عرض عام
يقع ميناء جوادر على ساحل مكران في بلوشستان وحصل العُمانيون عليه لأول مرة في سنة ١٧٨٤ عندما تنازل حاكمه ناصر خان قلات عن المنطقة لسلطان بن أحمد الذي ادعى عرش عُمان في ذلك الوقت دون النجاح والذي بدأ استخدام جوادر كقاعدة للغارات التي يشنها على الساحل العربي المواجه، ثم استكمل عملية ضم جوادر إلى عُمان بعد استحواذه على السلطة العليا في بلاده في سنة ١٧٩٢.
وظلت جوادر في معظم تاريخها تتكون من مجتمع صغير يقوم اقتصاده على الصيد. وفي سنة ١٨٦٣ حاول خان قلات إعادة ضم جوادر إلى خاناته، أيْ الأراضي الخاضعة لحكمه، وأن ينهي الوضع الشاذ لهذه المقاطعة العُمانية على ساحل بلوشستان ولكن البريطانيين رفضوا أن يدعموه في مطلبه. وقدم كل من الخان والحكومة في الهند مقترحات أخرى خلال الفترة بين ١٨٩٥ و١٩٠٤ بشراء جوادر من العُمانيين، ولكن لم يتم التوصل إلى أي قرار في هذا الصدد.
النفط والمتمردون
استمر النزاع خلال القرن العشرين وتحتوي الملفات الإدارية البريطانية على وثائق متعددة ذات الصلة بمسألة السيادة وترسيم الحدود بين المنطقتين. وتزايدت أهمية النزاع في سنة ١٩١٤ بالنسبة لقلات والبريطانيين على السواء عندما بدأت شركة نفط بورما في البحث عن إمكانية وجود النفط داخل حدود جوادر مما أدى إلى ارتفاع قيمة المنطقة الاقتصادية المحتملة بالنسبة إلى كل الأطراف المعنية. واعتقد البريطانيون في البداية أن السلطان تيمور بن فيصل سيكون "ممانعًا بشدة للتخلي عن جوادر"، ولكنه قيل أن السلطان صرّح في إحدى البرقيات المرسلة في ١٩ أبريل بأنه "سيتنازل للحكومة البريطانية عن جوادر أو ظُفار" في مقابل المساعدة العسكرية ضد المتمردين.
المفاوضات السياسية مع أحد الحكام الخليجيين
ظهرت المسألة مرة أخرى سنة ١٩٣٩ في سياق المناقشات التي جرت بين الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني في مسقط، النقيب توم هيكينبوثام، والسلطان في ذلك الوقت سعيد بن تيمور. وقد أشار السلطان إلى أنه كان يسعى إلى استعادة السيطرة التامة على عُمان من الإمامة التي يقع مقرها في نزوى وأنه لم يكن قادرًا على تحقيق التنمية الكاملة في بلاده بسبب نقص الأموال، ثم اقترح التنازل عن جوادر لحكومة الهند في مقابل الحصول على مساعدة مالية.
فاقترح هيكينبوثام في التقرير الذي أرسله إلى المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في بوشهر ثلاثة مسارات محتملة للعمل كما يلي: تقديم مساهمة مالية كبيرة إلى السلطان في مقابل الحصول على جوادر؛ أو رفض تقديم أية مساعدات مالية إضافية على الإطلاق؛ أو فرض السيطرة التامة على مسقط وعُمان. وكان الخيار الأول يعني منح السلطان "مبلغًا كبيرًا جدًا من المال والمقابل ضئيل جدًا"، فضلاً عن أنه لا يضمن حلاً طويل الأجل.
أما الخيار الذي كان يفضله هيكينبوثام فهو فرض السيطرة على عُمان وتثبيت حامية بريطانية هناك وترك السلطان في منصبه كحاكم فخري. ورد المقيم بأنه يشك فيما إذا كان السلطان سيتمم عملية بيع جوادر في حال حصوله على هبة مالية، لأن عملية البيع هذه ستكون "مَقيتة جدًا بالنسبة إليه". وقد جرت مناقشات إضافية في هذا الشأن لاحقاً في ذلك العام.
ونرى أن الأوراق تسلط الضوء على محاولات أحد حكام الخليج بالتفاوض لكسب مزايا سياسية ومالية من خلال الاتصالات الدبلوماسية مع ممثلي الحكومة البريطانية، وكذلك على تقدير البريطانيين إزاء ما إذا كان من مصلحتهم تحقيق السيطرة المباشرة على المزيد من الأراضي في المنطقة.
استقلال الهند ونهاية النزاع
أثيرت قضية انتقال ملكية جوادر إلى قلات مجددًا بعد الحرب العالمية الثانية، مع استمرار حرص البريطانيين على حل النزاع. مع ذلك، فقد أشار المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في بوشهر في رسالة بتاريخ ١٩٤٨ إلى أنه يعتبر احتفاظ السلطان سعيد بن تيمور بجوادر "نوعًا من المفارقة التاريخية"، ولكن السلطان كان من نوع الملوك الذين "يتمسكون في الغالب بكل شبر من أراضيهم"، وبالتالي فمن غير الوارد أن يفكر في التخلي عن جوادر. والحل الوحيد سيكون عن طريق إحياء اقتراح السلطان الذي تقدم به شخصياً في سنة ١٩٣٩ ومنحه الأموال في مقابل التنازل عن جوادر.
انتهى الدور البريطاني في هذه المسألة سنة ١٩٤٧ عندما نالت الهند استقلالها، وحُلَّت قضية جوادر العُمانية أخيرًا في سنة ١٩٥٨ عندما باع السلطان سعيد بن تيمور المقاطعة إلى باكستان بمبلغ ثلاثة ملايين دولار أمريكي. في هذه الأثناء كانت المنطقة ما تزال ضئيلة الأهمية إلى حد ما.
على الرغم من ذلك، قررت الحكومة الباكستانية في تسعينيات القرن العشرين الاستفادة من الإمكانات الاستراتيجية لجوادر عن طريق تطويرها كميناء رئيسي في أعماق البحر مع ربطه بالبنية الأساسية للطرق والسكك الحديدية في البلد. وقد تلقت جوادر منذ ذلك الحين استثمارات صينية كبيرة. ومع أن السلطان سعيد قد أبرم صفقة جيدة جدًا عن طريق الصمود حتى سنة ١٩٥٨، يبدو أن ملكية جوادر تتزايد أهمية في يومنا الحاضر.