عرض عام
إبان الحروب النابليونية (١٨٠٣-١٨١٥)، كانت ممتلكات بريطانيا الاستعمارية في الهند هدفًا مغريًا لفرنسا. حيث كانت الهند مصدرًا مهمًا لثروات بريطانيا. وكان لتهديد مقنع أن يكفل بتحويل اهتمام بريطانيا ومواردها بعيدًا عن النزاع في أوروبا. ولذلك سعى نابليون إلى غزو الهند عبر بلاد فارس. تميط سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. اللثام عن رد بريطانيا، والذي جرّها إلى المزيد من التدخل في كل من بلاد فارس والخليج.
عين نابليون على الهند
فكّر نابليون بمهاجمة الهند في وقت مبكر يرقى إلى عام ١٧٩٨، في نفس الوقت الذي كان قد غزا فيه مصر وسورية وحاول تشكيل تحالف مع سلطان ميسور، السلطان تيبو، ضد البريطانيين. وفي عام ١٨٠٥، سنحت فرصة أخرى عندما سعى شاه بلاد فارس، فتح علي شاه قاجار، لطلب مساعدة عسكرية لمواجهة الإمبراطورية الروسية.
التمس الشاه المساعدة البريطانية والفرنسية في أعقاب غزو روسيا للمقاطعات القوقازية التابعة لبلاد فارس عام ١٨٠٤. وحرصًا منه على اغتنام الفرصة، أرسل نابليون مبعوثين اثنين عام ١٨٠٥، راقبهما البريطانيون بحذر. تتضمن مذكرات مقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. بوشهر للعامين ١٨٠٦-١٨٠٧ عددًا من التقارير عن وصول أحد المبعوثين، بيير أميدي جوبير، إلى طهران في أكتوبر ١٨٠٦.
أُعجب الشاه بانتصارات نابليون في أوروبا ووافق على إرسال مبعوث له. وعليه، اجتمع ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". محمد رضا خان قزويني مع نابليون في قصر فينكينشتاين في النمسا، حيث وقعا على معاهدة تحالف في مايو ١٨٠٧. وافق نابليون على تقديم مساعدة عسكرية ودبلوماسية ضد روسيا، بينما وافق الفرس على قطع العلاقات مع البريطانيين والسماح للجيش الفرنسي بالزحف عبر بلاد فارس إلى الهند.
أرسل نابليون على الفور حملة عسكرية بقيادة الجنرال كلود-ماثيو دو جاردان، حيث وصلت الحملة إلى طهران في ديسمبر ١٨٠٧. وكان على جاردان تقديم المساعدة العسكرية وتقييم جدوى غزو الهند عن طريق البر.
التمركز البريطاني في الخليج
أثارت تقارير عن تعميق العلاقات الفرنسية-الفارسية القلق في كل من لندن وبومباي. إذ كان البريطانيون قد بدأوا بإدراك الأهمية الاستراتيجية للخليج للدفاع عن الهند إبان حملة نابليون السابقة في مصر وسورية. ولتقويض النفوذ الفرنسي في المنطقة، أقامت بريطانيا مقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. بغداد عام ١٧٩٨، وأرسلت مبعوثين إلى بلاد فارس، مهدي علي خان عام ١٧٩٨ وجون مالكوم عام ١٨٠٠. وأسفرت حملة مالكوم، الحملة الأسطورية في بلاد فارس لعظمتها، عن توقيع معاهدة سياسية وتجارية عام ١٨٠١.
وبحلول عام ١٨٠٧، كانت التقارير الاستخباراتية البريطانية تدق ناقوس الخطر عن زحف جيش مؤلف من ١٢٠٠٠ جندي، بقيادة الجنرال المخضرم جاك-فرانسوا مينو، باتجاه الهند عبر بلاد فارس. وفي نوفمبر، كتب القائم بأعمال المقيم البريطاني في بغداد، جون هايند، إلى المقيم في بوشهر، نيكولاس هانكي سميث، عن الوصول المرتقب لمبعوث الجنرال جاردان إلى طهران، محذرًا من أن "الفرنسيين يحتشدون في بلاد فارس."
حملة جون مالكوم الثانية
في هذه الأثناء في كلكتا، كان الحاكم العام في البنغال، اللورد مينتو، يخشى من أنه يمكن حتى لقوة فرنسية صغيرة أن تعيث فسادًا في الهند. معتقدًا بأنه "ما من مجال للشك، […] في أن الفرنسيين يضعون بالفعل خطة لغزو الهند عبر بلاد فارس"، وعليه، أرسل مينتو جون مالكوم في حملة ثانية إلى بلاد فارس.
كان الهدف الرئيس من حملة مالكوم هو إعاقة تقدم الفرنسيين باتجاه الهند، إلا أنه كان أيضًا يؤيد منذ فترة طويلة إنشاء نقطة عسكرية بريطانية في الخليج، ويدعو بشدة لإنشاء قاعدة على جزيرة خارج في رأس الخليج.
وتشير مسودة تعليمات وضعها المجلس الأعلى في البنغال في يناير ١٨٠٨ إلى أنه وإن كان من المتوقع أن يعمل مالكوم على "التفاوض إن أمكن"، فلا بد أن يفكر أيضًا باتخاذ "إجراءات أيًا كانت طبيعتها، أي تهدف إما للإقناع أو استعمال القوة".
وصل مالكوم إلى بوشهر في مايو ١٨٠٨، وبصحبته قوة مرافقة من ٥٠٠ جندي. هنا قام الفرس باعتقاله بسبب وجود جاردان في طهران. ولأنه كان محبطاً من التأخير، هدد مالكوم باحتلال خارج. أبلغ نيكولاس هانكي سميث المقيم في البصرة، صمويل مانيستي، بأن مالكوم كان قد نوى التقدم نحو خارج، إلا أنه كان ينتظر الأوامر التي تسمح له "بالتصرف بصرامة أكبر تجاه الحكومة [الفارسية] في حال اقتضت الظروف."
إلا أنه في غياب إذن صريح من مينتو، ولإدراكه بأن النزول في خارج يمكن أن يشعل فتيل الأعمال العدائية بين بريطانيا وبلاد فارس بدلاً من إحباط خطة الفرنسيين، تراجع مالكوم واتجه ثانية إلى بومباي في يونيو ١٨٠٨.
دخول السير هارفورد جونز على الخط
عقب مغادرة مالكوم، أُرسل مبعوث بريطاني ثان إلى بلاد فارس. وبمعزل عن مينتو، كانت الحكومة البريطانية في لندن قد عينت السير هارفورد جونز وزيراً بريطانياً مفوضاً ومبعوثاً فوق العادة إلى بلاد فارس في فبراير ١٨٠٧. وبعد حدوث تأخير لأكثر من مرة وطول سفر، وصل جونز إلى بوشهر في أكتوبر التالي.
وقد تبين أن وصوله كان في الوقت المناسب. إذ بحلول الخريف من تلك السنة كان نابليون قد قصّر عن تقديم المساعدة إلى بلاد فارس في صراعها مع روسيا، ناسفًا الالتزامات التي قُطعت في فينكينشتاين، ومتسببًا بفقدان حملة جاردان الحظوة لدى الشاه. وبالتالي، أعطي الإذن لجونز بالتقدم نحو طهران، ومثلت حملته الضربة القاضية للتحالف الفرنسي-الفارسي الهش أصلاً. غادر جاردان طهران قبل بضعة أيام فقط من وصول جونز في ١٤ فبراير ١٨٠٩.
شهدت مغادرة جاردان تراجع آمال نابليون بغزو الهند عن طريق البر، وبحلول شهر مارس كان جونز قد أبرم معاهدة أولية مع بلاد فارس، مقصيًا بذلك الفرنسيين. وأرست المعاهدة التي تمت المصادقة عليها عام ١٨١٤ الأساس لعلاقات أنجلو-فارسية مستمرة ووثيقة.
تهديد عابر، تداعيات دائمة
على أن تحالف نابليون مع بلاد فارس وإن كان عابرًا، فقد كانت له تبعات دائمة. فبتسليط الضوء على الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، دفع التهديد الفرنسي بريطانيا لإخراج فرنسا من بلاد فارس بشكل نهائي، وعزز اهتمام حكومة الهند الخفي بتأسيس قاعدة في الخليج.
هذه المخاوف بشأن إمكانية الدفاع عن الهند ستصبح أكثر إلحاحًا طيلة القرن التاسع عشر. ففي حين أُخمد تهديد نابليون للمصالح البريطانية بهزيمته في واترلو عام ١٨١٥، ستشهد السنوات اللاحقة توسعًا بريطانيًا كبيرًا في الخليج، ذلك لأن بريطانيا سعت إلى فرض السيطرة على طرق الملاحة وحماية الطرق المؤدية إلى الهند.