عرض عام
ولم يستطع شيء أن يثنيه عن الغناء حتى تهديد أخيه له بسلاح في إحدى المواقف. فقد رفضت عائلة سالم بشدة انخراطه في مجال الموسيقى، مما دفعه إلى الإبحار بعيدًا، فسافر مع السفن التجارية إلى موانئ عديدة في شرق إفريقيا والهند وفي أنحاء الشرق الأوسط.
ويمكن اعتبار الأسلوب الذي طورّه الصوري خلال أسفاره بمثابة بوتقة جمع فيها الخليط الثقافي والتاريخ الطويل للتجارة عبر الخليج والمحيط الهندي.
ماذا عن تأثير سالم راشد الصوري على الساحة الموسيقية للخليج؟ من خلال تسجيلاته الموسيقية وشهادات أبنائه، يمكننا نسج خيوط قصته الشيقة وفهم كيف وصل إلى مكانته على الساحة الفنية.
صور وصوت الخليج
وُلد المغني وعازف العُود سالم راشد الصوري (١٩١٠/١٢-١٩٧٩) ومات في مدينة صور بعُمان، ولكنه قضى معظم حياته في الهند والبحرين والكويت.
ومع أنه بدأ بغناء الميدان، وهو لونٌ من الشعر الغنائي المعروف في منطقة صور بعُمان، كان يصاحب فيه غناءه بمزمار القربة أحاديّ الوتر، إلا أنه اشتُهر بأسلوبه المميّز في فن الصَّوت. وصوت الخليج هو أحد الألوان الموسيقية التقليدية التي نشأت في المدينة وتغنّى به بشكلٍ رئيسي الموسيقيون في البحرين والكويت وكانت له شعبية في جميع أنحاء المنطقة. وساهم الصوري بشكل كبير في تطوّره.
كانت صور، محل ميلاده، أحد أهم موانئ التجارة العربية التي تربط عُمان باليمن وشرق إفريقيا وزنجبار والهند وموانئ أخرى عبر سواحل للخليج. ومع أن الموسيقى العُمانية لم يكن لها تأثيرًا واضحًا على أسلوب سالم راشد الموسيقي، إلا أن صور لا تزال تُعتبر مركزًا مهمًا للموسيقى العُمانية التقليدية. وكان لذلك بلا شك تأثير على الموسيقي الشَّاب.
المطرب البحَّار
في صور اتجه سالم إلى العمل في السفن التجارية مما أتاح له الفرصة لزيارة المدن الساحلية في اليمن والكويت والبحرين والهند وشرق إفريقيا. وتعلَّم في هذه الفترة موسيقى الصَّوت بينما كان يستمع لتسجيلات المغني عبد اللطيف الكويتي (١٩٠١/١٩٠٤-١٩٧٥) ومن خلال تواصله مع موسيقيين آخرين في المنطقة. ونظرًا لأسفاره الكثيرة، سرعان ما أصبح معروفًا باسم "المطرب البحَّار".
ولأن عائلة الصورة لم توافق على اتجاهه للموسيقى، فقد هرب من نطاق سلطتهم إلى الهند وأقام هناك في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين. وحسب رواية ابنه، سعيد سالم علي الصوري، "فإنه قد ترك صور وهو يمتلك صوتًا حسنًا، ولكنه لم يكن يعرف كيف يغني". ولكن خلال أسفاره تطورت موسيقاه، وفي عدن (وكانت في ذلك الوقت جزءًا من المحمية البريطانية، وهي الآن جزءٌ من اليمن) رأى الصوري العود للمرة الأولى في حياته وتعلم كذلك العزف عليه.
عمِل وسيطًا في بومباي
في بومباي، أضاف سليم كلمة "الصوري" إلى اسمه كنكاية عن مجيئه من مدينة صور بعُمان. وعاش في منطقة الميناء بالمدينة، وعمل بدايةً "كمراقب مراجل" في سفينة بخارية قبل أن يصبح بعد ذلك وسيطًا ومترجمًا، حيث كان يساعد التجَّار العرب في شراء البضائع في بومباي ونقلها إلى سفنهم.
وسرعان ما أصبح "المطرب البحَّار" مشهورًا كمغني صوت بارع. وكان جمهوره بالأساس من المجتمعات التي تتحدث العربية، وكان العديد منهم من عُمان واليمن وعيشون في بومباي. وكان معظم من تعلم على أيديهم من الموسيقيين من شبه الجزيرة العربية، وخاصةً من اليمن، ولكنه درس أيضًا الموسيقى الهندية.
سجَّل الصوري اثنتي عشر أسطوانة سيلك (٧٨ لفة في الدقيقة) مع شركة HMV في ثلاثينيات القرن العشرين، وبِيعت بحوالي ٥٠ روبية عملة فضية هندية كانت تُستخدم بشكلٍ واسع في الخليج العربي. هندية للواحدة. وقد حققت هذه الأسطوانات نجاحًا كبيرًا على المستوى التجاري، خاصةً بين السكان العرب في بومباي، بل وبين الهنود أيضًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى استخدام الصوري للغة الأردية في بعض أغانيه.
وفي ١٩٤٣ تزوج الصوري بامرأة هندية كانت أمها من مدينة بهاتكال بولاية كارناتاكا بجنوب الهند. وقد أقام بهذه المدينة الساحلية الصغيرة عددٌ كبيرٌ من المسلمين المنتمين لمنطقة "نواية"، وهم في الأغلب أحفاد البحَّارين العرب الذين تزوجوا من نساءٍ هنديات واستقروا في هذه البلدة الساحلية الصغيرة.
العودة إلى نقطة البداية: البحرين وعُمان
في أواخر أربعينيات القرن العشرين، وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، أو كما جاء على لسان ابنه، "الظروف الغير مواتية للأجانب" بشكل عام في دولة الهند المستقلة حديثًا، غادر الصوري إلى البحرين حيث أصبح فنانًا مستقلاً يُقبل عليه الجميع. ومع بداية ستينيات القرن العشرين، أنشأ شركة إنتاج موسيقية خاصة به، "سالم فون"، وأنتج تسجيلات على نطاقٍ واسع في المنطقة مع مطربين أمثال عبد اللطيف الكويتي ومحمود الكويتي.
ولكن نظرًا لأن اسطوانات الصوري الفونوغرافية لم تكن تلائم سوى الجراموفون، فإن ظهور أسطوانات الفينيل (٤٥ لفة في الدقيقة) في بداية الستينيات أثَّر على عمله إلى حدٍّ كبير. وبعد تفاقم المشاكل المادية عاد الصوري إلى عُمان في ١٩٧١.
وهناك وجد عملاً مع السلطان قابوس بن سعيد آل سعيد الذي عيّنه مستشارًا للشؤون الثقافية. وأثناء شغله لهذا المنصب قدم أغاني تمدح السلطان وأسرته، وكانت تُذاع على نطاقٍ واسع في المحطات التلفزيونية والإذاعية العُمانية حديثة التأسيس.
أتمّت حياة الصوري دورة كاملة وعاد إلى نقطة البداية في عُمان. بدأ الصوري حياته كرحَّالة وبحَّار، فأصبحت الموسيقى التي قدمها صورة للتبادل الثقافي الذي استمر لقرونٍ في منطقة المحيط الهندي وشبه الجزيرة العربية، وقام ببثَّ نتاج هذا الخليط إلى قطاعٍ عريض من الجمهور في السنوات الأولى لظهور وسائل الإعلام العامة. وعند وفاته سنة ١٩٧٩ كان الصوري قد أصبح رمزًا مهمًا بالنسبة للشعب العُماني بسبب مساهمته في تطوير صوت الخليج.
يرتكز هذا المقال على مقابلةٍ مع سعيد سالم على الصوري، نجل سالم راشد الصوري، أجراها الباحث والمسجِّل إدوارد فوكس في ٢١ نوفمبر ١٩٩٠ ومرسلات تلتها عبر البريد الإلكتروني بين كاتب المقال وسعيد.
ويُعدّ سعيد سالم الصوري أيضًا موسيقي ومغنّي متعدد المواهب. وقد وُلد سنة ١٩٥٤ وتلقى تعليمه الأساسي في البحرين، وهو يعيش حاليًا في عُمان حيث انتقل إلى هناك مع والده ووالدته عندما كان في سن الثامنة عشرة. وقام بدراسة الموسيقى في مصر من ١٩٧٥ إلى ١٩٧٨.
إستمع إلى:
للمزيد من المعلومات عن حقوق النشر، يرجى زيارة صفحة مكتبة قطر الرقمية على موقع ساوندكلاود.