عرض عام
في ستينيات القرن التاسع عشر، كان التلغراف أسرع وسيلة اتصال، حيث وصلت الرسائل المهمة إلى وجهتها في غضون أيام بدلًا من شهور عبر سفن البريد. وكان الاتصال بالتلغراف شيئاً أساسياً للحكومة في الهند، حيث أن الخطوط المقامة عبر تركيا وبلاد فارس أتاحت تبادل المراسلات الرئيسية بين إنجلترا وإمبراطوريتها بشكل أسرع بكثير من ذي قبل.
كانت منطقة الخليج معروفة بأنها منطقة رئيسية في ربط مختلف خطوط التلغراف من أجل تسريع عملية الاتصال مع الهند وبريطانيا. كما سهلت المنطقة مد الخطوط حتى الصين وأستراليا عبر الكابلات البحرية - وهي فكرة تم طرحها منذ نوفمبر ١٨٧٤.
الرؤية المستقبلية للاتصال عبر التلغراف
في مايو ١٨٦٠، قام جون وورتلي دي لا مور، المقاول في صناعة التلغراف، بتوضيح خططه بتمديد خطوط التلغراف عبر بلاد فارس من خلال إنشاء خط من بغداد إلى البصرة ثم عبر الخليج إلى كراتشي. رأى دي لا مور أن من شأن هذه التمديدات أن تنشاً خطاً تلغرافياً أكثر فاعليةً من الناحية السياسية والتجارية من خط البحر الأحمر، وهو خط أبلغ دى لا مور عن تعرضه لنمزقات عديدة منذ إنشائه في ١٨٥٨.
في الفترة من ١٨٦٢ إلى ١٨٦٤، وصلت سفن التلغراف إلى الخليج وهي محملة بكابلات التلغراف لمد الخطوط الجديدة. وبحلول نوفمبر ١٨٦٤، اختتم لويس بيلي المفاوضات مع سلطان مسقط، ثويني بن سعيد آل بوسعيد، والتي أسفرت عن توقيع بنود اتفاق للسماح بمد خطوط التلغراف عبر مسقط.
مسارات جديدة للتلغراف
بعد نجاحه في مسقط، شرع بيلي برحلة من بندر عباس إلى بندر جاسك في ديسمبر ١٨٦٤، حيث كتب تقريرًا مفصلًا عن التخطيط الجغرافي للأراضي التي سافر فيها ومدى ملاءمتها لإنشاء خط للتلغراف، بالإضافة إلى توثيق جيولوجيا المنطقة والقبائل المحلية فيها. وفي ديسمبر ١٨٦٥، قام الكولونيل فريدريك جون جولدسميد والرائد روبرت موردوتش سميث بالمزيد من أعمال الاستكشاف للخطوط المحتملة من بندر عباس إلى جوادر. وفي الفترة بين ١٨٦٧ و١٨٦٨، تم استكشاف تمديدات محتملة أخرى على ساحل مكران وبين مسندم وهنجام وعبر بلاد فارس وبلوشستان.
في نوفمبر ١٨٦٩، وصلت سفينة كابلات في الخليج لبدء مد خطوط التلغراف من بندر جاسك إلى بومباي. وأبلغ بيلي في خطاب غير مؤرخ عن التقدم في بناء محطة التلغراف الجديدة في بندر جاسك.
الجميع يريد التلغراف
أثار عمل الحكومة البريطانية في مد خطوط التلغراف الكثير من الانتباه، فعند زيارة بيلي للأمير فيصل بن تركي آل سعود في أقاليم نجد في مارس ١٨٦٥ كان من بين الموضوعات التي تمت مناقشتها مد خطوط التلغراف في منطقة الخليج. وطبقًا لتقارير بيلي، أدرك الأمير قيمة اتصالات التلغراف بالنسبة إلى المنطقة وأهميتها.
بيد أن مجال التلغراف كان تنافساً للغاية. وأبدت الحكومة في الهند قلقها في أكتوبر ١٨٦٥ عندما تلقى الوزير المفوض من بريطانيا والمبعوث فوق العادة إلى البلاط الفارسي في طهران خبراً عن إشاعات بشأن إتفاقية سرية بين روسيا وبلاد فارس قد تؤدي إلى تخفيض الأسعار. و لو تمت هذه الصفقة السرية ، لكانت قد ساهمت في تخفيض الأسعار المفروضة على الخط التركي بين القسطنطينية وبلاد فارس - وهو عمل كان من شأنه أن يلحق الضرر الكبير بالمصالح البريطانية.
أوقات مضطربة
لم تمر عملية مد خطوط التلغراف في أرجاء الخليج من دون صعوبات . ففي يناير ١٨٦٦، تم تعليق الخدمات ما بين شيراز وبوشهر بسبب الجو البارد. ثم في أبريل من ذلك العام، وافقت الحكومة في الهند على إرسال قوارب مدفعية إلى الخليج لحماية محطات التلغراف في جوادر ومسندم التي كانت تحت تهديد القرصنة والنزاعات المحلية على ملكية الأراضي. كثيرًا ما عانت خطوط التلغراف من التوترات السياسية المحلية والعلاقة المتوترة بين بريطانيا وبلاد فارس، مما أدى في نوفمبر ١٨٦٦ إلى مشكلات في نقل التوريدات لصيانة خطوط التلغراف وكذلك لمن يتولون صيانتها.
تضمنت المشكلات مصادرة مسؤولي الجمارك أو أفراد الجيش للتوريدات أثناء إجراء عمليات تفتيش لقاطرات التوريد على الطريق الموصل إلى مواقع التلغراف.
وبالرغم من العقبات فقد مكّنت هذه الخدمة من تلقي المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج الأوامر المهمة من الهند وإنجلترا في الأوقات المناسبة، مما كان أمرًا مهماً لنفوذ الحكومة البريطانية ولوضعها في الخليج.
علاوة على ذلك، كان تطور خدمات التلغراف في الخليج في ستينيات وأوائل سبعينيات القرن التاسع عشر أمراً أساسياً للمصالح السياسية المتزايدة للحكومة البريطانية في الخليج ورغبتها في توسيع نطاقها التجاري في المنطقة.