عرض عام
ففي ٢ فبراير ١٩٤٣، سقطت طائرة بريطانية محطّمة في الصحراء العربية على بعد خمسة وثلاثين ميلاً من الشارقة. وكانت الطائرة المحطّمة من طراز بلينهيم بيزلي (بلينهيم م.ك.V)، وهو أحد الطرازات ذات السمعة السيئة بسبب ضعف موثوقيتها وعدم كفاءتها. وذكر المسؤول السياسي البريطاني في الشارقة في مذكرة أرسلها إلى المقر الرئيسي لسلاح الجو الملكي، أنه لولا الغذاء والمأوى اللذين قدمهما أحد البدو المحليين وعائلته للضابطين الناجين من حادث تحطّم الطائرة، لكان هلاكهما في الصحراء أمرًا مؤكدًا.
حوادث كثيرة ووفيّات قليلة
كان حادث التحطّم هذا أحد الحوادث التي وقعت على طول سواحل الخليج خلال الحرب العالمية الثانية. والتي شمِلت ما يلي: حادث تحطّم طائرة من طراز "بلينهيم م.ك. IV" خارج الدوحة في ديسمبر ١٩٤١ نتيجة امتلاء خزاناتها بالمياه بدلاً من الوقود عن طريق الخطأ في البحرين، بالإضافة إلى قيام طائرة "بوسطن" (من طراز "دوغلاس أ-٢٠ هافوك"، ذات الرمز الكودي دي.بي.-٧ المُعين من الشركة) بهبوط اضطراري على ساحل قرية طاهيري في مايو ١٩٤٢، وكذلك قيام طائرة "القلعة الطائرة" (طراز "بوينج بي-١٧") بهبوط اضطراري جنوب أبوظبي في مايو ١٩٤٤.
وقد وقعت حالة الوفاة الوحيدة المُسجلة في الملفات السرية للوكيل السياسي في البحرين عندما تحطمت طائرة "فيكرز" ويلينجتون خارج الفجيرة في منتصف شهر فبراير ١٩٤٣. وتشير الأدلة إلى أن وفاة الرقيب ويليام دونيلي، قائد الطائرة، كانت الخسارة الوحيدة لبريطانيا خلال الحرب بالمنطقة التي باتت تُعرف الآن بدولة الإمارات العربية المتحدة.
إقناع السكان
نصّت المعاهدات الأصلية المُبرمة بين الحكومة البريطانية وشيوخ الخليج والخاصة بإنشاء قواعد لسلاح الجو الملكي في الخليج على أدنى درجات الاتصال بين رجال الخدمة العسكرية البريطانية والسكان العرب المحليين. غير أنه في حالات تحطّم الطائرات وحالات الهبوط الاضطراري، كان أفراد أطقم الطائرات البريطانية يعوّلون على حسن نية سكان المناطق التي وجدوا أنفسهم بها. ولم يكن وقوع حالات الهبوط الاضطراري أمرًا نادر الحدوث في ذلك الوقت، وهو واقع أكده وجود عدد من مهابط الطائرات المخصصة لحالات الطوارئ المنتشرة في نقاط استراتيجية على طول الساحل العربي.
واستجابةً لمخاطر حوادث سقوط الطائرات المحطّمة، يبدو أن المسؤولين البريطانيين وبعض الممثلين قد تعاونوا بشكلٍ رئيسيّ عبر قنوات غير رسمية لالتماس مساعدة السكان المحليين بالمنطقة. وقد أخطر المسؤول السياسي في الشارقة، في أحد الخطابات المؤرخة في ١٠ مارس ١٩٤٣، الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين أنه بذل جهودًا مضنية لإقناع قبائل الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. والمناطق الداخلية بضرورة إغاثة رجال القوات البريطانية الذين تقطعت بهم السبل في تلك المناطق.
وفي مايو ١٩٤٤، عندما بلغت أنباء الهبوط الاضطراري لطائرة القلعة الطائرة من طراز ب-١٧ الأمريكية خارج أبوظبي البحرين، اتصل الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية بوكيل المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. في الشارقة ليعلمه بإرسال الخطابات إلى "جميع رجال القبائل الموجودة في المنطقة المجاورة طالبًا منهم إغاثة طاقم الطائرة".
خدمات نظير خدمات
تشير مجموعة العملات النقدية المرتبة التي منحها أحد أفراد طاقم الطائرة إلى شخص بدوي يُدعى مُسلّم، أن أفراد أطقم الطائرات كانوا مستعدين تمامًا لإخراج أنفسهم من الصعاب عبر تقديم الرشاوى، بغضّ النظر عن المكان الذي انتهوا إليه. وتشمل العملات التي حصل عليها مُسلّم شلن بريطاني ودولار أمريكي ونصف جنيه فلسطيني وورقة نقدية بقيمة ربع دينار عراقي وعشرة عملات معدنية من غرب أفريقيا بقيمة شِلن وخمسة جنيهات مصرية، بالإضافة إلى خمسة قروش لبنانية وخمس عملات سينكو برازيلية وعملة واحدة من شرق أفريقيا بقيمة فرنك وخمسة عملات هندية صينية بقيمة فرنك.
كان موقع تحطّم الطائرة والبروتوكول الدبلوماسي المتبع يحدّدان معًا بصورة كبيرة درجة التقدير اللازم والهدايا الرسمية الممنوحة. وعندما تحطّمت طائرة بريطانية أخرى من طراز بلينهيم في المملكة العربية السعودية في يناير ١٩٤٢، لم يُهدر أي وقت في إرسال "إشارات التقدير" إلى ابن سعود نظير المساعدة التي قدمها شعبه، بينما مُنح الأمير الشيخ محمد بن ماضي صينِيّة فضية نظير جهوده، بعد أن وقع حادث التحطّم بمنطقته حيث ساعد رعاياه طاقم الطائرة بشكلٍ مباشر.
أظهرت عدد حوادث تحطّم الطائرات وحالات الهبوط الاضطراري التي وقعت في الخليج خلال الحرب العالمية الثانية عرضة الابتكارات الحديثة التي كانت لا تزال في مهدها. ولكن بدلاً من الاعتماد على المطارات ومهابط الطائرات التي شيّدها البريطانيون في الخليج لحالات الطوارئ، ظلّ أفراد أطقم الطائرات يعوّلون على مزيج من الحظّ الطيب والنية الحسنة والحوافز المالية لتأمين سلامتهم.