عرض عام
كانت تجارة الرقيق المزدهرة بين ساحل شرق أفريقيا والخليج إحدى التحديات التي واجهها النقيب فيليكس جونز، المقيم البريطاني في الخليج العربي خلال الحرب الأنجلو فارسية والثورة الهندية. ولكن لماذا تسببت تجارة الرقيق - التي كانت من الاهتمامات الأساسية لبريطانيا في الخليج - مثل هذا القدر من الإرتياع لجونز؟ ولماذا كان المسؤولون البريطانيون غير مهيئين بشكل فاضح لمواجهة التحديات المتمثلة في تجارة الرقيق في المنطقة؟
بررت بريطانيا تواجد قواتها البحرية في المياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية كضرورة لإرساء السلام البحري. من الناحية العملية، كان يعني هذا منع أية أعمال عدائية في البحر واعتراض ومصادرة أية سفن حاملة بضائع محظورة - وخاصةً الرقيق. بيد أن العمليات البحرية البريطانية ضد تجارة الرقيق كانت غير مجدية في كثير من الأحيان. تكشف المراسلات المتعلقة بتجارة الرقيق من وإلى جونز - الذي كان مقيمًا مباشراً وأحياناً غير لبقاً - عن مدى المشكلات التي واجهتها الحكومة البريطانية وضباط البحرية.
معاهدات غير كافية
أدرك ضباط أسطول البحرية الهندية في الخليج العربي والمسؤولين البريطانيين في بوشهر وطهران أن المعاهدات القائمة بين الحكومة البريطانية والحكومة الفارسية ومختلف مشايخ العرب لقمع تجارة الرقيق كانت محدودة النطاق وتستغل بسهولة. علاوة على ذلك، قيدت معاهدات البريطانيين تدخلهم في المراكب في البحر فقط، بما يعني أنهم كانوا ممنوعين عن التدخل مع الرقيق أو مختطفيهم بعد أن قد حطوا في أي ميناء.
أدى غموض هذه المعاهدات الخاصة بتجارة الرقيق إلى حوادث مثل الواقعة في نوفمبر ١٨٥٨ حيث تردد فيها مسؤولو البحرية البريطانية في إيقاف سفينة أبحرت من بوشهر وتفتيشها - حيث كانت تشتبه في حملها الرقيق - خوفًا من انتهاك القانون الدولي.
نقص الموارد المناسبة
كانت المشكلة الكبيرة الثانية التي واجهها المسؤولون البريطانيون في الخليج هي نقص العدد الكافي لسفن البحرية في الهند لمواجهة تجارة الرقيق. في أكثر الأحيان، لم تُخصص سوى سفينة أو سفينتين للتجول في المياه الساحلية وهذا رغم كون المسؤولين البريطانيين على علم بالمواعيد المحددة لعودة السفن التجارية من أفريقيا إلى الخليج بفضل الرياح الموسمية السنوية.
كتب جونز في ٢٥ أبريل ١٨٥٧ أن رغبته في "إرسال سفينة حرب من حين لآخر لاعتراض المراكب من زنزبار رُفضت تمامًا". وشكى جونز في العام التالي مرة أخرى: "لم تتمكن الحكومة حتى اليوم أن تخصص سفنًا، سواء كافية في العدد أو في الفئة المطلوبة لاجتثاث مشكلة الاتجار في البشر من جذورها".
زاد من تفاقم المشكلة عدم مناسبة سفن البحرية الهندية تمامًا لمياه ساحل الخليج الضحلة جدًا. ففي خطاب مؤرخ في ١٧ نوفمبر ١٨٥٨ كتب جونز أنه مع "تمام الأسى أن يجد عدم ملاءمة الأسطول للقيام بالمهام العام في هذا الخليج" فإنه مضطر لإرسال المركب الشراعي تيجريس – المركب الوحيد في الخليج القادر على الإبحار في المياه الساحلية الضحلة - للخدمة في بومباي (IOR/R/15/1/177، ص.٥١).
هل هو عدم التزام؟
كان نقص الموارد المناسبة لمكافحة تجارة الرقيق واضحاً في "مستودع" الرقيق في باسيدور (باسعيدو) بجزيرة قشم، حيث تم حبس الرقيق المتحررين حتى تمكنوا من إعادتهم إلى أوطانهم أو إلى مكان آخر. أقر جونز إستخدام المصروفات المخصصة لإنشاء المباني في باسيدور لإيواء الرقيق المتحررين في يوليو ١٨٥٦، وبعد أكثر من سنة بقليل في نوفمبر ١٨٥٧ شكى الرجل كون المستودع في "وضع متهدم وغير مناسب". وبعد ثمانية عشر شهرًا في يوليو ١٨٥٩ كتب جونز إلى القائد الأعلى لأسطول الخليج العربي معلناً قراره لإلغاء تعيين وكيل أوروبي للرقيق في باسيدور نظراً لقلة عدد الرقيق في المستودع.
وكان شعوره بالإحباط مبررًا. خلال الأعوام السبع التي قضاها في بوشهر، لم تتحسن الموارد المتاحة له لقمع تجارة الرقيق، ووصف جونز تلك الموارد بأنها "ضعيفة" وفي "حالة مهملة" وقادرة على تحقيق نتائج "فاشلة" في ١٨٥٩. ويدل إحباطه على مدى الجهود البريطانية الهادفة لقمع التجارة البشرية بالمحيط الهندي والخليج خلال هذه الفترة كانت ممتزجة في أفضل الأحوال وفاشلة للغاية في أسوأها.