عرض عام
تولى المسؤولون البريطانيون في النصف الأول من القرن العشرين مسؤولية تطبيق العدالة في القضايا المتعلقة بالرعايا البريطانيين وفئات معينة من الأجانب في الخليج. غير أنّ أدى ذلك إلى مناقشات متكررة وخلافات بين الحين والآخر مع حكام دول الخليج حول تحديد مجالات المسؤولية القضائية بدقة.
المسؤولية القضائية في السياق
بدأت بريطانيا في ممارسة الولاية القضائية خارج الحدود في الخليج في القرن التاسع عشر على شكل اتفاقيات غير رسمية مع مختلف الحكام. ومن بين المعاهدات التي تم توقيعها كانت هناك معاهدة بين الحكومة البريطانية وحاكم البحرين، الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في سنة ١٨٩٢. تحصل البحرين بموجب هذه المعاهدة على "الحماية" البريطانية ومنع الشيخ عيسى من التعامل مع القوى الأجنبية الأخرى، وعلى وجه الخصوص المسؤولين العثمانيين.
لكن لم يمكن لهذه المعاهدات أن تمنع الانتهاك المتزايد للمصالح الأجنبية في الخليج في العقد الأول من القرن العشرين. في البحرين، فعلى سبيل المثال، افتتحت الإرسالية الأمريكية مستشفى في المنامة في سنة ١٩٠٣. وبعد ثلاث سنوات، وصلت الشركة الألمانية وونكهاوس وشركاه وسارعت بالتعدي على تجارة اللؤلؤ والشحن في البحرين. كما راقبت بريطانيا عن كثب تحركات وكلاء الحكومتين الروسية والفرنسية العابرين للخليج. هل يشكل التواجد المتنامي للمصالح الأجنبية تهديدًا للحكم البريطاني في الخليج؟
المراسيم الملكية البريطانية
تمثَّل رد بريطانيا على هذا التهديد في تطبيق العدالة في المنطقة بموجب سلطة قوانين الولاية القضائية الأجنبية. وقد مكَّنت هذه القوانين التاج البريطاني من إنشاء محاكم العدل وإصدار التشريعات الخاصة بالأشخاص الخاضعين لولايته القضائية عن طريق إصدار المراسيم الملكية البريطانية. أصدرت الحكومة البريطانية المرسوم الملكي البريطاني لائحة يصدرها ملك\ة المملكة المتحدة بناءً على مشورة المجلس الاستشاري الملكي. للبحرين في سنة ١٩١٣، على الرغم من أنه لم يدخل حيز التنفيذ إلا حتى بعد الحرب في سنة ١٩١٩. وهناك المزيد من المراسيم المنفصلة الأخرى التي شملت تلك الصادرة من قبل الحكومة البريطانية للكويت (١٩٢٥) وقطر (١٩٣٨).
كانت المراسيم الملكية البريطانية مدعومة بلوائح ملكية منحت الوكلاء السياسيين الحق في إنشاء المحاكم في المقاطعات الواقعة ضمن نطاق مسؤولياتهم. وكأعضاء في الخدمة السياسية الهندية، كان متوقع تع من الوكلاء أن يتمتعوا ببعض من الخبرة القضائية. وأثناء ذلك عمل المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في بوشهر كقاض للمحكمة العليا التي كانت تختص عادةً بقضايا الاستئناف فقط.
من تجارة الرقيق إلى سفن الحجاج: الشأن القضائي
أصبح الشأن القضائي يشكل جزءًا متزايد الأهمية من عمل المقيمين والوكلاء على حد سواء. كانت محكمة الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين على وجه الخصوص مشغولةً للغاية، وبحلول سنة ١٩٤٤ اشتكى الوكيل من أن مساعده كان ينشغل بالفصل في القضايا ليوم كامل على الأقل كل أسبوع. وقد صدرت تدابير خاصة بتطبيق العدالة في البحرين ومسقط والساحل المتصالح والكويت وقطر والساحل الفارسي والجزر. تحدد هذه التدابير قوانين عمل المحاكم وتسجيل الرعايا البريطانيين بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من القضايا الخاصة، مثل تجارة الرقيق والزواج المسيحي وسلامة سفن الحج الهندية واستيراد اللؤلؤ الصناعي والإتجار بالأفيون من الساحل الفارسي وتجارة الأسلحة غير المشروعة والصرف الصحي البلدي وتعيين ضباط الشرطة.
تُبرز الأوراق الخاصة بالوكالة البحرينية عددًا من المسائل المحددة بالمنطقة وعمل الإجراءات القضائية العادية التي يمكن أن تكون لها في بعض الأحيان تداعيات تؤثرعلى العلاقات بين دول الخليج المتجاورة.
القوميون العراقيون وتهديد استقلال الكويت
وعليه، أرسل المقدم هارولد ريتشارد باتريك ديكسون، الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في الكويت، رسالةً إلى المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في بوشهر، المقدم هيو فينسنت بيسكو بتاريخ أبريل ١٩٣٠ يسأله فيها عما إذا كان للمحاكم العراقية أي حق في مطالبة وكالته بإرسال أوامر المثول والوثائق القانونية الأخرى ذات الصلة بالأفراد المقيمين في الكويت، لاسيما مع "اعتبار الكويت دولة مستقلة استقلالًا حقيقيًا". تكمن صعوبة هذه المسألة في أن الكثير من الكويتيين كانت لهم أملاك في البصرة وحولها، بينما كان العديد من كبرى عائلات البصرة يملكون منازلاً في الكويت ويفضلون قضاء "الصيف" فيها.
وخشي ديكسون أن يكون هناك جانب سياسي للمسألة: "يبدو أن الحزب القومي العراقي عازم على العمل بتأنٍ وثبات في ذات الوقت على الدمج التدريجي للكويت مع العراق، أو إخضاع الكويت للنفوذ العراقي على أقل تقدير". عن طريق التهديد بفرض الضرائب أو مصادرة البضائع التجارية الواصلة إلى البصرة، كان يأمل "مروجو البروباغاندا والمتحكمين فيها" من العراقيين في الضغط على ذوي التأثير الكويتيين للاعتراف بالسيادة العراقية على دولتهم.
من الواضح أن المحادثات التي أجريت حول هذه المسألة بين البريطانيين والشيخ أحمد الجابر الصباح شيخ الكويت، الذي كان حريصًا على الاتفاق مع العراقيين على وضع ترتيبات متبادلة فيما يتعلق بتقديم الوثائق القضائية، كان الهدف منها هو المراوغة لتجنب فعل أي شيء من شأنه تقويض مبدأ استقلال الكويت.
تغير الظروف في ثلاثينيات القرن العشرين
شهدت ثلاثينيات القرن العشرين تغييرًا في طبيعة مسؤولية الحكومة البريطانية عن الولاية القضائية على الأجانب في الخليج، لاسيما بالنظر إلى عدد الأجانب من غير المسلمين - خاصة الأمريكيين - الوافدين إلى المنطقة للعمل في صناعة النفط. يتضح من ذلك أنه على الرغم من أن بريطانيا كانت رسمياً وحدها المسؤولة عن مثل هذه القرارات القضائية، لكن لم يكن بالإمكان النطق بالأحكام من دون مراعاة التوازن المعقد والدقيق للقوى في المنطقة، وكذلك التداعيات السياسية بالنسبة إلى هؤلاء الحكام الذين كانت تمارس بريطانيا سلطتها عليهم، وتعتمد عليهم أيضًا.