عرض عام
إمام مسقط
تمتع سعيد بن سلطان آل بوسعيد (١٨٠٤-١٨٥٦)، الذي يُشار إليه في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. بإمام مسقط، بسلطةٍ كبيرةٍ خلال القرن التاسع عشر، حيث هيمن على أراضٍ شاسعةٍ تمتد من عُمان حتى زنجبار وساحل أفريقيا الشرقي. في عام ١٨٤٠، نقل إمام مسقط بلاطه إلى زنجبار بعد أن ولى أحد أبنائه على مسقط، وانتقل معه الوكيل البريطاني في مسقط، النقيب أتكنز هامرتون (١٨٠٤-١٨٥٧). خلال هذه الفترة، كانت تجارة الرقيق من أبرز الموضوعات التي تناولتها رسائل هامرتون إلى رؤسائه في الهند، حيث عزف الإمام عن منعها نظرًا لأنها كانت تشكل جزءًا كبيرًا من عائداته. غير أن مجالاتٍ أخرى للتجارة كانت متوفرةً في زنجبار، مما جعلها وجهةً جذابةً للتجار البريطانيين. انشغل هامرتون أيضًا بمراقبة الأوروبيين الآخرين، إذ لم يكن النفوذ البريطاني في زنجبار مترسخًا كما كان في الخليج، كما شكلت فرنسا منافسًا قويًا في المنطقة من خلال سيطرتها على ريونيون (المعروفة بـ"بوربون" آنذاك) ونشاطها في مدغشقر.
لم يكن اهتمام بريطانيا بالإمام مقتصرًا على التجارة، حيث كانت عُمان قوةً كبيرةً في الخليج، وكان الإمام ما يزال يمتلك نفوذًا كبيرًا في المنطقة، حتى بعد أن فوض شؤون الإدارة اليومية إلى ابنه. نظر المسؤولون البريطانيون إلى مسقط على أنها قوة راسخة وصديقة في الخليج، وسعوا إلى عدم تفضيل الإمام للمصالح الفرنسية أو الأمريكية على حساب المصالح البريطانية.
رسائل هامرتون
نقل هامرتون الشائعات حول التحركات الفرنسية، حتى عندما كانت بريطانيا وفرنسا في حالة سلم مفترَضة. وأعرب عن قلقه، بشكلٍ خاص، من مؤشراتٍ عن اعتزام فرنسا تأسيس وجودٍ لها في أماكن أخرى قرب زنجبار، بما في ذلك الجزر الواقعة قبالة مدغشقر وسيشيل. وقد وردت أنباء متكررة عن رؤية مسؤولين فرنسيين في جزيرة نوزي بي، وعن موافقة الإمام على استقرارهم فيها.
كان منصب هامرتون معزولًا، مما قد يُفسر تفانيه في تسجيل أي إهانات متصوَّرة في حق الهيبة البريطانية. سجل هامرتون بارتياب تصرفات العناصر الفرنسية والأمريكية في زنجبار، معتقدًا محاولتهم تشويه سمعة بريطانيا قدر الإمكان، وقد يكون ذلك حقيقيًا إلى حدٍ ما. وقد تأثر مركزه شخصيًا في عام ١٨٤٢ عندما قام ممثل الإمام في لندن، السيد علي بن ناصر البوسعيدي، بإبلاغ جورج هاميلتون-جوردون، وزير الدولة للشؤون الخارجية، أن الإمام قد فقد ثقته في هامرتون.
تبادل السلطة الناعمة
في هذه الأجواء، كانت للتصرفات الصغيرة دلالات كبيرة. ففي عام ١٨٢١، أبلغ أحد مسؤولي الجيش البريطاني عن امتلاك الإمام لبعض الخزف الفرنسي الذي بدا أنه يعتز به كثيرًا. لذا، اقترح هذا المسؤول أن تقوم بريطانيا بإهداء الإمام نجفة لقصره الجديد، بالإضافة إلى "طقم كامل من الكؤوس الزجاجية المصقولة" (IOR/F/4/711/19405، ص. ١٢٩و). لم تكتفِ الحكومات البريطانية في الهند بذلك، بل قررت إظهار تفوقها على الفرنسيين بإضافة مجموعة من الخزف البريطاني المُزخرف بمشاهد من إنجلترا.
لاحظ هامرتون تبدل سلوك الإمام تجاهه بعد وصول السلوب الحربية "ليلي" عام ١٨٤١، بقيادة القبطان جون ألين. اعتاد مستشارو الإمام في السابق على الجهر بحديثهم عن "قوة أمريكا وثروتها، بحيث يتسنى لـ[هامرتون] سماعهم"، لكن سرعان ما توقف ذلك وبات الإمام أكثر ودًا تجاهه (IOR/F/4/1959/85480، ص. ١٧١و). استجاب الإمام لطلب هامرتون المتكرر بمنع سفينتين من الإبحار، بل وقام بتغيير اللوحتين الموجودتين في غرفة الاستقبال لديه، واللتين كانتا تُظهِران أمريكيًا يستحوذ على سفينة بريطانية، واستبدلهما بلوحتين تصوِّران معركة نافارين. وتعزز الانطباع الإيجابي نتيجة العلاقة الشخصية الطيبة بين هامرتون وألين.
بالرغم من ذلك، استمر هامرتون في تصور وجود مكائد أمريكية. فقد ألقى باللوم على مؤامراتهم السرية فيما يتعلق بتوهم الإمام بعدم علم الحكومة البريطانية بتصرفات شركة الهند الشرقية، أو عدم سيطرتها على تلك التصرفات. تسبب هذا التوهم في تواصل علي بن ناصر مع الحكومة البريطانية مباشرةً طالبًا منها منع الشركة من محاولة إثناء الإمام عن تجارة الرقيق من شرق أفريقيا إلى الخليج.
في عام ١٨٤٢، وقعت حادثة خطيرة أخرى. يصف هامرتون إكراه التجار البريطانيين على توقيع إقرارٍ بعدم اعتبارهم رعايا بريطانيين وبأنهم سيصبحون من حينها من مواطني زنجبار بمحض إرادتهم، ولن يلتمسوا الحماية البريطانية. أخبر هامرتون الإمام بأن الحكومة البريطانية لن ترفع حمايتها عن هؤلاء الأشخاص؛ ورد عليه الإمام بأنه قد بلغه أن من يعيشون في أمريكا لوقتٍ طويل يصبحون مواطنين أمريكيين. ومع هذا، لم يقبل هامرتون بإمكانية إكراه هؤلاء الأشخاص على التنازل عن جنسيتهم البريطانية لمجرد إقامتهم في زنجبار.
استمر وجود خلافات عملية حول التجارة في زنجبار، حيث فضل مسؤولو الجمارك، على ما يبدو، التجارة مع الأمريكيين. في هذه الأثناء، اشتكى هامرتون من منع التجار البريطانيين من التجارة في صمغ الكوبال والعاج والبنادق والبارود والمنسوجات.
نمطٌ أوسع
في أنحاء الخليج، كانت المنافسات الكبيرة تتجسد في سفاسف الأمور، بدايةً من مسائل حول الهدايا ووصولًا إلى إذا ما كان ينبغي منح الوكيل البريطاني الدائم رتبة أعلى من القنصل الفرنسي الزائر. كانت هذه المؤشرات الصغيرة انعكاسًا لتوتراتٍ سياسيةٍ أوسع نطاقًا، وكان رصدها ينبه الوكلاء إلى تغير الآراء قبل إقرارها كسياساتٍ رسمية.