عرض عام
بحلول عشرينيات القرن العشرين، بدأت تجارة اللؤلؤ القديمة في الانحدار، حتى وإن كانت لا تزال تمثل الدعامة الرئيسية لاقتصاد البحرين. ولم يكن استغلال النفط قد بلغ أشدّه بعد، فهو لم يتطور بشكلٍ كبيرٍ إلا بعد الحرب العالمية الثانية. إذًا فماذا كان وضع الاقتصاد في البحرين خلال هاذين العقدين الانتقاليين؟
عجز في الميزانية التجارية
يمكن أن نجد بعض الإجابات لهذه الأسئلة إذا أمعننا النظر في ملفات "البيع والتجارة" التي أعدتها الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. السياسية البريطانية بالبحرين خلال الفترة من ١٩٢٥-١٩٤٩. وقد وردت هذه الملفات في سجلات مكتب الهند، وهي تسرد التغيُّرات المتلاحقة في اقتصاد البحرين خلال تلك الفترة. تُظهر الملفات، على سبيل المثال، أن البحرين قد تعرضت لعجزٍ في ميزانيتها التجارية عام ١٩٢٥. وكانت صادراتها (١،٣٢٥،٢٤٤ جنيهًا إسترلينيًا) لا تزال تعتمد في المقام الأول على تجارة اللؤلؤ التي كانت في انحدار وقتها. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الصادرات الأخرى، مثل مواد البناء والحبوب والمحروقات والأصداف كانت محدودةً للغاية. ومن الناحية الأخرى، بلغت الواردات حدًا أعلى بكثير (١،٨١٨،١٠٢ جنيهًا إسترلينيًا)، من سلعٍ تتنوّع بين أنسجة وأقمشة إلى مواد دباغة وحيوانات وزيوت.
تجارة اللؤلؤ في انحدار
كان الاعتماد على صناعة صيد اللؤلؤ في البحرين يشكّل مشكلة. وفي ١٩٢٨ قال تشارلز بلجريف، المستشار البريطاني للحكومة بالبحرين والذي كان نفوذه بالغًا، "إن ازدهار البحرين، بل وتقريبًا وجودها ذاته، يعتمد على تجارة اللؤلؤ".
كانت هناك أكثر من ٥٠٠ حرفة مرتبطة بتجارة اللؤلؤ، وعمل حوالي ١٥٠٠٠ رجلٍ من البحرين كغوَّاصين، هذا بالإضافة إلى عددٍ كبيرِ من الأجانب القادمين من عُمان وفارس والساحل العربي. لكن تطور صناعة اللؤلؤ الزراعي (المستولد صناعيًا) في اليابان، في الفترة من ١٩١٦ وما تلاها، كانت له عواقب وخيمة على تجارة اللؤلؤ التقليدية. فاللؤلؤ الزراعي يمكن إنتاجه بوفرةٍ، وهو أرخص كثيرًا من اللؤلؤ الطبيعي الذي يتم استخراجه في الخليج. وبعد الأزمة الاقتصادي العالمية في ١٩٢٩ تنامت الصعوبات التي واجهتها تجارة اللؤلؤ التقليدية.
وبحلول سنة ١٩٤٨ تأثرت صناعة اللؤلؤ بشدة بسبب الحظر الذي فُرض على استيراد اللؤلؤ في الهند حديثة الاستقلال (١٩٤٧-١٩٤٨) وقيل بأنها "تحتضر".
ترويج التجارة البريطانية
أدرك المسؤولون البريطانيون أن تجارة اللؤلؤ في انحدار، فأرادوا تنمية إمكانيات التجارة في البحرين لصالح الشركات البريطانية والتخلص من المنافسة.
أحد الأمثلة على ذلك كان في ١٩٢٩، عندما لاحظ صاحب مصنع للدراجات في بريطانيا اهتمامًا متزايدًا بمنتجاته في البحرين. وجاء الر من مسؤول بريطاني بأن قيادة الدراجات أصبحت شائعة في البحرين، وأن التاجر البريطاني يمكنه التغلب على منافسيه من ألمانيا والهند إذا قام بتحسين شروط البيع.
وتنوعت دائرة الاهتمام التجاري لتشمل هياكل الأسِرَّة والسمن النباتي والمحركات والويسكي الأسكتلندي وبسكويت الشيكولاتة. حتى أنَّ إحدى المُراسَلات استفسرت عن إقامة ملعبٍ للجولف. ولا شك في أن الفكرة التجارية الأكثر إبداعًا ظهرت في ١٩٣٢ عندما اقترح مسؤولٌ بالجمارك أن يصدِّر صيادو البحرين جلودَ سمك القرش التي كانت عديمة الفائدة قبل ذلك، إلى صانعي الأحذية الأوروبيين.
البحرين في دوَّامة التغيير
بحلول ثلاثينيات القرن العشرين كانت البحرين في قلب دوَّامة تغيُّرات اقتصادية طالت المنطقة كلها. فاستقبلت كمياتٍ هائلة من السلع كانت تأتي من جميع أنحاء العالم، مما أتاح فرصًا جديدة للشركات المحلية. من ناحية أخرى، انزعجت السلطات في البحرين بشكل خاص من الكميات الهائلةٍ من السلع اليابانية المقلِّدة والتي تحمل ملصقاتٍ تفيد بأنها "صُنعت في إنجلترا".
وفي ١٩٣٤، أبدى المسؤولون القلق أيضًا بشأن الأسمنت الياباني "رديء الجودة". وفي العام نفسه قرر تشارلز بلجريف حظر استيراد الأسلاك رديئة العزل من اليابان. وسواءٌ كانت تلك الخطوة بدافع الحرص على الجودة أم المنافسة التجارية، فإنها تشير إلى المساحة المتزايدة للسلعٍ الواردة من جميع أنحاء العالم في المجال التجاري بالبحرين.
قضايا العلامات التجارية تروي قصةً مماثلة. ففي ١٩٣٩ حاول تاجر عطورٍ من بومباي تسجيل علامة تجارية لزيت الشعر لقماني. وكانت صورة العلامة التجارية تظهر امرأة ترتدي ملابس كاشفة وتخرج من وراء ستار، على الأرجح في اقتباس لصورة ممثلة الإغراء الشهيرة ثيدا بارا التي كانت تظهر في الأفلام الصامتة. ولاقى الطلب رفضًا قاطعًا من قبل الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني الذي وصف العلامة بأنَّها "غيرُ ملائمٍ".
وفي ١٩٤٨ تساءل مستوردٌ بحريني عمَّا إذا كانت أغلفة علب الكبريت، التي تظهر عليها سلَّة الزهور، والتي اعتزم استيرادها من تشيكوسلوفاكيا، قد تُوقع الشركة في مشكلةٍ مع الشركة السويدية الأصلية بشأن حقوق ملكية العلامة التجارية. واضطرَّت الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. إلى التعامل بشكلٍ متزايد مع قضايا المنافسة التجارية التي امتدت عبر أوروبا وآسيا والشرق الأوسط حيث تعمل الشركات البحرينية.
وفي ١٩٥٠، وافقت الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. على نشر إعلاناتٍ تحذيريَّةٍ في الجريدة الرسمية ضد انتهاك حقوق العلامات التجارية، وتعليق نُسخٍ منها على لوحة الإعلانات بالوكالة.
ولكن في هذا الوقت، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، كانت حقول النفط في البحرين تتطوّر بشكلٍ سريع. ففي ١٩٤٨ تم شحن ما يقرب من ستة ملايين طن من النفط، مما يعني زيادة سنوية بلغت أكثر من مليون طن. ومع اتساع نطاق صناعات النفط بشكلٍ مطّرد، شهدت البحرين زيادةً كبيرة في قيمة الآلات والسيارات والشاحنات والجرارات. كانت تجارة اللؤلؤ الطبيعي "تحتضر" في الوقت الذي كان فيه ميلاد عصر النفط.