عرض عام
في ١٩٢٩ كان السيد واريس علي الوكيل البريطاني في جوادر - وهو ميناء على بحر العرب في إقليم بلوشستان. وعلى الرغم من دوره "كوكيل محلي"، أعدّ واريس علي عدة تقارير أُرسلت إلى بوشهر عند اندلاع أعمال الشغب في جوادر. وانقسم رؤساؤه البريطانيون بشأن تصديق روايته عن الأحداث التي وقعت.
انطباعات قوية عن جوادر
وفي تقريره السنوي لسنة ١٩٢٨، قدم واريس علي وصفًا كاملاً لجوادر، متضمنًا عدة إشارات لاستمرار تجارة الرقيق في المنطقة، بالإضافة إلى تجارة الأسماك المحلية المهمة والزراعة:
يوجد في أعلى التلال ذات الهيكل الغريب المستقر بالقرب من مدينة جوادر، أحد الوديان التي تُثمر [بمساعدة] مياه الأمطار المتجمّعة فيما يُعرف عادةً بـ "الخزان البرتغالي" محاصيل مرضية جدًا من جميع الأنواع وبكميات وفيرة للغاية.
قدم واريس علي كذلك رواية قوية عن وصول السفن البخارية:
ترسو السفن البخارية لشركة الملاحة البخارية المحدودة في الهند البريطانية على بعد ٦ أميال من الشاطئ، مما تشكل عدة صعاب يتعين التغلّب عليها عندما يصعد الركاب إلى السفينة أو ينزلون منها أو عند نقل البضائع بين السفن البخارية والسفن الشراعية.
ومن الواضح أن واريس علي كان روائيًا بالفطرة؛ حيث اختتم تقريره بنعيّ لراجا لال خان، وكيل سابق "أصابته لوثة عقلية نتيجة الكمية المفرطة لمهام جوازات السفر الشاقة والأعمال الشاقة الأخرى الممزوجة بحالات القلق والاهتمام [...] ,فقد عقله في منتصف ليلة ٢٧-٢٨ أكتوبر ١٩٢٨. وأفضى هذا إلى انتحاره في منتصف ليلة ٢٩-٣٠ أكتوبر ١٩٢٨.
أعمال الشغب
ومع ذلك، لم يسعد رؤساء واريس علي بأسلوبه في نقل أخبار أعمال الشغب الطائفية التي وقعت في جوادر في ١٩٢٩ بين طائفتيّ الخوجة والبلوش. وطائفة الخوجة هم رعايا بريطانيون مسلمون من أتباع المذهب الشيعي الإسماعيلي ويُشار إليهم أيضًا بـاتباع "الآغا خان"، بينما كان البلوش تحت حكم سلطان مسقط. وقد بدأت الاضطرابات عندما سرت ادعاءات بأن أتباع طائفة الخوجة قد دنّسوا أحد المساجد، وقد أدت أعمال الشغب التي تلت ذلك إلى مقتل خيمجي رينو؛ أحد أفراد طائفة الخوجة، بالإضافة إلى تدنيس إحدى مقابر الخوجة.
وصف واريس علي الأحداث في سلسلة من التقارير والبرقيات التي أرسلها إلى السلطات البريطانية. ولم يرُق وصفه للأحداث لرؤسائه الذين أولوا اهتمامًا شديدًا بالاضطرابات. ويشير المقدم سيرل تشارلز جونسون باريت، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في بوشهر، إلى "برقيات واريس السخيفة" التي أظهرت أنه "فقد عقله على الأرجح". كما أعرب الرائد جيرالد باتريك ميرفي، الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في مسقط، عن استيائه من طريقة إنهاء واريس علي لخطاباته المُرسلة إليه بالإشارة إلى شخص مجهول؛ "تحياتي وحبي إلى باتريك"
قلاقل اقتصادية؟
ظنّ البريطانيون أن الاضطرابات الواقعة في جوادر كانت ذات طبيعة اقتصادية أولاً: حيث كان أتباع طائفة الخوجة من تجار الأسماك بينما كان البلوش صيادون الأسماك، وتلت الاضطرابات محاولات التجار شراء كميات من الأسماك بأثمان بخسة. وبينما تواصلت أعمال الشغب الطائفية، قُتل شخص آخر من أتباع طائفة الخوجة يُدعى غلام علي في ١٩٣١. وبحلول شهر يوليو من ذلك العام، كان أتباع طائفة الخوجة يعانون من حياة "الحصار داخل القلاع"، حيث إضطروا أن يقيموا داخل ضواحي القلعة هناك خوفًا من "التعرض للقتل أو غير ذلك التحرش على يد البلوش"
وحاول المسؤولون البريطانيون التقليل من أهمية الفروق الطائفية باعتبارها السبب الرئيسي للاضطرابات: حيث لم يكن هناك ثمة دليل على قتل البلوش لغلام علي، كما أن الخوجة - الذين لم يقدموا أي عون لسلطات دولة مسقط والممثلين البريطانيين - بدا وكأن لديهم ما يخفونه.
"رجل هندي نبيل"
وعلى الرغم من أنه قد تم استبداله كوكيل بحلول ذلك الوقت، حاول أحد المسؤولين البريطانيين إلقاء اللائمة على واريس علي: "من المؤسف أن رجلاً من طراز لال خان لم يُستفد من خبراته في شغل منصب الوكيل البريطاني، حيث يرجع معظم الفضل له في خلوّ جوادر لسنوات عديدة من أي أعمال شغب طائفية". وتُظهر ملابسات وفاة لال خان مدى صعوبة وتوتر العمل الروتيني للوكيل المحلي.
وعلى الرغم من انتقاد الآخرين له، نال واريس علي ثناء دي سميت، أحد المسؤولين البريطانيين في كراتشي. ووفقًا لدي سميت، أتقن واريس اللغتين العربية والفارسية، كما كانت أعماله "جيدة للغاية"، في حين قلّل ميرفي، الممثل البريطاني الآخر، من خطورة الحوادث التي كانت تحدث بالمدينة. وعلاوة على ذلك، أردف قائلاً: لم يكن واريس علي قديسًا، لكنه كان وفق تقديره الخاص "رجلاً هنديًا نبيلاً".
وبحلول سنة ١٩٣٢، "تمكّن الخوجة والبلوش من تسوية خلافاتهم إلى حدٍ كبير". ويقدم الدور الذي لعبه واريس علي في الإبلاغ عن أعمال الشغب صورة حية للأحداث بالإضافة إلى الرجل نفسه. وعلى الرغم من كثرة منتقديه إلى جانب مؤيديه، إلا أن نهجه المتحمّس والمراعي للضمير تجاه واجباته يوضح الأهمية المتواصلة للتقليد البريطاني العريق الذي يحمل اسم الوكلاء المحليين.