عرض عام
بينما كانت أغلب بلدان العالم ترزح تحت عواقب الحرب العالمية في النصف الأول من أربعينيات القرن العشرين، كان الخليج ينعم بفترة من السلام والطمأنينة. واصلت الإدارة البريطانية في منطقة الخليج مراقبة الأحداث من خلال سلسلة من التقارير الإدارية التي صدرت لصالح الحكومة في الهند.
اشتملت التقارير على موجز لأهم المعلومات وأبرز الأحداث التي وقعت عامًا تلو الآخر، انتهاءً بسنة ١٩٤٧ مع نهاية الحكومة في الهند. خلال تلك الفترة، كانت شعوب الخليج والسلطات البريطانية تواجه عدم التوّقن والتحديات التي اجتاحت العالم خلال الحقبة ما بعد الحرب.
تأثير الحرب العالمية الثانية على الخليج
جاء اندلاع الحرب في ١٩٣٩ بمثابة اختبار لوضع بريطانيا في الخليج. وقد أشار تقرير المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ لسنة ١٩٤٠ إلى أن الرأي العام للمشايخ العربية كان "موالياً لبريطانيا على نحو متواصل"، مع استثناءات قليلة. وتكررت هذه المقولة في التقارير اللاحقة مع إشارة خاصة إلى العائلات الحاكمة في منطقة الخليج. ولقد رد البريطانيون هذا الصنيع عن طريق إعلان تقديرهم لمساهمات المشايخ العرب بمنحهم الأوسمة الشرفية، مثل منح شيخ الكويت رتبة قائد فرسان وسام نجمة الهند في سنة ١٩٤٤.
بخلاف غارة من القصف غير المؤثر شنتها طائرة إيطالية على منشآت النفط في المملكة العربية السعودية والبحرين في أكتوبر ١٩٤٠، فقد تمكنت منطقة الخليج على نحو مذهل من تفادي أي مشكلات أخرى. وقد نص التقرير الصادر سنة ١٩٤١ على أن الخليج يتمتع "بسلامٍ يكاد يكون مثالياً" على مدار العام، وفي سنة ١٩٤٥ استقبل شعب الخليج انتصارات قوات التحالف على ألمانيا واليابان "بترحاب حار". ومع ذلك ارتفعت الأسعار، كما دفعت القيود المفروضة إبان الحرب على صادرات الأرز من الهند بالأشخاص العاديين إلى محاولة الاعتياد على أنواع من الحبوب لم يسبق لهم تناولها على الإطلاق: بحلول سنة ١٩٤٤، أبلغ المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ عن تفشي المصاعب وسوء التغذية نتيجة لما سبق.
صناعة النفط والأوضاع الاقتصادية
عرقلت الحرب نمو العمليات الاستكشافية للنفط إلى حد ما، مع إلغاء رحلات الاستطلاع الجيولوجية المقررة إلى مسقط والساحل المتصالح سنة ١٩٤٠، علاوة على تدمير الآبار التجريبية في قطر خلال فترة الحرب، بيد أن صناعة النفط واصلت نموها الحثيث في البحرين. وهو ما جعل من البحرين مصدر النفط الرئيسي للبحرية البريطانية الملكية طوال فترة الحرب، وبحلول سنة ١٩٤٦، أصبحت شركة نفط البحرين تنتج ٢٥.٠٠٠ برميل يوميًا.
وفي سنة ١٩٤٧، تزايد إنتاج النفط في الكويت، وذلك على الرغم من إشارة المقيم إلى أن الكويت كانت "قادرة على تحقيق قدر ضئيل من النمو"، وبالتالي كان من العسير معرفة كيفية إنفاق العوائد البترولية الضخمة على النحو الأمثل. ولقد تم حل تلك المشكلة خلال فترة خمسينيات القرن العشرين حيث ما لبثت الكويت أن أصبحت مستثمرًا دوليًا رئيسيًا، وعلى الأخص في المملكة المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، تدهورت تجارة اللؤلؤ التراثية في الخليج بحلول سنة ١٩٤٧ نتيجة للحظر الذي فرضته الهند، والتي كانت قد استقلت عن بريطانيا حديثًا، على استيراد اللؤلؤ. كما فرضت الهند بعض القيود على استيراد التمور المجففة من مسقط، مما أثر سلبًا على اقتصادها.
نقل المقيمية السياسية
يعد أحد التغييرات الكبرى التي شهدتها تلك الحقبة هي النقل النهائي للمقيمية السياسية إلى البحرين عقب مرور مائة وأربع وعشرين عامًا عليها في بوشهر. وقد جاء هذا النقل بمثابة إقرار لتجاوز أهمية الجانب العربي من الخليج العربي لأهمية الجانب الفارسي بالنسبة لبريطانيا، ولا سيما خلال حقبتي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين مع ظهور النفط والتحسن السريع الذي شهده مجال الاتصالات. بدأت عملية النقل في مايو ١٩٤٦ وانتهت في شهر سبتمبر.
حقبة ما بعد الحرب
لم تؤدي نهاية الراج البريطاني إلى الانسحاب الفوري من الخليج. وكان السبب البسيط لذلك هو النفط. فقد ظل الخليج مصدراً رئيسياً لواردات النفط إلى بريطانيا، كما أصبح سوقًا ذات الاهمية المتزايدة للسلع والخدمات البريطانية التي تم بيعها لتغطية تكاليف النفط. وبالتالي واصلت بريطانيا توفير الدعم السياسي والعسكري للعائلات الحاكمة في دول الخليج، ولم يلق هذا الترتيب السياسي أي تهديد حتى حقبة الخمسينيات من القرن العشرين مع انبعاث القومية العربية.