عرض عام
في عام ٢٠١٨ عادت البحرية الملكية البريطانية إلى قاعدتها التاريخية في الجفير في البحرين. وفي عام ٢٠٢٠ تم الإعلان عن البدء في إنشاء قاعدة بحرية بريطانية كبيرة أخرى في الدقم في سلطنة عمان. يُعتبر كلا الحدثين جزءًا من تاريخ أطول للوجود البريطاني في الخليج والذي بدأ مع شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا . وفي خضم تاريخ التوترات هذا، كانت القواعد البحرية نقاطًا محورية لكل من النظام الإمبريالي البريطاني في الخليج ومعارضيه.
غالبًا ما أثار السياسيون والقادة العسكريون البريطانيون والعرب في الخليج العلاقات التاريخية بين بريطانيا والدول العربية في الخليج فيما يتعلق بالقواعد الباقية اليوم. ومع ذلك، ولأكثر من قرن، تم بناء القواعد البحرية البريطانية واختيار مكانها في المنطقة قبالة سواحل إيران.
من نابليون إلى رضا شاه
يمكن تقفي فكرة احتلال بريطانيا لجزيرةٍ في الخليج لاستخدامها كقاعدة إستراتيجية إلى فترة الحروب النابليونية. فمع احتلال نابليون لمصر، ومغازلة إيران والإمبراطورية العثمانية، كان شبح الهجوم على المستعمرات البريطانية في الهند عبر إيران أو الخليج يطارد المسؤولين البريطانيين. ومنذ عام ١٨٠٠، اقترح جون مالكوم المسؤول في شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا احتلال جزيرةٍ في الخليج، واستخدامها إذا لزم الأمر كقاعدة للترويج للانفصالية في العراق العثماني وجنوب إيران. واعتبر مالكوم أن هذه الاستراتيجية ستحرر الحكومة البريطانية في الهند من اعتمادها الأمني على العلاقات الدبلوماسية مع القوى المجاورة، مما يمكنها من احتواء طهران والقسطنطينية المحتمل تأييدهما للفرنسيين، وتأمين السيطرة البريطانية على الخليج. كاد مالكوم أن يضع هذه الخطة موضع التنفيذ في عام ١٨٠٨، حيث كان يُعد لحملة لاحتلال جزيرة خارج، لكنْ تم التخلي عن الاستراتيجية في النهاية لصالح الدبلوماسية مع طهران.
ومباشرةً بعد حملة "مكافحة القرصنة" في الخليج عام ١٨١٩، أعادت حكومة بومباي حوالي ١٦٦٨-١٨٥٨: إدارة شركة الهند الشرقية في مدينة بومباي [مومباي] وغرب الهند. ١٨٥٨-١٩٤٧: تقسيم فرعي تحت حكم الراج البريطاني، كان معنيًا بالعلاقات البريطانية مع الخليج والبحر الأحمر. إحياء فكرة إقامة قاعدة دائمة في المنطقة. حيث أرسل اللواء ويليام جرانت كير، قائد الحملة، ضباطًا لاستكشاف جزر مناسبة قبالة الساحل الإيراني، وأرسل تقارير إلى بومباي تصف إمكانية الملاحة، وتوفُّر الإمدادات، والسكان في جزيرتي كيش وقشم.
أصدرت حكومة بومباي حوالي ١٦٦٨-١٨٥٨: إدارة شركة الهند الشرقية في مدينة بومباي [مومباي] وغرب الهند. ١٨٥٨-١٩٤٧: تقسيم فرعي تحت حكم الراج البريطاني، كان معنيًا بالعلاقات البريطانية مع الخليج والبحر الأحمر. بعدها تعليمات إلى هنري ويلوك، القائم بأعمال السفير البريطاني في إيران، لمطالبة حكومة قاجار بالتنازل عن جزيرةٍ لبريطانيا لتكون بمثابة قاعدة دائمة. وعلى الرغم من أن ويلوك ادّعى أن الهدف الوحيد للقاعدة المقترحة هو قمع "القرصنة"، إلا أن القاجاريين كانوا غير متحمّسين للاقتراح وحذِرِين من وجود قوات أجنبية على أعتاب منازلهم.
وعلى الرغم من معارضة إيران، احتلت القوات البريطانية قشم في عام ١٨٢٠، مستشهدة بإذن شفهي من إمام مسقط، الذي طالبَ أيضًا بالجزيرة. قُوبل ذلك باعتراضات إيرانية شديدة، وطالبَ وزراء إيرانيون بانسحاب القوات البريطانية. واقترحوا أيضًا أن يتحمل حسين علي ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". فرمانفرما، الأمير الحاكم أمير من العائلة الملكية عمل أيضًا حاكمًا لإقليم إيراني كبير خلال فترة حكم القاجار (١٧٩٤-١٩٢٥). لفارس، الذي حكم ساحل الخليج الإيراني، مسؤولية مكافحة "القرصنة" في المنطقة. لكن هذا العرض قوبل بازدراء المسؤولين البريطانيين.
استمر احتلال قشم حتى عام ١٨٢٢. ومنحت اتفاقية لم تكلل بالنجاح في ذلك العام بين فرمانفرما والمقيم البريطاني في بوشهر، ويليام بروس، قشم لبريطانيا لمدة خمس سنوات، لكنها اعترفَتْ أيضًا بالسيادة الإيرانية على البحرين. تنصلت بومباي من هذا على الفور، وتمت إقالة بروس. ولم تعترف إيران بخلاف ذلك مطلقًا بالاحتلال البريطاني لقشم. وحرصًا على عدم تهديد العلاقات الدبلوماسية مع طهران، تراجعت بومباي في النهاية وانسحبت من الجزيرة.
لكن في العام التالي، وبدون دعوة، عادت القوات البريطانية إلى أرض جزيرة قشم. وأصبحت باسعيدو، الواقعة على الطرف الغربي للجزيرة، القاعدة البحرية البريطانية الدائمة الأولى في الخليج التي تضم محطة تزويد بالفحم ومستشفى ومرافق أخرى، مع أن إيران لم تَمنح أي تصريح على الإطلاق.
في عام ١٩١٣، وعلى الرغم من الاحتفاظ ببعض المرافق في باسعيدو، تم نقل القاعدة البحرية الرئيسية إلى جزيرة هنجام (التي تطالب بها مسقط أيضًا، ولكن اعترفت بها بريطانيا كأراض إيرانية). واعتبر المسؤولون البريطانيون أن هنجام تتمتع بمناخ وموقع استراتيجي أفضل على مضيق هرمز. وبُنيت مستودعات الفحم، وأماكن الترفيه للبحارة، وغيرها من المرافق على الجزيرة، بينما رست السفن الحربية البريطانية في مينائها. وفي عام ١٩٢٠، بعد الاحتلال البريطاني للعراق، استُخدمت هنجام أيضًا في حبس السجناء السياسيين المرحَّلين من العراق، ومن بينهم القادة الأكراد جلال بابان والشيخ محمود برزنجي (IOR/R/15/6/392، صص. ٢٧ظ، ٢٩و). وحدث كل هذا مرة أخرى بدون إذن إيران، إذْ لم تمنح الحكومة الإيرانية سوى امتياز لمحطة تلغراف.
بعد صعوده إلى السلطة في عشرينيات القرن الماضي، سعى رضا شاه بهلوي إلى تأكيد سيطرته المباشرة على الساحل الجنوبي لإيران، وإنهاء التعدي الاستعماري على الأراضي الإيرانية، ووضع العلاقات الأنجلو-إيرانية على قدر أكبر من المساواة. وبالتالي، تعيَّن على المسؤولين البريطانيين أن يعيدوا التفكير في وضع القاعدتين. فحاول البعض إيجاد مبرر قانوني حيث كتب فرانسيس بيفيل بريدو، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي، عام ١٩٢٦ أنه بما أن باسعيدو "احتُلَّت كأراض بريطانية لأكثر من مائة عام دون إذن من الحكومة الفارسية فهي ملكنا الآن بالتقادم، ربما مثلها مثل عدن!" (IOR/L/PS/10/1095، ص. ٩٤٥ظ). غير أن آخرين أجبروا على الاعتراف بأن بريطانيا ليس لها حقوق على الجزيرتين. فكتب تشارلز ووكر من الأميرالية عام ١٩٢٧ أن "أي مناقشة رسمية للمسألة مع الحكومة الفارسية لا يمكن أن تحجب ضعف الادعاءات البريطانية، من الناحية القانونية" لأي من المَوقعَين.
وتحت ضغط رضا شاه، تخلت بريطانيا في النهاية عن القاعدتين عام ١٩٣٥. وتم نقل القاعدة البحرية الرئيسية إلى الجفير، مع فرع في شبه جزيرة مسندم في عمان. بعد ذلك، ارتبط الوجود البريطاني في المنطقة بالمشيخات على الجانب الآخر من الخليج.
عُقَد القوة الإمبريالية
كانت القواعد البحرية، أينما وُجدَت، جزءًا أساسيًا من البنية التحتية التي مكّنت بريطانيا من فرض سياساتها في الخليج. حيث قدَّمت القواعدُ الإمدادات والمواقع الأمامية والاتصالات والمرافق الأخرى لدعم قوة بريطانيا البحرية القسرية. في تلك الأثناء، كانت إيران محقَّة في الحذر من وجود الأسلحة البريطانية في أماكن قريبة، حيث وجَّهت السفن الحربية البريطانية مدافعها نحو إيران عدة مرات خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، بما في ذلك خلال الحرب الأنجلو-فارسية ١٨٥٦-١٨٥٧. وبعد محاولة إيران ضم هراة في أفغانستان، قصفت السفن الحربية البريطانية عدة موانئ إيرانية واحتلتها لإجبار إيران على الانسحاب. سهّلت القاعدة في باسعيدو من الحرب، ووفرت إعادة الإمداد والموقع الأمامي لتنسيق العمليات البحرية. وخلال هذه الحرب، عززت الحكومة البريطانية في الهند هذه القاعدة، معتبرة أنها "مفيدة ليس فقط كمحطة تزويد بالفحم ولكن كميناء توقُّف للحصول على الأوامر والمعلومات على رأس الخليج" (IOR/L/PS/20/C248، ص. ٣٤ظ). وبذلك، تم تمكين الحرب الاستعمارية على إيران من خلال قاعدة جاثمة على أراضيها.
تميط هذه المصادر في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. اللثام عن تاريخ حافل بالتوتر والعدوان الناجمان عن وجود القواعد البريطانية في الخليج. ينبغي تذكّر هذا التاريخ عند التفكير في معارضة إيران اليوم للوجود طويل الأمد للقواعد والسفن الحربية الغربية في المنطقة.