عرض عام
لطالما كان المجال المغناطيسي للأرض مصدر جذب واهتمام لعلماء الرياضيات والجغرافيين وغيرهم من العلماء لآلاف السنين، علمًا بأن أولى قياسات المجال أُخذت في القرن الرابع قبل الميلاد. وقد بدأ النهج الحديث لفهم المجال المغناطيسي في أوائل القرن السابع عشر مع أعمال ويليام جيلبرت، الذي نشر كتاب "دي ماجنيت" [de Magnete] استنادًا إلى تجاربه التي أجراها باستخدام نموذج مغناطيسي للأرض.
أخذ كارل فريدريش جاوس القياسات الحديثة الأولى للمجال في سنة ١٨٣٥، ومنذ ذلك الحين يتم أخذ قياسات المجال بانتظام انطلاقًا من محاولات العلماء لفهم قوة المجال ومعدل اضمحلاله وكيف ولماذا يتغير، بالإضافة إلى فهم اتجاه الشمال المغناطيسي.
أعمال مؤسسة كارنيجي
تمكن المجتمع العلمي في ثلاثينيات القرن العشرين من فهم حقيقة أن المجال المغناطيسي المحيط بالكرة الأرضية يتغير ويتحرك بمرور الوقت، لكنهم رغبوا في فهم سبب ذلك التغيير وكذلك وتيرته. ومن أجل الحصول على البيانات العلمية المطلوبة لكي يتحقق هذا الفهم، كانت هناك حاجة إلى أخذ قراءات منتظمة من مواقع مختلفة عبر العالم. وقد أخذ قسم المغناطيسية الأرضية في مؤسسة كارنيجي في واشنطن العاصمة زمام المبادرة فيما يتعلق بمحاولة تشجيع الجيوفيزيائيين الذين كانوا يسافرون حول العالم على إجراء عمليات رصد المغناطيسية الأرضية وإبلاغ المؤسسة بما يتوصلون إليه من النتائج.
كان بول هيث بوتس أحد هؤلاء الجيوفيزيائيين، وهو تولى مهمة إجراء عمليات المسح الزلزالي في الكويت في المواقع التي من المحتمل أن تكون حقول نفط. وكان يدرك أن أكثر من عشرين سنة قد مضى منذ أخذ آخر القراءات في مواقع عدة في الخليج، حيث اكتمل آخر مسح شامل خلال الفترة من ١٩٠٩ إلى١٩١٠. فكان حريصًا على استغلال زيارته إلى الكويت كفرصة للحصول على قراءات جديدة لصالح مؤسسة كارنيجي، ليس من الكويت فقط ولكن من البحرين وبلاد فارس أيضًا.
كانت رغبة بوتس في أخذ قراءات في البحرين تتطلب الحصول على موافقة شيخ البحرين وموافقة شركة نفط البحرين أيضًا. فكان يجب إقناع كلا الطرفين بأن نواياه في السفر إلى البحرين كانت لأغراض علمية بحتة وليست محاولة للحصول على معلومات حول حقول النفط في البلاد لأغراض تجارية. لا تحتوي الرسائل التي أرسلها بوتس إلى الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين على معلومات تفصيلية عن المعدات التي سيستخدمها في أخذ القراءات المطلوبة فحسب، بل أيضًا على تفاصيل دقيقة عن الموقع الذي يقع في مقر الإرسالية الأمريكية في البحرين حيث تم أخذ القراءات الخاصة بآخر عملية مسح.
التطلع إلى المستقبل
كانت الآمال منعقدة على أن تمكّن القراءات الجديدة الخبراء الدارسين للمجال المغناطيسي للأرض من الاستمرار في تطوير فهمهم لكيفية تغير المجال المغناطيسي منذ استكمال عمليات الرصد في السابق قبل أكثر من خمس وعشرين سنة، وكذا لمعدل اضمحلال قوة المجال المغناطيسي المحيط بالأرض.
منذ سنة ١٩٩١ أصبحت هناك "شبكة دولية للمراصد المغناطيسية الفورية" [INTERMAGNET] تضم أكثر من مئة مرصد جيومغناطيسي مترابطة تعمل على تسجيل المجال المغناطيسي للأرض. وعلى الرغم من أن شبكة الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض حاليًا تعتبر وسيلة أكثر موثوقية إلى حد بعيد لقياس وتسجيل المجال المغناطيسي للأرض، إلا أن التعاون الدولي لا يزال يلعب دورًا هامًا في هذا الرصد العلمي.