عرض عام
غزت بريطانيا والاتحاد السوفيتي إيران في أغسطس ١٩٤١. واعتبرت حكومتا الدولتين هذا الغزو والاحتلال اللاحق لإيران المحايدة حيويًا لتحقيق الانتصار على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية. إذ أمّن الاحتلال وصول الحلفاء المستمر إلى كل من حقول النفط الإيرانية وما يُعرف بالممر الفارسي، خط الإمداد العسكري من الخليج عبر إيران إلى الاتحاد السوفيتي. وعلى الرغم من أن معاهدة التحالف بين الحكومتين البريطانية والسوفيتية كانت قد وعدت "باحترام السلامة الإقليمية لإيران، وسيادتها واستقلالها السياسي" (IOR/R/15/2/722، ص. ٣٢و)، إلا أن إحدى الخطوات الأولى التي اتخذها الحلفاء كمحتلين كانت إجبار الملك الإيراني رضا شاه بهلوي على التنازل عن العرش.
طوال مدة الاحتلال الأنجلو-سوفيتي، قُسّمت إيران إلى منطقتي نفوذ، حيث سيطرت بريطانيا على المنطقة الجنوبية، في حين سيطر الاتحاد السوفيتي على النصف الشمالي للبلاد. وشرعت كل من بريطانيا والاتحاد السوفيتي ببرامج دعائية في محاولة منهما لإقناع الإيرانيين بأن الاحتلال يصب في مصلحتهم فضلًا عن مصلحة الحلفاء. وكان هذا يمثل تحديًا صعبًا، إذ كان يشوب إيران حالة من الاضطراب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، في أعقاب موسم حصاد سيء أدى إلى نقص في الغذاء وسوء التغذية وتفشي الفقر.
تسلط الملفات السياسية والسرية في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. الضوء على جهود البروباجاندا البريطانية في إيران، والتي سعت إلى حصد تعاون الشعب الإيراني أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها.
الجهود الأولى للبروباجاندا
تبيّن السجلات أنه في مرحلة مبكرة من الاحتلال أعاق الافتقار إلى الموارد جهود البروباجاندا البريطانية التي آلت مرارًا إلى مرحلة الهزل. فعلى سبيل المثال، في سبتمبر ١٩٤٢، كتب القنصل البريطاني في كرمان: "ستساعد الإذاعة العمومية في تهدئة الرأي العام […] ولكننا لا نزال ننتظر الجهاز من طهران" (IOR/L/PS/12/3530، ص. ١٨و). وفي الآن ذاته، أفاد القنصل البريطاني في كرمانشاه في مايو ويونيو ١٩٤٢ أن عرض أفلام البروباجاندا "القديمة والهشّة والمرقعة والممزقة" عبر السينما الجوالة في المنطقة اعتُبر "فشلًا نسبيًا في أيدي الشابين المحليين المشرفين عليها اللذين تعوزهما المهارة" (IOR/L/PS/12/3522، ص. ٤٠و)، إذ شابت العروض "أعمال التخريب والغوغاء ]بالإضافة إلى[ الانقطاعات المستمرة في النشرات الأخبارية القديمة وغير الملائمة" (IOR/L/PS/12/3522، ص. ٣٤و).
مضى القنصل البريطاني في كرمانشاه في الاشتكاء من أنه على الرغم من اعتزام إرسال مجلات البروباجاندا من المفوضية البريطانية في طهران، فإنه "لم يكد يصل أي منها"، وأفاد بأنه سمع أن مثل هذه المنشورات قد بيعت "بأسعار أفضل لاستخدامها كنفايات ورقية وصنع الأكياس الورقية للمحال التجارية." ولم يمض وقت طويل حتى "تعطلت حافلة السينما بالكامل" (IOR/L/PS/12/3522، ص. ٤٥و).
مع بدايات شهر مارس ١٩٤٣، وفي ظل حالات نقص الغذاء وتفشي الجوع، أقرّ القنصل في كرمانشاه بأن هناك "قدرًا كبيرًا من الكلام المعادي لبريطانيا" في الإقليم. حيث ذكر أنه رغم التفضيل المفترض في "رأي المثقفين الفرس" للنفوذ البريطاني على النفوذ السوفيتي أو الألماني، إلا أن "الطبقات الأكثر فقرًا قد تميل إلى روسيا] الشيوعية]" (IOR/L/PS/12/3522، ص. ٨٥و). وخلص القنصل إلى أن الفرس المثقفين والطبقة الوسطى "يتمنون أن يروا البروباجاندا البريطانية تتواضع وتُعنى أكثر بشؤون الجماهير".
المساعدات الإنسانية كبروباجاندا
بدأ هذا التواضع في مايو ١٩٤٢، بتقرير بقلم ستيفن تشايلدز، مدير مكتب العلاقات العامة البريطاني في طهران، حيث اقترح توسيع نطاق نشاطات البروباجاندا البريطانية لتدعم المستشفيات والوقاية من الملاريا وتوزيع الغذاء المجاني على الفقراء. وفي أغسطس ١٩٤٢، تم إنشاء صندوق الإغاثة الأنجلو-إيراني (المشار إليه أيضًا بصندوق الإغاثة الأنجلو-فارسي) باستثمار أولي من الحكومة البريطانية بلغ ١٠٠٠٠ جنيه إسترليني. وعلى الرغم من كونها جهدًا إنسانيًا، إلا أن نشاطات الصندوق اندرجت ضمن إطار البروباجاندا البريطانية في التقارير القنصلية والاستخباراتية. ومن بين الفوائد المهمة الأخرى للمستوصفات الجوالة المرسلة لتوصيل المواد الطبية إلى مناطق إيران النائية، إتاحتها لفرص جمع المعلومات الاستخباراتية عن القبائل والمناطق القبلية التي من الممكن أن يستخدمها المسؤولون البريطانيون في وقت لاحق.
وفي أكتوبر ١٩٤٣، كتب المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في بوشهر أن "صندوق الإغاثة الأنجلو-فارسي أتى لإنقاذ" مصحّة محلية مهددة بالإغلاق (IOR/L/PS/12/3713، ص. ١٩٥و)، وبعد ذلك بشهرين، كتب القنصل البريطاني في كرمانشاه أن "توفير الغذاء لعدد محدود من الفقراء والمعوزين تحت رعاية صندوق الإغاثة الأنجلو-إيراني بدأ في ١ يناير […] وأنه نُشر لهذا الغرض دعاية مناسبة في الصحف" (IOR/L/PS/12/3522، ص. ١٥٢و). وفي وقت سابق من نفس السنة، كتب الوزير البريطاني في طهران، ريدر بولارد، إلى وزير الدولة أنتوني إيدن يؤكد بأنه "تم منح دعاية واسعة النطاق لعمل ]صندوق الإغاثة[ عبر البث اللاسلكي وفي الصحافة، وكان لذلك بلا شك أثر إيجابي على شعبيتنا في بعض الأوساط".
التخطيط لبروباجاندا ما بعد الحرب
بحلول سنة ١٩٤٤ ازدادت حظوظ الحلفاء، وبدت تتزايد إمكانية الانتصار على دول المحور في نهاية المطاف بشكل كبير. لذلك بدأ المسؤولون البريطانيون بنقل اهتمامهم إلى إيران ما بعد الحرب. وفي يناير ١٩٤٤، أسرّ القنصل البريطاني في بوشهر إلى نظيره في طهران بالقول: "أقول حالًا بأنني أرحب بأي نية لنقل البروباجاندا البريطانية من موضوع "الانتصار في الحرب" إلى التريوج العام للثقافة والتجارة البريطانية (ومنها الهندية)." حتى إنه قبل سقوط ألمانيا النازية، كان المسؤولون البريطانيون قد نقلوا تركيزهم على بناء الإمبراطورية.