عرض عام
سجلت المطبوعة البريطانية المتخصصة في عرض السير الذاتية والمعروفة باسم "هو إز هو" (Who's Who) في سنة ١٩٤٢ أن إدوارد ويكفيلد وتوم هيكينبوثام، الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية بالكويت، أبحرا حول وربة وهي جزيرة في الخليج تقع بالقرب من مصب نهر الفرات. ولكن بعد نحو عشرين سنة عن تقاعدهما من خدمة الإمبراطورية، تم الاعتراف بأن لم يكن هذا إنجازًا كبيرًا في نهاية المطاف.
"بالأحرى، مجرد نكتة"
في مارس ١٩٦١، أُعيد نشر مقال في صحيفة "أسوشياتد بريس" كتبه إدي جيلمور في عدد من الصحف تحت عناوين مثل "خدعة هيكينبوثام" و"مجرد مزاح مع "هو إز هو" (Who's Who): أبحر الرجال حول وربة" و"تتعلم [مجلة] "هو إز هو" ما هو المطلوب: استُخدمت المطبوعة الرزينة لتحتفظ النكتة بتأثيرها لسنوات".
"رجلان إنجليزيان بارزان" - كما كتب جيلمور - "اعترفا يوم الجمعة بأنهما ظلا يخدعان طيلة أعوام تلك المطبوعة السنوية الرزينة الموثوقة والمعروفة باسم "هو إز هو". واقتُبس عن هيكينبوثام قوله: "كل الأمر مجرد نكتة. فجزيرة وربة هي في الواقع ربوة طينية في الخليج العربي مرئية فقط للتو في المياه العالية". وتابع قوله: "قُلت ذات يوم للسيد ويكفيلد، "أنصت إليَّ، لم يسمع أحد بجزيرة وربة". ومن ثم قررنا إبرازها على الخريطة بالإبحار حولها في زورق".
"ملل قاتل"
أرجعت بعض الصحف هذه المزحة إلى حقيقة أن خدمة الإمبراطورية في الكويت "كانت غاية في الملل". ألمح هيكينبوثام إلى هذا الملل في خطاب شخصي بتاريخ أغسطس ١٩٤٢ أرسله إلى ويليام روبرت هاي، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي. وكتب في تشبّه بين منصبه المؤقت في الكويت ووظيفة طبيب عائلة: "طبيب العائلة لا يملك أية سلطة في البيت عندما تكون صحة العائلة جيدة [...] معظم الناس يكرهون طلب الطبيب بينما يرجون أمل الشفاء دون مساعدة [...] فهم غير راغبين تحديدًا في أخذ مشكلاتهم إلى طبيب نائب".
في الأسبوع التالي وربما في محاولة لرفع معنويات هيكينبوثام، أرسل هاي له اثنتا عشرة زجاجة من النبيذ الفارسي.
قراءة إمبراطورية
كانت القراءة من طرق مواجهة هذا الملل. يحتوي "الملف الخاص" لهيكينبوثام على مراسلات مع بائعي الكتب مثل "ثاكر آند كومباني ليميتد" و"ذا تايمز بوك كلوب" التي تبين تفاصيل الكتب التي حصّل عليها هيكينبوثام لنفسه ولمكتبة الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. .
قد تكون بعض الكتب وسيلة للاستمرار في إضفاء الشرعية على البعثة الإمبراطورية التي كان هيكينبوثام جزئاً منها، رغم أن هذه الكتب قد تكون أيضاً بكل بساطة تمثل نوعاً من التهرب من الواقع.
تضمنت الكتب التي اشتراها هيكينبوثام سيرًا ذاتية – أوشكت بتقاربًا لسير القديسين – للإمبرياليين مثل "حياة السير بيرسي كوكس: السجل المذهل لإمبرليالي عظيم" بقلم فيليبس جريفس و"ألينبي: دراسة في العظمة" بقلم أرشيبالد ويفل، وأيضًا السير الذاتية لرجال الدولة مثل "الدوق وبالمرستون" بقلم فيليب جويدالا وغيرهم من المرتبطين بمغامرات المستشرقين مثل "زوجة السير ريتشارد بيرتون" بقلم جين بيرتون. ونتيجة للحرب العالمية الثانية، تم شراء كتب لها علاقة بالحرب مثل كتاب جويدالا "السيد تشرشل" وكتاب وينستون تشرشل نفسه "الأزمة العالمية". يمكن أن تكون هذه الكتب بمثابة دعاية إمبراطورية ذاتية الاستمرار لرجل مثل هيكينبوثام والذي كان ليس يقرأ فقط بل ويشارك بفاعلية في بناء الإمبراطورية.
كانت اليمن وشبه الجزيرة العربية نقطة تركيز أساسية لهيكينبوثام منذ أن خدَم في عدن في الفترة ما بين سنتي ١٩٣١ و١٩٣٩. وقد اشتملت الكتب المتعلقة بالرحلات والاستكشافات على عناوين مثل كتاب بول هاريسون "طبيب في شبه الجزيرة العربية" و"شبه الجزيرة العربية والجزر" بقلم هارولد إنجرامز، "في أعالي اليمن" بقلم هيو سكوت، وكتاب المتحف البريطاني بعنوان "بعثة إلى جنوب غرب شبه الجزيرة العربية: ١٩٣٧–١٩٣٨".ويبدو على الأرجح أن هيكينبوثام كان منشغلًا بعدن نظرًا لأدواره في خدمة الإمبراطورية هناك، مما أتاح له فرصة استكشاف المناطق النائية في اليمن مثل منطقة المهرة وجزيرة سقطرى. وعاد فيما بعد إلى عدن سنة ١٩٤٨ وخدم كحاكم ما بين سنتي ١٩٥٠ و١٩٥٦.
الإعلان
سوَقت دور النشر لمسؤولي المستعمرات عبر المراسلات البريدية المستمرة للإعلان عن "أحدث الإصدارات" والتي تضمنت كتبًا في قسمين اثنين: "الروايات" مثل "كولومبوس" لرافايل ساباتيني و"سقوط القمر" بقلم جون ستينبيك و"الأدب العام" الذي تركز بشدة على جهود حرب الحلفاء بعناوين مثل كتاب هاتشينسون "التاريخ التصويري للحرب" و"أخفى أسرار هتلر: ما الذي في جعبته لبريطانيا" بقلم ريتشارد باكستر.
يمكن أن يكون الهدف من هذا التسويق المخصص هو علاج حالة الملل والإحباط الجنسي المحتمل لدى مسؤول إستعماري أعزب وبعيد عن وطنه. ومن الأمثلة على ذلك بطاقة ملصقة على خطاب من "ثاكر آند كومباني" تسَوق كتاب إريك ل. دن الذي يحمل، بشكل مداعب، العنوان المثير "قصص من مخدع النساء إلى الحانات"، وهو كتاب يحتوي على نكات وقصص "تغمسك في لهو وصخب مرِح" وتم تسويقه "للرجال فقط".
الملل الإمبراطوري
كانت الإمبراطورية مملة حقًا. ولم يكن هذا فقط لأن الهند أوالكويت أو غيرها من المستعمرات البريطانية كانت أماكن عادية ورتيبة في أساسها، ولكن لأن الإدارة الإمبراطورية في حد ذاتها كانت تعاني من ابتذال متزايد.
يذكر جيفري أورباك أن "المدراء البريطانيين على جميع المستويات كانوا يتململون من مكابدة السفر والعمل في خدمة الملك أو الملكة والدولة" لأن "مهمة نشر الحضارة كانت بحق من الشؤون الإدارية المُبتذَلة". أدّت طبيعة الإمبراطورية المنغمسة في البيروقراطية والمظاهر الاحتفالية على نحو متزايد إلى وضع كانت فيه "الحقيقة بكل بساطة لا ترقى للتوقعات التي أوردتها الصحف والروايات وكتب السفر والدعاية".
ظلت الإمبراطورية مُشَيّدة لفترة طويلة باعتبارها مكانًا للإثارة والاستكشاف والخيال الاستشراقي، وعزز من تلك الصورة الإقبال على أشكال أدبية متنوعة صوّرت خدمة الإمبراطورية في ثوب من الإثارة والمغامرة والغرابة. وعلى الرغم من بعض الإستثناءات، كان مسؤولو المستعمرات مثلما يخلّص أورباك "زاهدين من كآبة حياتهم الإمبراطورية" و"توّاقين إلى تجاهل الإمبراطورية التي بنوها أو الهرب منها".