عرض عام
في صباح يوم الأحد الموافق ٨ فبراير ١٩١٤، اختلى جون جوردون لوريمر المقيم البريطاني الرسمي المفوض في الخليج العربي في بوشهر بنفسه في غرفة الملابس الخاصة به للتحقق من عيار بندقيته الآلية حيث كان يرغب في طلب خراطيش من بومباي. وقد عُثر عليه فيما بعد مُسجَّى على الأرض جثةً هامدةً في عمر الثالثة والأربعين بسبب إصابته بطلقة من بندقيته بطريق الخطأ.
وبحسب بيان رسمي صحفي في جريدة تايمز أوف إنديا، فإن لوريمر "سحب الزناد وأفرغ آخر خرطوشة التي تم التغاضي عنها في خزان البندقية" أثناء فحصه لبندقيته. واخترقت الرصاصة جسده واستقرت في المعدة مما أدى إلى تمزيق بعض الأوعية الدموية الرئيسية. وجاء رأي جرَّاح المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. بأنه قد أُصيب بصدمة "من المؤكد أنها تسببت في فقدان الوعي [...] وتلى ذلك وفاته بشكل سريع".
الجنازة في بوشهر
أُقيمت مراسم الجنازة في اليوم التالي في مقابر إدارة التلغراف الهندو-أوروبية في بوشهر. وذكرت مجلة تايمز أوف إنديا أن "الحدث المؤسف أثار مظاهر عامة من التعاطف بين المقيمين البريطانيين والأجانب والفارسيين في بوشهر".
قامت الفرقة ١٠٢ من لواء الحرس الملكي البريطاني والبحارة البحرية البريطانية الخاصة بالملك إدوارد بحمل النعش من السفينة الحربية "فوكس" بينما عزف الزمارون لحن "زهور الغابة" والعديد من الترانيم الجنائزية وقدم عازفو البوق عزفًا لإشارة "آخر موقع". أقام القُدَّاس قس البحرية الملكية أ. فلاور.
إلى جانب ماريان أجنس زوجة لوريمر، وموظفي المقيمية، شمل الحضور حاكم مقاطعة موانئ الخليج ووكيل وزارة الخارجية الفارسي ورئيس البنك الإمبراطوري الفارسي وعدد كبير من المقيمين الأرمينيين والجوانيين، بالإضافة إلى كبار التجار الفارسيين في بوشهر.
وصول الأخبار إلى البحرين
عقب الحادث بأربعة أيام، نقلت السفينة البخارية "بارالا" أخبار الوفاة إلى الرائد آرثر بريسكوت تريفور، الوكيل البريطاني في البحرين. وقد سجل في يومياته أن "الأخبار المفاجئة والمؤسفة صدمت الجميع". وقد "نُكِّس" علم الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. وأُغلق المكتب "توقيرًا للمتوفى" في اليوم التالي. "أبدى الجميع حزنًا بالغًا"، بمن فيهم تجار ووجهاء البحرين وأفراد من الجاليات الهندية والفارسية واليهودية الذين حضروا إلى الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. لتقديم التعازي.
وعندما بلغت الأخبار حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، المقيم في المُحرَّق آنذاك، قام بأمر تنكيس الأعلام في محل إقامته وفي مكتب الجمارك. وتوجه ابنه الشيخ عبدالله إلى المنامة لتقديم التعازي، بينما حضر الشيخ عيسى شخصيا بعد عدة أيام.
"لوريمر"
تم نقل الحدث تحت عنوان "مأساة الخليج العربي". وقد تطرقت الصحف في البحرين والهند إلى حصول لوريمر على تعليمه في جامعة إدنبره وأوكسفورد ومجدت إنجازاته في الخدمة المدنية الهندية. كما أُثنى عليه بأنه "أحد أكفأ المسؤولين في وزارة الخارجية" وبأنه يحظى "بأصدقاء كُثُر في الدوائر الرسمية".
وقد غابت إحدى التفاصيل بشكل واضح من هذه الشهادات بإنجازاته، وبالتحديد أثره الهائل، دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية: وهو عبارة عن موسوعة من إنشاء الاستخبارات الاستعمارية مكونة من جزأين وتستعرض تاريخ وجغرافية المنطقة. وعلى الرغم من أن عبارات نعيه قد أشارت إلى مطبوعاته الأخرى – "القانون العرفي للقبائل الرئيسية في مقاطعة بشاور" (١٨٩٩) (Customary Law of the Main Tribes in the Peshawar District) و"القواعد اللغوية والمفردات للغة الباشتو وزيري (١٩٠٢)" ( Grammar and Vocabulary of Waziri Pashto)، إلا أنها لم تذكر الدليل الذي يشتهر به لوريمر في يومنا الحاضر.
والسبب لعدم ذكرها هو أن هذا الدليل كان مستندًا سريًا للغاية، ومتاحًا فقط للاستخدام الرسمي، إلى أن رُفعت عنه السِرِّية في ١٩٥٥ وفق قاعدة الإفصاح بعد خمسين عامًا. وكان يمكن فقط التلميح إلى هذا الدليل. على سبيل المثال: "لقد اكتسب خلال السنوات الماضية خبرات خاصة عن الخليج العربي" وكانت لها "قيمة كبيرة بالنسبة للحكومة التي عمل بها".
توفي لوريمر وفاة مبكرة وقد كان هناك تعتيم على مساهماته في تاريخ منطقة الخليج. ولكن في الوقت الحاضر، أصبح الدليل الخاص به والذي يعرف اليوم باسم "لوريمر"، عمل مرجعي ثري لا يمكن لأي باحث تجاهله حول تاريخ الخليج.