بين المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ والوكيل السياسي حول الطريقة الأفضل لتقوية الوجود البريطاني في الدوحة.
أصول التدخل البريطاني في قطر
سنة ١٨٦٨، وقّع المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج، لويس بيلي، والشيخ محمد بن ثاني، معاهدةً تحدد أسس العلاقات السياسية الرسمية بين قطر وبريطانيا. ولئن أُمكن النظر إلى هذه اللحظة كخطوة بالغة الأهمية نحو ظهور قطر كدولة مستقلة، إلا أنه حتى الحرب العالمية الأولى، كانت بريطانيا، وإلى حد كبير، تنظر إلى قطر كمنطقة عثمانية تدخل في دائرة اهتماماتها. لذلك، توخّى البريطانيون الحذر في تعاملهم مع حكام آل ثاني. إلا أنه عقب خروج العثمانيين من الخليج، أبرم المقيم السياسي، السير بيرسي كوكس، معاهدة ثانية مع الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني سنة ١٩١٦. وعُزز ذلك في أواسط ثلاثينيات القرن العشرين، وبعد ذلك بسنة منحت قطر امتيازًا نفطيًا لشركة بريطانية، شركة (قطر) لتطوير البترول المحدودة.
وقد أفلح الشيخ عبد الله، ربما بسبب إدراكه لتداعيات قبول الاحتضان البريطاني الإمبريالي الخانق، في ضمان الإبقاء على البند السابع والثامن والتاسع لمعاهدة سنة ١٩١٦ بنوداً مع وقف التنفيذ. وكان أحد هذه البنود يخوّل لبريطانيا تعيين وكيل سياسي في قطر. وكان كوكس قد أكد على تعليق هذه البنود في رسالة جانبية للشيخ عبد الله، بتاريخ ٣ نوفمبر ١٩١٦، أرفقت بالمعاهدة. لم يكن للبريطانيين في ذلك الحين مصالح ملحة في قطر يتعذّر عليهم معالجتها من البحرين.
سياسة المكانة الاعتبارية والبترول
اكتُشف النفط في قطر سنة ١٩٣٩، إلا أنه سرعان ما توقف الإنتاج بسبب الحرب العالمية الثانية. وعندما استُؤنف الإنتاج، كان الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في قطر، كورنيليوس جيمس بيلي، على الرغم مما أبداه من تعالٍ شديد على مجريات الأمور في قطر، حازمًا في رأيه بأنه أصبح الآن "ضروريًا للغاية أن نبدأ بالفعل بالتدخل في قطر" (IOR/R/15/2/2000، ص. ٧و). عارض بيلي في البداية تعيين مساعد للوكيل السياسي في قطر، مقترحًا عوضًا عن ذلك تأسيس استراحة في الدوحة (على غرار الاستراحة في جوادر). من شأن هذا أن يتيح للوكيل السياسي في البحرين الاطلاع على آخر المستجدات عبر زيارات شهرية دورية. وفي رسالة للسير روبرت هاي بصفته مقيمًا سياسيًا، يضيف بيلي بصراحة أنه يجب تزويد الاستراحة بسيارة، لأنه "بدون اقتناء سيارة، سيفقد المسؤول هناك نصف قيمته على الأقل وكذلك نصف مكانته الاعتبارية."
تبديد مخاوف الشيخ عبد الله
لكن يبدو أن الشيخ عبد الله قد بدأ يساوره القلق. حيث ينوه بيلي بأن الشيخ عبد الله كان قلقًا بشأن تأثير الاستراحة على الضمانات التي قدمها البريطانيون له سنة ١٩١٦، ولا سيما ما يتعلق منها بضمان "عدم التدخل بمسألة الرقيق الحاليين" (IOR/R/15/2/2000، ص. ٩و). وبحسب بيلي فإن الشيخ عبد الله كان يخشى من أنه "إذا بقي الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية لمدة أربعة أو خمسة أيام كل مرة في الدوحة [..] فإن كل رقيق في المنطقة سيأتي إلى بابه رافعاً صوته ومطالبًا بترك سيده؛ ما سيجعل الأمر صعبًا جدًا على أنسباء الشيخ" (ص. ٦و). كذلك ينوه بيلي بأن الشيخ أعلن "من تلقاء نفسه، بأنه كان شخصيًا يعارض بشدة الاستعباد (الأمر الذي بالمناسبة أراه صحيحًا فيما يتعلق بالشيخ شخصيًا) (ص. ٩و).
وفي وقت لاحق من تلك السنة، كتب الشيخ عبد الله إلى الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين (هربرت جورج جاكنز الذي كان قد حل محل بيلي بحلول ذلك الوقت) يطلب منه أن يزوره في قطر بهدف مناقشة كل هذه القضايا وجهًا لوجه.
وعقب هذا اللقاء، قدّم جاكنز مسودة اتفاقية تقر بأن الشيخ عبد الله "لم يتنازل […] عن حق إعتاق الرقيق، لذلك فإن أي وكيل يُعين في قطر لن يحاول ممارسة هذا الحق إلا في الحالات التي يثبت فيها وجود معاملة قاسية واضحة من سيد لعبد يسعى وراء الإعتاق" (IOR/R/15/2/2000، ص. ١٨و). وبالمقابل، على الشيخ عبد الله إبداء التعاون التام عند وقوع عمليات حجز أو اختطاف جديدة تمس الأراضي القطرية.
المسؤول السياسي الجديد في قطر
بعد تهدئة مخاوف الشيخ عبد الله، أبلغه البريطانيون في ١٩ أغسطس ١٩٤٩ بأن جميع بنود معاهدة ١٩١٦ دخلت حيز التنفيذ، وبأنه تم تعيين آرثر جون ويلتون في منصب المسؤول السياسي في قطر، اعتبارًا من تلك اللحظة.
كان على ويلتون أن يرفع تقاريره إلى الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين، الذي كان يحيطه علمًا بالشؤون القطرية قبل تسلّمه للمنصب الجديد. وتضمنت الإحاطة ملاحظة وجود فصيلين متناحرين في قطر، وتوصي ويلتون بأنه "ينبغي عليك حتمًا تجنّب الانخراط شخصيًا بشكل وثيق مع أي منهما وتقديم معلومات كاملة عن نشاطاتهما."
ساهم تنازل الشيخ عبد الله عن العرش في تعقيد الأمور نوعًا ما، إلا أن ويلتون رغم ذلك وصل في ٢٣ أغسطس ١٩٤٩ لاستلام منصبه في قطر. حيث تم إبلاغه بسلّم أولويات زياراته: عليه زيارة الحاكم الجديد، الشيخ علي، "في اليوم الأول، وتأجيل زيارة الشيخ عبد الله والآخرين إلى اليوم الثاني" (IOR/R/15/2/1048، ص. ٢و). وبسبب قلة اهتمام بريطانيا والمهارات التفاوضية الحاذقة للشيخ عبد الله، ظلت أجزاء رئيسية من معاهدة قطر ١٩١٦ دون تنفيذ لأكثر من ثلاثين سنة. والآن أخيرًا، بوجود "رجل على أرض الواقع"، يمكن للحكومة البريطانية تقييم قضايا التدخل الإمبريالي في شبه الجزيرة القطرية وإدارتها بشكل أفضل، حيث أصبحت مهمة على نحو متزايد مع كل بئر نفط جديد يتم حفره. أصبح لبريطانيا أخيرًا موطئ قدم في الدوحة.