عرض عام
في العاشر من سبتمبر ١٨٦٠، كلَّف وزير خارجية الحكومة البريطانية لويس بيلي بالعودة إلى الهند من طهران مرورًا ببلاد فارس وأفغانستان عبر مشهد وهراة وكابل. على الرغم من أنه كان سيسافر عبر وسط إيران على أية حال للعودة إلى الهند، فإن رحلته عبر أفغانستان كانت أشبه بالإنعطاف. لماذا كان هذا المسار من أهمية لبيلي؟
كانت أفغانستان تحظي بأهمية استراتيجية للحكومة البريطانية بسبب حدودها مع الحدود الشمالية الغربية منطقة في الهند البريطانية كانت تحاذي أفغانستان. للراج البريطاني (باكستان اليوم). في السنوات السابقة، كانت تَقَلْقُل واضطرابات الدولة قد أثارت قلق الحكومة البريطانية في مساعيها لتأمين وحماية حدود الإمبراطورية.
كان هدف الرحلة بالنسبة لبيلي هو تقديم الهدايا والمراسلات وتقديم "التطمينات الودية" لحُكام هراة وكابل.
وقد كان أيضًا يريد جمع معلومات موثوقة حول الحملة الفارسية في مرو، ووضع الجيش الفارسي والأحوال والتوقعات في أفغانستان أثناء مروره بها.
هل هي رحلة مهمة؟
كان بيلي مناسباً تماماً لهذه المهمة. كما كانت الرحلة ذات أهمية خاصة له لأنه كان عضواً في القوة المسلحة التي احتلت بوشهر، ردًا على الاحتلال الفارسي لهراة، خلال الحرب الإنجليزية الفارسية (١٨٥٦ - ١٨٥٧). وعندما كان القائم بالأعمال ممثل أو مندوب للحكومة في بلد أجنبي. قد يتم تعيين قائم بالأعمال في حال لم يكن لدى الحكومة سفير في ذلك البلد، أو أثناء غياب السفير. في البلاط الفارسي (١٨٦٠ - ١٨٦١) فقد شهد وعرف آثار تلك الحرب على العلاقات البريطانية مع بلاد فارس وأفغانستان.
ولم يتم إرسال ممثل بريطاني عبر أفغانستان في وظيفة رسمية منذ ١٨٥٧ نظراً لسلسلة الاغتيالات أو عمليات الطرد التي تعرض لها الوكلاء في السنوات السابقة. وقد جعل ذلك المعلومات والتقارير التي يمكن أن يقدمها بيلي ذات أهمية بالغة في مساعدة الحكومة البريطانية على تحديد جدوى استعادة العلاقات الودية مع الحُكام في أفغانستان، وتحديد إذا كانت هذه العلاقات مرحّب بها في المنطقة أم لا.
السجاجيد و"النُسخ المُبيّضة": بيلي يُوَثِّق رحلته
اهتم لويس بيلي بتوثيق كل شيء بقدر كبير من التفصيل. ومنذ رحيله من طهران في ١٠ سبتمبر وحتى نهاية مدة إقامته في قندهار في ١٦ نوفمبر، سجّل بيلي كل ما رآه وسمعه وفعله في الرحلة في يومياته، وقد استخدمه لاحقًا في إعداد تقارير رسمية للحكومة إلى جانب المقالات الصحفية مثل مقالاته الخاصة بالجمعية الملكية الآسيوية.
واليوم لا تزال ثلاث نُسخ من يومياته متاحة، النسخة الأصلية التي كتبها بيلي في الطريق، و"نُسختان مُبيّضتان". وكانت النسخة الأولى محشاة ومصحَّحة؛ والنسختان الثانية والأخيرة كانتا مخصصتين لإرسالهما إلى الحكومة البريطانية.
تضمنت يومياته أوصافًا بالغة الدقة ومذهلة حول تجربته في هذه الرحلة كما اشتملت على تواريخ الأماكن التي زارها، ومعلومات حول الحُكام المحليين، إلى جانب ملاحظات عن أنواع التجارة والزراعة المحلية. وكان مهتماً للغاية باقتناء سجادة:
"سجادة واحدة تم الانتهاء من ثلاثة أجزاء منها تقريبًا وتتميز بالمتانة وروعة الألوان. ستكون تكلفتها عند اكتمالها ٥٠ تومان عشرة آلاف دينار فارسي، أو عملة ذهبية بهذه القيمة. . ولكن لن تصبح جاهزة إلا بعد ٢٦ يومًا أخرى وسوف يؤخّرني ذلك كثيرًا."
بحسب ما ذُكر في اليوميات، فإن الحُكام المحليين قد رحبوا ببيلي وناقشوا معه كثيرًا الشؤون السياسية والتاريخية. كتب بيلي أيضًا تقارير رسمية عن لقاءاته بحُكام هراة وقندهار.
انتصار التركمان على الفُرس
تمكن بيلي أيضًا من التأكد من معلومات عن الجيش الفارسي ومواجهتهم للتركمان في مرو.
عندما انتصر تركمان بيدة في معركتهم ضد القوات الفارسية، فر قائد الفُرس الأمير حمزة ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". "حشمت الدولة" إلى هراة مع الناجين من جنوده. سعى بيلي لمساعدة الأمير وأيضًا لمعرفة مصير المُصور الفرنسي الذي اصطحب القوات الفارسية لتصوير الجيش. وقد استنتج أن المصور قُتَل في المعركة.
إنجاز مهني مهم، لكن دون أي نجاح دبلوماسي
وساعدت هذه الرحلة على تقدم وترفيع بيلي في سيرته، وقد تم تعيينه خلال العامين التاليين في زنجبار، ومنها كُلِّف بإجراء زيارات رسمية إلى جُزُر القمر وسيشيل، وفي ١٨٦٢، عُيِّن مقيمًا سياسيًا في الخليج العربي.
وعلى الرغم من بذل بيلي جهودًا مضنية، بدا أن الرحلة لم تحقق سوى القليل من غاياتها واستمر توتر العلاقات مع أفغانستان. عاد بيلي إلى أفغانستان في ١٨٧٨ كعضو في بعثة دبلوماسية لم تُكلل بالنجاح وتمخضت عنها الحرب الأنجلو أفغانية الثانية (١٨٧٨ - ١٨٨٠). وتلا ذلك حربٌ أنجلو أفغانية ثالثة في ١٩١٩، وعادت القوات البريطانية إلى أفغانستان في ٢٠٠١.