عرض عام
منذ فترة طويلة يُشار إلى موسوعة جون جوردون لوريمر المكونة من ٥٠٠٠ صفحة بعنوان دليل الخليج وعُمان ووسط الجزيرة العربية بأنها "ليس لها نظير"، لأنها توفر "مصدراً لموضوعات متباينة مثل قصص سياسية، الاقتصاد، الرق، التلغراف والقبائل." ورغم أن العلماء والباحثين مازالوا يفحصون محتوى هذا الدليل - أو "دليل لوريمر" كما يشار إليه بإختصار - بحثاً عن معلومات، إلا أنه لا يولى إهتمام كاف إلى السياق الاستعماري لتلك المعارف.
التاريخ والجغرافيا
ينقسم المجلد الأول من دليل الخليج إلى ثلاثة أجزاء، حيث يشكل الجزآن الأولان القسم التاريخي. فالجزء الأول من المجلد "الخاص بالجزيرة العربية" يغطي التاريخ العام للخليج، حيث يتضمن تفاصيل إضافية عن الساحل العربي، وسط الجزيرة العربية، عُمان ومناطق شبه الجزيرة العربية الخاضعة للحكم العثماني (العراق). أما الجزء الثاني، "القسم الفارسي من الدليل"، فهو يغطي تاريخ الساحل الفارسي للخليج، بما في ذلك عربستان (تعرف أيضاً بخوزستان) ومكران. وبالإضافة إلى ذلك، فهو يتضمن تسعة عشر ملحقًا تشمل موضوعات مختلفة، من مصائد اللؤلؤ إلى تجارة الرقيق. كما يحتوي على معلومات عن عملية تجميع الدليل، بما في ذلك قائمة المراجع ونظام الترجمة الصوتية. وتجدر الإشارة هنا إلى الملحق خريطة صغيرة أو صورة أخرى محاطة بهامش خريطة أكبر أو خريطة مفردة أو صورة أكبر؛ أو أوراق موضوعة داخل كتاب أو مجلد أرشيفي. ف، "جولة معالي اللورد كرزون، نائب الملك والحاكم العام للهند"، وهو التقرير الرسمي لجولة نائب الملك إلى موانئ خليجية مختلفة في نوفمبر وديسمبر ١٩٠٣.
معلومات الأنساب
يتضمن الجزء الثالث من المجلد الأول واحدًا وعشرين جدول أنساب للأسر الحاكمة في الخليج وعمان ووسط شبه الجزيرة العربية. تحتوي الجداول عادة على أفرادًا مذكورين بالاسم وآخرين غير مذكورين بالاسم، ومرفقة بها أحيانًا تفاصيل موجزة عن السير الذاتية، قوائم للحاكمين بالترتيب الزمني، وملاحظات عن تجميع هذه البيانات. عامةً، تم حذف أسماء الأعضاء الإناث الأسر الحاكمة. بحسب المؤرِّخ نيليدا فوكارو، جداول الأنساب هذه تعمل بمثابة ’تذكير بصري لكيفية صياغة الحكم الملكي من قبل النسب العائلي، وتأثير النسب على سياسات المؤامرات، الاغتيالات والحروب التي أثارت العداء بين مختلف الأرستُقراطيات القبلية‘.
أما المجلد الثاني في الدليل فهو القسم "الجغرافي والإحصائي" ويتضمن بنودًا للقبائل والمدن والمناطق، مصنفة بحسب الترتيب الأبجدي، من ’عبد الإله، وهي ’قبيلة في ساحل عمان المتصالح كانت تمتلك ٢٠٠٠ منزلًا في مدينة الشارقة‘، إلى زبارة وهي ’مدينة مدمرة ومهجورة في الجانب الغربي من جزيرة قطر‘. تظهر الجداول في كافة أنحاء المجلد، وتوفر معلومات إحصائية عن السكان البدو والمستوطنين، الموزعين بحسب الدين، الطائفة والعرق؛ كما توفر معلومات عن عدد القوارب والمنازل في المواقع المختلفة؛ الأوزان والمقاييس؛ الإيرادات والمالية؛ الموارد العسكرية والبحرية؛ وإنقسامات القبائل مع قوتها القتالية.
الخرائط والصور الفوتوغرافية
يتضمن هذا القسم الجغرافي من الدليل أيضًا ستًا وخمسين صورة فوتوغرافية توضيحية للأشخاص، الأنهار، السواحل، الواحات، البنايات والمستوطنات. فقد تم التقاطها من قبل العديد من المصورين الفوتوغرافيين، ومن بينهم ضباط الاستعمار البريطانيين، مثل بيرسي زخاريا كوكس وجون كالكوت جاسكين. كما أن هناك صورًا فوتوغرافية التقطها المستكشف الألماني هيرمان بورخارت، المشهور في شبه الجزيرة العربية، وتوجد صوره حاليًا في متحف الإثنولوجيا في برلين. وبالإضافة إلى ذلك، هناك نسخ عن صور التقطتها راجا ملك دين دايال وأبنائه، المصورون الرسميون لنائب الملك في الهند. وقد اتخذت هذه الصور من السجل الفوتوغرافي لجولة نائب الملك كرزون إلى الخليج.
يتضمن الدليل أيضًا خريطتين. إحداهما، ’خريطة تظهر مغاصات اللؤلؤ على الساحل العربي للخليج العربي‘ تشتمل كذلك على جداول الأنساب. والخريطة الأخرى هي ضخمة بمقاس ١٨١،٦ × ١٣١،٢ سم وتحمل إسم ’خريطة الخليج، عُمان ووسط شبه الجزيرة العربية‘، أعدها الملازم فريزر فريدريك هانتر بالتشاور مع لوريمر.
خريطة الإمبراطورية والمعرفة الاستعمارية
وكانت عملية جمع، منهجة وتقنين المعلومات التاريخية والجغرافية والإحصائية المتناثرة غالباً في شكل أدلة، كتيبات، دراسات استرشادية وخرائط تمثل أهمية حيوية للإمبريالية الحديثة. وبحسب كريستوفر رادفورد وآخرون، يرجع أصل الدليل إلى جولة كرزون الرسمية في الخليج العربي سنة ١٩٠٣، والتي شكلت نقطة مهمة في تحول السياسة الاستعمارية تجاه التعامل مع دول الخليج باعتبارها مماثلة للولايات الأميرية الهندية.
وفي تجميع كتاب الدليل، كان لوريمر وفريقه مكلفون بالاضطلاع بمشروع يتضمن الكثير من أعمال الأرشفة، الأبحاث الببلوغرافية، أعمال المسح، الأعمال الميدانية ، والتعامل مع طلبات المعلومات والبيانات من الممثلين الاستعماريين والوكلاء المحليين في البلاد. وتشير بريا ساتيا إلى أن تلك كانت "القوة الدافعة وراء الزيادة في الجولات القنصلية خلال تلك الفترة‘. وقد أسهم ذلك أيضاً في ’العملية التكرارية‘، مما عززت وزادت من ترابط مجتمع الوكلاء السياسيين الذي ظهر نتيجة لسياسة كرزون في توحيد الخليج العربي مع الهند.
كما أن خريطة هانتر تعد مثالًا جيدًا على كيفية تنفيذ هذا. وبحسب ما ذكر، فقد كانت خريطة مبتكرة وكانت عملية إعدادها مليئة بالتحديات: ’لقد أمضينا أنا والسيد لوريمر، وهو رسام الخرائط، شتاء ١٩٠٥- ١٩٠٦ في مكتب الخارجية في شيملا، الذي تم تصميمه للاستخدام في شهر الصيف. فقد عملنا من عشر إلى أربع عشرة ساعة، وفي الغالب كنا مرتدين المعاطف والقفازات، والأحبار التي إستخدمناها كانت متجمدة باستمرار: لقد كان إتقان الرسم الهندسي عملًا صعبًا.‘
الأيديولوجية الاستعمارية
غير أن الابتكار في رسم الخرائط كان متأصلًا في الأيديولوجية الاستعمارية. وقد استخدم هانتر نفس الإسقاط ومقياس ٣٢ ميل إلى البوصة كما هو مستخدم في مسح الهند. وقد أتاح هذا ’دمج الخريطة مع خريطة الهند، مما وفر لمحة عن ذلك الجزء من العالم بين بورما ومصر‘. لذلك تم وضع الخليج بصورة خرائطية وسياسية داخل الراج البريطاني، مما خلق ’جغرافيات جديدة للحكم‘ بحسب تعبير نيليدا فوكارو. وبحسب فيليكس درايفر، كانت هذه الجغرافيات متحاربة بما أن ’التخطيط الطبوغرافي للإمبراطورية نفسها تم تقديمه كأداة لممارسة السلطة‘، مما أتاح لبريطانيا أن توحد ’النزاعات الداخلية للأراضي‘، مما سهل السيطرة الإمبريالية، الاستغلال والتجارة.
في كتابه الإمبراطورية والمعلومات الصادر في ١٩٩٦، لاحظ س. إ. بيلي أن ’توسيع المعرفة لم يكن منتجًا ثانويًا للإمبراطورية بقدر ما كان شرطًا لها‘. والواقع أن المعلومات في دليل لوريمر تم نسخها وإعادة تقديمها في عدد لا يحصى من التقارير الاستعمارية، الأوراق السياسية والكتيبات اللاحقة. وقد دفعت هذه التقارير للمزيد من الاستكشاف وجمع المعلومات في شبه الجزيرة العربية وما وراءها، وقد ساعد كل ذلك في تعزيز وتوسيع نطاق الهيمنة الاستعمارية البريطانية على الشرق الأوسط. ولا يزال أثر ذلك يرتد حتى يومنا هذا.