عرض عام
علاقة تاريخية
في سنة ٢٠١٨، افتتح أعضاء الأسرتين الملكّيتين البريطانية والبحرينية محطة "الجُفير" بشكلٍ رسمي، وهي محطة دعمٍ للبحرية الملكية البريطانية تقع في حي الجفير بالمنامة، البحرين. كان التاريخ يعيد نفسه. ففي سنة ١٩٣٥ أيضًا، افتُتحت محطة بحرية ملكية في ذات المكان، حيث تم نقلها من الشاطئ الإيراني للخليج. رُفع العلم الأبيض للبحرية فوق ما كان آنذاك قرية الجفير في احتفالٍ حضره الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية وتشارلز بلجريف (المستشار سيء السمعة للشيخ) وغيرهم من الشخصيات البريطانية البارزة (لم تتواجد الأسرة الملكية البحرينية في هذه المناسبة).
أصبحت الجُفير لاحقًا آخر قاعدةٍ لأسطول الخليج العربي الذي كان يمثل الوجود الدائم لقوات البحرية البريطانية في الخليج. أُسس الأسطول في أعقاب حملة ١٨١٩ ضد "القرصنة"، عندما رأت حكومة بومباي حوالي ١٦٦٨-١٨٥٨: إدارة شركة الهند الشرقية في مدينة بومباي [مومباي] وغرب الهند. ١٨٥٨-١٩٤٧: تقسيم فرعي تحت حكم الراج البريطاني، كان معنيًا بالعلاقات البريطانية مع الخليج والبحر الأحمر. ضرورة استغلال انتصارها على القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. في الاحتفاظ بوجودٍ عسكريٍ طويل الأمد في المنطقة. كان الأسطول في بداية الأمر جزءًا من بحرية بومباي الأسطول البحري لشركة الهند الشرقية. التابعة لشركة الهند الشرقية، والتي تم حلّها سنة ١٨٦٣. وبعد غيابٍ دام ست سنوات، اُعيد تشكيل الأسطول سنة ١٨٦٩ كمفرزةٍ تابعة للبحرية الملكية البريطانية، وإن كان أغلب عناصرها من الهنود. ومنذ ذلك الحين، أصبح الضابط الذي يقودها معروفًا بضابط البحرية الأول، الخليج العربي.
كانت قاعدة الأسطول الأولى في باسعيدو، على جزيرة قشم قبالة ساحل إيران سنة ١٨٢٣. وفي سنة ١٩١٣، وعلى الرغم من الإبقاء على قاعدة باسعيدو، نُقلت قاعدة الأسطول الأساسية إلى جزيرة هنجام، حيث كان يُعتقد أن مناخها أكثر اعتدالًا وأنها تتميز بموقعٍ أكثر استراتيجية بالقرب من مضيق هرمز. نُقلت القاعدة مرة أخرى سنة ١٩٣٥ إلى البحرين، حيث تم التخلي عن باسعيدو وهنجام تحت ضغطٍ من حكومة رضا شاه بهلوي في إيران. واستمر وجود الأسطول، بتشكيلاتٍ مختلفة، حتى انسحاب بريطانيا من الخليج سنة ١٩٧١.
دَرَكٌ للخليج
تعزو كتابات التاريخ من وجهة نظرٍ إنجليزية الفضل لبريطانيا بجلب الاستقرار إلى الخليج، عبر اتفاقياتٍ مثل " معاهدة العمومية مع الأقوام العرب في خليج فارس اتفاقية أبرمت سنة ١٨٢٠ بين بريطانيا وعشرة من شيوخ القبائل في الساحل الشرقي للجزيرة العربية. كثيرًا ما يُنظر إلى هذه الاتفاقية على أنها تمثّل بداية الهيمنة البريطانية في المنطقة. " (١٨٢٠) والهدنة البحرية (١٨٥٣). إلا أن ذلك يتناقض مع ديناميات السلطة المفروضة على المنطقة. فباستبعاد القوى الأوروبية الأخرى، وجعل الحكام المحليين يعتمدون على الحماية البريطانية، نصّبت بريطانيا نفسها "دَرَكًا" للخليج، وبذلك ضمنت سيادتها على الممرات البحرية الاستراتيجية المؤدية إلى الهند. قدم أسطول الخليج العربي القوة العسكرية التي دعمت المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. السياسية البريطانية، والسفن المدفعية التي كفلت الاتفاقيات.
تولى الأسطول القيام بمهام متنوعة، منها التصدي للمعارك البحرية والهجمات على السفن ("القرصنة"). وكان ذلك يعني عادةً، بمفعولٍ رجعي، تدمير السفن أو فرض الغرامات عقب هجومٍ ما، أحيانًا كعقابٍ جماعي لمدنٍ كاملة. كما تضمنت مهام الأسطول إيقاف وتفتيش السفن التي يُشتبه بأنها تنقل على متنها إما مستعبَدين (جُلبوا من أفريقيا إلى الخليج)، أو أسلحة (كانت تتدفق من الخليج إلى حدود الهند الشمالية الشرقية المضطربة). بالإضافة إلى ذلك، عمد الأسطول إلى فرض القوانين البريطانية: حيث أُرغم النواخذة على حمل وثائق أو رفع أعلام معتمدة بريطانيًا، في حين فُرضت قيودٌ صارمة على تحركات السفن الحربية المحلية. وقد قام الأسطول عدة مرات بتدمير أساطيل محلية، كما حدث في أبوظبي سنة ١٨٣٥ والبحرين سنة ١٨٦٨ وقطر سنة ١٨٩٥، محبطًا قدرة الحكام المحليين على شن الحرب أو اتباع سياسات مستقلة في البحر. كما قام في مناسباتٍ متعددة بتوجيه مدافعه صوب إيران لفرض مصالح إمبريالية أوسع نطاقاً، كما حدث أثناء الحرب الأنجلو-فارسية ١٨٥٦-١٨٥٧. وقد شارك الأسطول أيضًا في تعزيز السيطرة الاستعمارية البريطانية عبر وسائل أقل صراحةً، مثل إنتاج خرائط مسح مفصلة، وإنشاء خطوط تلغراف تحت البحر تصل الخليج ببريطانيا والهند.
سلامٌ بريطاني؟
في سنة ١٩٢٢، شعر اللورد كرزون بأن بإمكانه التفاخر بأن "القرصنة قد قُمعت، والعبودية أُلغيت، […] وحلّ النظام بفضل الجهود التي بذلتها بريطانيا" (Mss Eur F112/278، ص. ١٣٢و) – وقد تردد صدى هذه المشاعر في الكتابات عن تاريخ الخليج حتى العصر الحديث. بالرغم من هذه الادعاءات، لم تستأصل السفن الحربية البريطانية شأفة "القرصنة" أو تجارة الرقيق في الخليج. حيث تُظهر سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. أن كليهما استمر حتى أربعينيات القرن العشرين. بعد مضي أكثر من ١٢٠ سنة على المعاهدة العمومية، ظل "إحلال السلام" البريطاني في الخليج بعيدًا عن الاكتمال.
لذلك، لا ينبغي النظر إلى أسطول الخليج العربي على اعتبار أنه كان أسطولًا جبارًا. فلطالما كانت موارده محدودة، لا تزيد عن سفينتين إلى أربع سفن مدفعية منذ سنة ١٨٦٩. كما أن بعض الممرات المائية التي يتعذر الوصول إليها في الخليج ظلت عصية على السيطرة الاستعمارية، وتشمل البحر الداخلي لخور العديد وأراضي الشحوح في شبه جزيرة مسندم. في الوقت نفسه، استطاعت المراكب المحلية مراوغة السفن الحربية البريطانية الكبيرة، لدرجة أن القائد العام للبحرية الهندية اعترف صراحةً في ١٨٥٢ بأن تجارة الرقيق تكاد تخرج عن السيطرة.
وربما بسبب محدودية مواردها، كانت القوات البريطانية في الخليج تولي أهميةً فائقةً للمظاهر. فعقب زيارة السفينة الحربية الروسية "فارياج" سنة ١٩٠١، والتي قزّمت جل ما جنّده الأسطول، حوّل المسؤولون البريطانيون السفينة الملكية الأكبر حجمًا "أمفيترايت" إلى الخليج، لمواجهة "الانطباع القوي ]الذي تشكّل[ عند الشعب" (IOR/L/PS/20/C248B، ص. ٣٨).
وحالها حال جميع صور حفظ الأمن الاستعمارية، غالبًا ما تضمنت أنشطة الأسطول استعراضًا للقوة لإظهار صورة القوة البريطانية التي لا تُقهر ولردع أية معارضة لنظامها الاستعماري. على سبيل المثال، عندما رشق حشدٌ من الناس مسؤولًا بريطانيًا بالحجارة في خور دبي سنة ١٨٥٥، جلب الضابط البحري الأول سفينتين حربيتين إلى دبي للمطالبة باعتذارٍ من الحاكم، الشيخ سعيد بن بطي، عن تلك "الإهانة" (IOR/R/15/1/149، ص. ١٣٦ظ). وفي سنة ١٨٦٨، حدث استعراضٌ أكثر جدية في البحرين. فحسب موسوعة دليل الخليج لـ ج. ج. لوريمر، فإن هجوم الشيخ محمد آل خليفة على قطر في تلك السنة "اعتُبر في جميع أنحاء الخليج امتحانًا للجاهزية البريطانية للحفاظ على السلام في البحر". وقد ردت السفن الحربية البريطانية بتدمير أسطول الشيخ محمد وقلعته في المحرق كـ"عقابٍ رادع" وتأكيدٍ للقوة البريطانية في المنطقة (IOR/L/PS/20/C91/1، ص. ٨٩٤).
بعدها بعقود، في محاضرةٍ ألقاها الفريق بيرترام ثيسيجر للمعهد الملكي للخدمات المتحدة سنة ١٩٣٠، روى ثيسيجر قصة فكاهية عن قمع انتفاضةٍ في صور سنة ١٩٢٨ ضد حاكم مسقط، السلطان تيمور بن فيصل آل بو سعيد، الذي كان يتمتع بالحماية البريطانية. وبلغةٍ تكشف السلوك الاستعماري البريطاني، روى ثيسيجر عن قصف حصنٍ "للتأثير في السكان" قبل إحضار الشيوخ المحليين إلى ظهر سفينةٍ مدفعية لتحذيرهم بأنه في حال لم "يحسنوا التصرف"، فسيرون ما بوسع "المدافع الكبيرة" البريطانية فعله (باري، ص. ٣٣١).
إذًا، غالبًا ما كانت أفعال أسطول الخليج العربي عبارة عن إسقاطات للهيمنة البريطانية على الخليج، في حين أن فعاليتها الحقيقية كانت أقل من الصورة المبالغة المرسومة عنها.
نحو كتابة تاريخ جديد للإمبريالية البريطانية في الخليج
صورت كتابات التاريخ من وجهة نظرٍ إنجليزية الوجود البحري البريطاني في الخليج على أنه خيِّر وذو قوةٍ مطلقة في آنٍ واحد. إلا أنه لم يكن هذا ولا ذاك. فهذه هي إحدى الأساطير الرئيسية "للعلاقة التاريخية" لبريطانيا مع الخليج، والتي احتُفل بها عند إعادة افتتاح محطة "الجفير". ديناميات السلطة والعنف التي ارتكزت عليها هذه العلاقة، والأساطير التي أحاطت بها، مسجلة في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. ويمكن تعريتها من خلالها.