عرض عام
نشأته
ولد كلاوديوس جيمس ريتش في سنة ١٧٨٦ أو ١٧٨٧. وكان على الأرجح الابن غير الشرعي للعقيد السير جيمس كوكبرن، البارون الخامس. توزعت طفولته ما بين منزل أبيه في بريستول وكيلكيني في أيرلندا. امتلك ريتش موهبة في اكتساب اللغات منذ سن مبكرة. فحين كان في الثامنة أو التاسعة من عمره، ألهمته بعض المخطوطات التي رآها في مكتبة أحد النبلاء في بريستول إلى تعلم اللغة العربية. وعند بلوغه الخامسة عشرة من عمره، كان قد ألم بعددٍ من اللغات الشرقية الأخرى، من بينها العبرية والسريانية والفارسية والتركية.
خدمته لدى شركة الهند الشرقية
في سنة ١٨٠٤ عُيّن ريتش كاتبًا في شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا وسافر إلى مصر، حيث أصبح مساعدًا للقنصل العام. أتاحت له هذه الوظيفة الفرصة لإتقان اللغة العربية واستكشاف فلسطين وسوريا. حتى أنه تمكن من دخول المسجد الأموي الكبير في دمشق متنكرًا، ما كان متعذرًا جدًا على زائر غربي آنذاك.
وعلى إثر زواجه من ابنة حاكم بومباي في سنة ١٨٠٨، عُيّن في منصب المقيم البريطاني في بغداد، حيث أثبت ريتش تمكنه من الإدارة. والأهم من ذلك، تمكن في أوقات فراغه من تفحّص المواقع الأثرية القريبة منه، ومن جمع العملات المعدنية والمخطوطات الشرقية وغيرها من التحف. ونتج عن زياراته لآثار بابل في نهاية المطاف نشر مجلدين من المذكرات التي توثق ما شاهده هناك.
رحلاته في كردستان
في سنة ١٨٢٠، وريثما كان يعاني من وعكة صحية، قرر ريتش السفر إلى كردستان. وقد أثمرت هذه الزيارة عن أهم مؤلفاته، "سرد لإقامة في كردستان". حيث شكل الكتاب أول وصف جغرافي وأثري للمنطقة في القرن التاسع عشر، كما أنه وصف رحلات رائع بحد ذاته. وقد تمكن خلال رحلة العودة من كردستان من إثراء مقتنياته من المخطوطات التي أنتجتها الطوائف المسيحية في الشرق.
وفاته ودفنه
في سنة ١٨٢١ كان ريتش على وشك تولي منصب مهم عرضه عليه حاكم بومباي، عندما أُجبر على نقل المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. من بغداد بعد خلاف مع الوالي العثماني. وقام بعدها برحلة إلى شيراز، حيث زار آثار برسبوليس وقبر كورش الكبير. وفي شيراز، أُصيب بمرض الكوليرا. وعلى الرغم من "كل المساعدة والرعاية" التي نالها، إلا أنه توفي في الخامس من أكتوبر ودُفن في جهان نما، وهي حديقة ملكية فارسية.
وفي سنة ١٨٢٢ زار قبره ويليام بروس، المقيم البريطاني في بوشهر، فوجده "مدمرًا تقريبًا بسبب الثلوج والأمطار في الشتاء المنصرم". فأوصى بروس بإنشاء ضريح من الرخام بدلًا منه. ويذكر النقش فوق الباب أن الضريح أُنشئ "إعرابًا عن الاحترام والتقدير لمكانة الراحل وإلمامه الواسع بالأدب الشرقي". وقد أعيد دفن رفاته في الكاتدرائية الأرمنية في أصفهان سنة ١٨٢٦.
تقدير معاصريه
في مستهل كتاب "سرد لإقامة في كردستان" (١٨٣٦)، ثمة "بيان موجز عن حياة مستر ريتش" لا تُعرف هوية كاتبه. يصف صاحب هذا البيان ريتش كاتبًا:
"ما من أحد عرفه إلا وفُتن بأخلاقه، وأعجب بإنجازاته، ودُهش بمهاراته الفريدة. وقد بدت سرعة اكتسابه للغات والفنون الجميلة، على وجه الخصوص، أنها تعود إلى السليقة أكثر منها إلى الاجتهاد. وعندما عزم في مرحلةٍ متقدمة من حياته على إجراء مسحٍ لمناطق شبه الجزيرة العربية الخاضعة للحكم التركي، اكتسب بالسهولة ذاتها المعرفة بالرياضيات الدقيقة التي تطلبتها مهمته. وقد أُعجب به العرب والأتراك كشخص ضليع بأدبهم، […] ومكنته قوة شخصيته من توجيه من عاش بينهم والتأثير عليهم. ولم يسبق لشخصية بريطانية أن بلغت هذا المستوى من الرفعة التي بلغها ريتش عندما ترأس [ المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. ] في بغداد" (ص xxxi).
إرثه
تعتبر الاستقصاءات التي قام بها ريتش في بابل نقطة الانطلاق لعلم الآثار في بلاد الرافدين، وقد أثارت كتبه عن الموضوع اهتمامًا معاصرًا واسع النطاق. كما أُعيد إصدار كتاب "سرد لإقامة في كردستان" في سنة ١٩٨٤ في إشارةٍ إلى ديمومة قيمته. وقام المتحف البريطاني بشراء مختارات من مقتنيات ريتش، تتضمن ما يربو عن ٩٠٠ مجلد من المخطوطات وأول النقوش المسمارية التي جُلبت إلى أوروبا. وتوجد المخطوطات الآن في المكتبة البريطانية، حيث تم رقمنة جزء منها. يمكن الاطلاع عليها على موقع مكتبة قطر الرقمية هنا.