عرض عام
شكَّل صيد اللؤلؤ على مر قرونٍ عديدة المهنة الأساسية لسكان الخليج العربي. فحتى الماضي القريب، كان صيد اللؤلؤ يتم يدويًا بواسطة الغواصين الذين كانوا يجمعون المحار من قاع البحر.
اهتمت السلطات البريطانية في البحرين بجمع المعلومات حول تجارة اللؤلؤ في سبيل تنمية مصالحها الاقتصادية في المنطقة. يشهد على ذلك ملفٌ احتفظت به السلطات البريطانية في الفترة من ١٩٢٩ إلى ١٩٣٥، والذي يقدم لنا نافذة على صناعة اللؤلؤ كما كانت تراها التقارير الرسمية والصحافة المعاصرة في ذلك الوقت.
قامات تحت سطح البحر
وفقًا لمقالٍ ورد بالملف نشرته جريدة الآيريش نيوز في أبريل ١٩٣٥، كان صيّادو اللؤلؤ يستطيعون الغوص إلى أعماق تصل إلى ثماني قامات (١٤ مترًا).
وذلك دون الاستعانة بأية أجهزة تنفّس بالطبع. وحسب التقارير من تلك الحقبة، كان الغواص عادة ما يقضي حوالي دقيقة تحت الماء. وكان يتأهب للغوص بحشو أذنيه بالقطن وربط قطعة من الإسفنج حول فمه.
كما كان الغواص يحمل حجرًا ثقيلًا ليهبط به إلى قاع البحر. فما إن يصل إليه حتى يقوم بكشط المحار مستخدمًا سكينًا حادًا ، ويضع أكبر كمية ممكنة في كيسٍ مثبت حول خَصره.
وعندما ينتهي الغواص يقوم بشد الحبل ليشير إلى استعداده للخروج، فيجذبه الساحب إلى أعلى بالحبل. وتشير جريدة الآيريش نيوز إلى أنه "بمجرد خروج الغوَّاص من الماء بعد أول عملية غوصٍ له في الموسم، فإن أنفه ينزِف دمًا، وإذا لم ينزف كان ذلك نذير شؤمٍ فلا يغوص ثانيةً".
ثم يمضي المقال ليؤكد أن "معظم الغوَّاصين في الخليج كانوا من العرب، الذين يستطيعون البقاء تحت الماء لمدةٍ أطول بكثيرٍ من الغوَّاصين الهندوس من جزيرة سيلان".
الجزوة والنوخذة والتاجر
نظرًا للطبيعة اليدوية لصيد اللؤلؤ، فقد انطوى على العديد من الأدوار المتنوعة ذات الطابع الهرمي.
وقد سجَّل البريطانيون بحروفٍ لاتينية أسماء الأدوار التي رصدوها: كان يشار للغواصين بشكل عام بـ"الجزوة" (اليزوة)، وكانت لهم مراتب تنعكس في حصصهم من الأرباح. أما "الغَيص" فهو الغوَّاص الذي يحصل على ثلاث حصصٍ من الصَّيد، بينما يتولى " السيب الشخص المنوط بسحب الغيص إلى سطح الماء " مهمة سحب الغَيص ويحصل على حصَّتين من أرباح الصيد.
وكان "النوخذة" هو رُبَّان السفينة الذي يحصل على خُمس إجمالي الأرباح بعد خصم النفقات، بينما كان يشار للرُّبَّان البري الذي يموِّل النَّخوذة بـ"التاجر" (يسميه الملف "تاجا"). أما "المجدمي" ("الجودي" في الملف) فهو وكيل النوخذة، وكان يحصل على حصة ثلاثة غوَّاصين. وكان "الطباخ" في العادة صبيًا يتقاضى أجرًا من الغواصين لقاء إعداد الطعام.
وأخيرًا فإن "العَزَال" هو الغوَّاص الذي كان يُبحر في سفينة النوخذة ولكنه يغوص لحسابه الشخصي، فيحتفظ بصيده لنفسه، ويدفع للنوخذة خُمس أرباحه ويتكفل بمصاريف إقامته.
أنظمة الغَوص
خضع صيد اللؤلؤ لأنظمةٍ متنوعة، ارتبطت جميعها بوسائل تمويل العملية وتباينت آثارها على الوضع المالي للعاملين بهذه الصناعة.
كان أحد هذه الأنظمة ما سماه الملف بنظام "العامل"، وفيه يموِّل التَّاجر النوخذة دون أن يُلزمه بتسديد أية فوائد. وفي المقابل، كان التاجر يحظى بأولوية شراء الصيد بأكمله.
وتذكر ملحوظةٌ في الملف أن المحار كان يٌفلق مساءً تحت رقابة مشددة من النوخذة. ومن ثمّ يُباع اللؤلؤ، إما على الشاطىء أو على مراكب "الطُوّاشة" (التجار) عقب وصولها إلى الهيرات، بحيث يحقق الطاقم أعلى فائدة ممكنة. وكان إتمام البيع يستلزم أن يشهده ثُلثا الطاقم وفقًا لقواعد صيد اللؤلؤ. وعلى الرغم من ذلك، ترجح الملحوظة أن النواخذة كانوا كثيرًا ما يحتفظون ببعض اللآلئ ليقوموا ببيعها بشكلٍ "مستقل".
كما كان هناك نظام آخر يُسمى "العَزال"، يتشارك بموجبه ثلاثة أو أربعة رجال في استئجار أو تملك قارب مستقل. وفي حين أن هذا النظام كان يتطلب رأس مال كبير، إلا أنه كان "لا يترك مجالاً كبيرًا للغش".
ربح أو خسارة
اعتمدت قيمة اللؤلؤة على حجمها وشكلها ولونها وخلوِّها من العيوب. إلا أنه لم يكن في مقدور التُّجَّار تحديد جودة اللآلئ أو عددها عند شرائهم للمحار المقفول -- لذا فقد كانوا يتكبدون الخسائر من وراء بعض الصفقات، بينما كانوا يجنون ثروات طائلة في أحيانٍ أخرى.
كانت مجازفات النواخذة تؤدي بهم إلى الإفلاس في بعض الأحيان، وقد كانت هناك محكمة غوصٍ خاصة للنظر في قضاياهم. ويبدو أن أغلب الغواصين كانوا مديونين للنواخذة بشكل مستمر. فمن الواضح أن المخاطر الجسدية والمالية للعاملين في صيد اللؤلؤ كانت كبيرة، ولكنها لم تكن أكبر من المكاسب المحتملة.