عرض عام
إن المدنيين الذين عاشوا خلال الحرب العالمية الأولى في بلدان لم يكونوا فيها مواطنين غالبًا ما كان يتم اعتقالهم. ففي أنحاء الإمبراطورية البريطانية، كان يُنقل المدنيون أحيانًا عبر مسافات بعيدة: حيث كان يجري عادةً نقل المواطنين الألمان الذين يعيشون في شرق أفريقيا البريطانية والخليج إلى الهند. ولئن كانت سياسة الاعتقال الخاصة بالإمبراطورية العثمانية أقل انتشارًا، إلا أنه تم اعتقال بعض المدنيين والمسؤولين الفرنسيين والبريطانيين في تركيا. وبالنسبة للقوى الحاكمة، خلق الاعتقال تحديات لوجستية، مرتبطة بنقل أعداد كبيرة من الناس أثناء الحرب، وكذلك بإدارة شؤون المعتقلين الخاصة وشؤون أعمالهم خلال مدة الحرب.
البريطانيون في بغداد
بدأ جون كالكوت جاسكين العمل كمساعد تجاري للقنصل البريطاني في بغداد سنة ١٩٠٦. في ٢٢ نوفمبر ١٩١٤، وبعد سبعة عشر يومًا على إعلان بريطانيا الحرب على الإمبراطورية العثمانية، حُكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر لإلقائه جزء من الذخيرة الخاصة بحرس المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. البريطانية في النهر. وفي ديسمبر، نقله العثمانيون خارج بغداد، برفقة موظفي المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. البريطانية الآخرين. إلا أنه تم إبقاء بعض المواطنين البريطانيين في بغداد. عندما اتجه البريطانيون إلى هناك في أكتوبر ١٩١٥، حاول العثمانيون استبدالهم بمسؤولين عثمانيين من الكوت، كان البريطانيون قد احتجزوهم في الهند. أُرسل موظفو المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. البريطانية في بداية الأمر إلى حلب، ومن ثم إلى القسطنطينية (إسطنبول)، باستثناء جاسكين، ومن هناك أُعيدوا إلى وطنهم. ظل جاسكين معتقلاً في حلب برفقة المواطنين البريطانيين الآخرين، إلا أنه نُقل إلى القسطنطينية فيما بعد حيث قضى معظم مدة الحرب.
عند اندلاع الحرب، اعتقلت الحكومة التركية بعض المواطنين البريطانيين والفرنسيين والروس المقيمين في الأراضي العثمانية. واعتُقل المزيد مع استمرار الصراع، إلا أنه لم تُصدر أوامر بالاعتقال الجماعي. ولكن الكثير من المواطنين البريطانيين والفرنسيين ممن كانوا يعملون في المرافئ فقدوا وظائفهم، حيث تم إغلاق المرافئ أمام حركة المرور الدولية، وفي طريق العودة إلى بلادهم، تقطعت بهم السبل في أثينا. في ٢٨ ديسمبر ١٩١٧، وقّعت بريطانيا وتركيا اتفاقية تسمح بتبادل السجناء المدنيين. كذلك اعتُقل بعض المواطنين العثمانيين المقيمين في بريطانيا عند اندلاع الحرب، مع أن العديد من الأرمن والسوريين المسيحيين والعثمانيين اليونانيين أُطلق عليهم "أصدقاء" فبقوا ينعمون بالحرية. في يونيو ١٩١٥، كان هناك فقط ٩٤ من الرعايا العثمانيين في معسكرات الاعتقال في بريطانيا، في حين سُجّل ٤٩٣ من الرعايا العثمانيين غير المعتقلين في البلد.
مشكلة جاسكين
تمامًا كما كانت تستمر البلدان في دفع رواتب جنودها عند أسرهم واعتقالهم، استمر البريطانيون في دفع رواتب موظفي حكومتهم المعتقلين، إذ كانوا لا يزالون في الخدمة البريطانية. ولئن اعتُقل جاسكين، كانت المشكلة الأساسية للسلطات البريطانية تتمثل في دفع راتبه، واستمرت تبعات ذلك في تسبب المشاكل حتى سنة ١٩٢٨. فتولت حكومتا هولندا والولايات المتحدة المحايدتان دفع راتبه من القسطنطينية، ومن ثم استردتا الأموال من الحكومة البريطانية، إلا أنهما دفعا له أكثر من اللازم بسبب سوء فهم بخصوص سعر الصرف. حيث كان سعر الصرف "الرسمي" بحسب ما دُفع لسجناء الحرب العسكريين في تركيا حوالي ١٣٣ قرشًا لكل جنيه إسترليني، في حين دُفع لجاسكين حوالي ٢٥٠ قرشًا لكل جنيه إسترليني، مما حسن أحواله المادية بشكل كبير.
في أغسطس ١٩١٨، نُقل جاسكين إلى سويسرا لإعادته إلى بلاده. ومرة أخرى، كانت الشؤون المالية مثار قلق لمكتب الهند. حيث دفعت الحكومة البريطانية نفقات رحلته من سويسرا إلى إنجلترا، ويتساءل ديفيد مونتيث، السكرتير الخاص لوكيل وزير الدولة، عما إذا كان على جاسكين إعادة تلك الأموال. عُين جاسكين بعدها في بلاد الرافدين، ومن ثم جادل بالنجاح أنه ليس عليه دفع نفقات رحلته إلى هناك، حيث أنه لم يكن هو من اختار العودة إلى إنجلترا.
الجميع إلى الهند
أُرسل المواطنون الألمان والنمساويين-المجر والعثمانيون الذين اعتقلهم البريطانيون إلى أحمد ناجار، معسكر الاعتقال في ماهاراشترا، غرب الهند. كانت أحمد ناجار سابقًا قاعدة عسكرية بريطانية أثناء حرب البوير الثانية (١٨٩٩-١٩٠٢). حيث احتُجز هناك أثناء الحرب سبعة معتقلين من الشركة الألمانية روبرت وونكهاوس وشركاه.
زود البريطانيون المعتلقلين بالاحتياجات الضرورية، وكذلك تولوا المسؤولية عن أموالهم الشخصية. حيث دفع البريطانيون مبالغ إضافية للمعتقلين، وعرضوا عليهم بيع أراضيهم ومجوهراتهم بالنيابة عنهم، إذا ما احتاجوا إلى المزيد من الأموال لشراء مواد إضافية في المعسكر، كالمزيد من المصابيح أو الطعام. كان يتم كذلك دفع بعض الأموال من أصول أصحاب عملهم، التي تمت مصادرتها، وإن كان هناك بعض النقاش الدائر بين الحكومة في الهند ووزارة الخارجية حول مقدار الأموال التي يُسمح للبريطانيين أخذها من الشركات بموجب اتفاقية لاهاي بشأن استخدام ممتلكات العدو. وأدى ذلك إلى إجراء تحريات عن أموال أصحاب العمل لمعرفة ما إذا كان للموظفين، على حد قول المعتقلين من شركة وونكهاوس، رصيد ائتمان خاص لدى الشركة، وبالتالي من حقهم الحصول على أموال من الشركة.
إن قانون تعديل الاتجار مع العدو (١٩١٦) أدى إلى المزيد من التعقيدات للبريطانيين، حيث يتطلب تصفية أصول العدو وإيداع إيرادات البيع في عهدة أمين. وأراد بيرسي كوكس، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي، مصادرة أصول شركة وونكهاوس، لأنه شعر بأنه يتوفر الدليل على أن "فروعهم في المرافئ الفارسية على الخليج كانت تستُخدم لتمويل مهمات القرصنة والاغتيال الألمانية التي تستهدفنا [البريطانيين] في بلاد فارس، والتي لعب فيها بعض موظفيهم شخصيًا دورًا فعالاً" (IOR/L/PS/10/565، ص. ١١٥و). على أن هذا قد لقي رفضًا من جانب وزارة الخارجية.
المصالح التجارية
كذلك الأمر، كان التواصل حيويًا بالنسبة للشركات التي تعاملت مع المناطق الخاضعة للسيطرة العثمانية. حيث حُظرت المعاملات التجارية مع الأراضي الواقعة تحت احتلال العدو، إلا أنه لم يكن رسم الحدود الفاصلة بالأمر اليسير. فكتبت شركة الإخوة جولبنكيان وشركاهم، ومقرها في لندن، عبر محامييها إلى وزير الدولة للشؤون الداخلية في ٢٤ فبراير ١٩١٥، للاستفسار عما إذا كانت التجارة مسموحة مع البصرة، وطلبوا تأكيدًا خطيًا بأن المدينة في أيادٍ بريطانية قبل إلزام أنفسهم (IOR/L/PS/10/565، ص. ٢٤٠و). هذا وطمأنهم رالف باجيت، مساعد وكيل وزير الدولة للشؤون الخارجية، بأنه يمكنهم مواصلة التجارة مع البصرة. وعلى نحو مماثل، تلقت شركة بلوبيل لمواد التلميع في لندن طلبيةً إلى البصرة فقاموا بالتحري عن موقعها في الأطلس؛ وعند اكتشافهم أنها تقع في تركيا الآسيوية، طلبوا تأكيدًا من وزير الدولة لشؤون المستعمرات قبل المضي قدمًا.
ومن الحالات الصعبة على نحو خاص تلك التي شملت السفينة البخارية البريطانية "أماتونجا" التي تملكها شركة إيليرمان وبكنال للبواخر، والتي كانت قد أبحرت إلى البصرة قبيل إعلان الحرب. إلا أنها تعرضت للتأخير في بوشهر من قبل الموظفين البريطانيين، مما أدى إلى وصولها إلى البصرة بعد اندلاع الحرب، ونتيجة لذلك تعرضت حمولتها للنهب أو الحرق. وللأسف، قرر البريطانيون تأجيل التماس التعويض إلى ما بعد انتهاء الحرب، حينها (كما كانوا يأملون) يمكن استرداد ثمن الحمولة من العثمانيين.
من الواضح أن إدارة بلد أثناء الحرب، ناهيك عن إمبراطورية عالمية، تنطوي على ما هو أكثر بكثير من الشؤون العسكرية. فتولى مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. المهمة الصعبة المتمثلة بتنسيق العمل عبر شتى أقاليم شرق أفريقيا وزنجبار والخليج.