عرض عام
على مدى أكثر من ثلاثين سنة، كان تشارلز بلجريف يتمتع بسلطة ونفوذ واسع في البحرين ولعب دورًا رئيسيًا في تطويرها. وبين ١٩٢٦ و١٩٥٧، عمل كمستشار لحُكام البحرين، الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة (حكم بين ١٩٢٣ - ١٩٤٢) والشيخ سلمان بن حمد آل خليفة (حكم بين ١٩٤٢ - ١٩٦١).
وُلد بلجريف في إنجلترا في ٩ ديسمبر ١٨٩٤ وتلقى تعليمه في جامعة أوكسفورد. وبعد تخرجه التحق بالجيش البريطاني، وخلال الحرب العالمية الأولى قضى سنوات خدمته في مصر والسودان وفلسطين مع لواء الإبل الإمبراطوري. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها، أصبح مسؤولاً إداريًا في إنتداب عصبة الأمم البريطانية لمنطقة تنجانيقا (شرق إفريقيا الألماني سابقًا).
"راتب جيد وآفاق واسعة للرجل المناسب"
خلال صيف ١٩٢٥، بينما كان بلجريف يقضي عطلته في لندن، قرأ إعلانًا لوظيفة شاغرة في جريدة التايمز غيَّر مجرى حياته.
رجل شاب نبيل، في عُمر ٢٨/٢٢، تلقى تعليمه المدرسي الخاص و/أو الجامعي، مطلوب في وظيفة في دولة شرقية. راتب جيد وآفاق واسعة للرجل المناسب، والذي يجب أن يكون لائقًا بدنيًا: صاحب أعلى التوصيات، إتقان اللغات ميزة.
تقدَّم بلجريف للوظيفة وأجرى المقابلة الشخصية معه مسؤولون حكوميون بريطانيون، وحصل بعد ذلك على منصب مستشار الشيخ حمد. وفي خطاب مُرسَل إلى بريدو في سبتمبر ١٩٢٥، يكشف بلجريف عن أنه نسي عُمره بسهولة لمصلحته عندما تقدَّم للوظيفة: فقد كان يبلغ واحدًا وثلاثين عامًا وكان الحد الأقصى لعُمر المتقدمين للوظيفة هو ثمانية وعشرون عامًا.
قبل التوجه إلى البحرين، أتمَّ بلجريف دورته التعليمية في اللغة العربية في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن وتزوج خطيبته مارجوري ليبيل باريت-لينارد.
التوترات والأهداف الاستعمارية
بدأ بلجريف ممارسة مهام وظيفته الجديدة في أبريل ١٩٢٦ في وقت مشوب بالتوتر في البلاد؛ فقد كان تم تنصيب الشيخ حمد كحاكم من قِبل البريطانيين قبل ثلاث سنوات عندما أُرغِم والده الشيخ عيسى بن علي آل خليفة على التنحي. واستمرت التوترات بين الشيخ حمد وفصائل أخرى ضمن البحرين - من بينها أعضاء من أسرته - كانت تدعم أباه الشيخ عيسى.
بالرغم من أن البحرين كانت مستقلة إسميا، كانت تفرض بريطانيا سياستها الخارجية عليها منذ القرن التاسع عشر. وفي ١٩٠٠، توطدت سلطتها على الجُزُر باستحداث منصب الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني في البحرين. وعلى الرغم من عمل بلجريف كموظف لدى الشيخ، كانت عملية تعيينه تعكس بوضوح أن منصبه كان مرتبطًا بشكل وثيق بالأهداف الاستعمارية البريطانية في المنطقة. وأصبح بلجريف خلال مدة قصيرة شخصًا يتمتع بالكثير من السلطة والنفوذ في البحرين وتحوَّل سريعًا إلى من كان يُطلق عليه "المستشار".
وقد ترأس حكومة البحرين، وتولى قيادة قوات الشرطة - وفي غياب تشريع قانوني منظم - أشرف شخصيًا على إدارة محاكمها. وأشرف بلجريف على برنامج للتحديث شمل إنشاء نظام تعليمي وقوات شرطية وخدمة صحية ومجموعة واسعة من الأشغال العامة. خلال هذه الفترة الانتقالية، أصبحت السلطة مركزية، مما أدى إلى تعزيز إضافي لموقف البريطانيين وأفراد أسرة آل خليفة. لعب بلجريف أيضًا دورًا هامًا في دعم التنقيب عن النفط في الدولة، وكانت البحرين أول دولة في المنطقة تكتشف النفط في ١٩٣٢.
"مجتمع من القياصرة الذين يشعرون بالرضى الذاتي"
كان يتضح من خلال تكرار اسم بلجريف في سجلات الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. السياسية أن وظيفته تشمل عددًا من المهام، وأنه كان مُعنى كثيرًا بالتفاصيل.
في واقع الأمر، أُنتقد إفراط بلجريف في التدقيق. وفي مايو ١٩٤١، أرسل تشارلز جيوفري برايور المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ البريطاني في الخليج العربي خطابًا إلى رؤسائه في الهند يخبرهم بأن بلجريف "يميل إلى إهدار الوقت في التفصيلات". وفي نفس الخطاب، زعم برايور أيضًا أن إنعزال بلجريف الزائد قد أدى إلى تدهور شعبيته وأنه هو "وغيره من المسؤولين البحرينيين الآخرين قد حكموا بطريقتهم الخاصة لمدة طويلة [...] إلى أنهم أصبحوا كمجتمعًا من القياصرة الذين يشعرون بالرضى الذاتي".
كانت شواغل برايورذو بصيرة. فبحلول خمسينات القرن الماضي، شعر الكثير من البحرينيين بالغضب بسبب سلطاته الموسَّعة. وأصبح بلجريف يُجسد الاستعمار البريطاني في الشرق الأوسط في وقت محتدم للقومية العربية وعندما وصل موقف بريطانيا في المنطقة إلى الحضيض عقب أزمة السويس. وكان بلجريف يعتبر من وجهة نظر الكثيرين عائقًا أمام التحول الديمقراطي.
في نهاية المطاف في أبريل ١٩٥٧، أُجبِر بلجريف على المغادرة ولم تطأ قدمه البحرين مجددًا بعد ذلك. وبعد عودته إلى بريطانيا، كتب بلجريف سيرته الذاتية بعنوان "العمود الشخصي"، وهي تلقي نظرة متعمقة على حياته وتطوير البحرين. وفي خاتمة الكتاب، ذكر بلجريف أنه إذا تم تطبيق نظام حكومي أكثر ليبرالية في البحرين، فيجب أن يتم ذلك بشكل تدريجي وأن أي محاولة "لاستعجال ذلك الأمر" ستؤدي إلى نتائج "كارثية" - وهو تعبير واضح عن السلوك الذي جعل موقفه في الدولة لا يمكن الدفاع عنه في النهاية وأجبره على الرحيل. ظل النظام الموروث الذي تركه بلجريف في البحرين محل خلاف،ولكن لا غنى عنه لأي شخص يرغب في فهم التاريخ الحديث للبحرين.