عرض عام
في نهاية أبريل ١٩٤٨، تسلم الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين حقيبة بها خطاب من إدوين تشابمان أندروز، الوزير البريطاني في القاهرة.
نقلت هذه الرسالة أخبار عن نجاح ويلفرد ثيسيجر، المستكشف والكاتب البريطاني في اجتياز الربع الخالي، وهو امتداد شاسع من رمال الصحراء جنوب شبه الجزيرة العربية. طلب ثيسيجر في رسالته أن يتم الحفاظ على "أمتعته الأوروبية" في الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. "إلى أن يطلبها". يبدو وكأن هذا كان حدث بسيط في الأعمال اليومية للوكالة، ولكن يمكن تفسيره الآن بأنه بيان واضح لقرب العلاقة بين المستكشفين الأفراد والإمبراطورية.
القرن الثامن عشر: بلاد قل من يعرفها
قبل القرن الثامن عشر، سافر القليل من الأوروبيين إلى داخل شبه الجزيرة العربية. بالطبع، قد قام الكثير من العرب بذلك الرحلات وبكثرة، لكن الوثائق المكتوبة بالعربية ركزت في أغلبها على وصف طرق القوافل ودروب الحج. وابن بطوطة من أشهر الأمثلة على ذلك وكذلك ابن المجاور، الذي لم يحظ بنفس القدر من الشهرة.
منذ أواخر القرن الثامن عشر وما بعدها، توسعت معارف الأوروبيين عن جغرافيا شبه الجزيرة العربية مع ازدياد الرحلات الاستكشافية. كانت هذه البعثات تتم في الغالب باسم العلِم - ومن الأمثلة المبكرة على ذلك البعثة الدانمركية في ١٧٦٢ بقيادة المستكشف كارستن نيبور - وكثيرًا ما كانت هذه البعثات تحصل على التمويل والتسهيلات من حكومات الإمبراطورية. تم توثيق العلاقة الوطيدة بين العلم والبحث عن المعرفة من جانب وكذلك بناء الإمبراطوريات والسيطرة السياسية من الجانب الآخر، في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. .
في ١٨١٩، كان جورج سادلر أول أوروبي يعبر شبه الجزيرة العربية. وقد قام بذلك كجزء من مهمة كلفه بها أرباب عمله بشركة الهند الشرقية - توجد مقتطفات من مذكراته عن الرحلة في سجل بوشهر. بعد زيارة جوان لودفيج بوركهارت إلى المدينتين المقدستين مكة والمدينة في ١٨١٥، زادت الرحلات الاستكشافية للمنطقة.
القرن التاسع عشر: انتشار إمبراطورية المعرفة
شهد القرن التاسع عشر ازدهارًا للجمعيات الجغرافية في أوروبا. حيث بدأت هذه المنظمات في جمع الكثير من المعرفة في علوم الجغرافيا والنباتات والحيوانات في أنحاء العالم والتي غالبًا ما كانت من خلال ملاحظات المسافرون الشجعان. والرجال أكثر تأثيرًا في هذه الجمعيات كانوا في الغالب عاملي الحكومة أو متقاعدين.
بعد حروب نابليون، كان لبريطانيا على وجه التحديد مصلحة خاصة في تطوير معارفها الجغرافية عن الشرق الأوسط. كانت بريطانيا في تنافس مع فرنسا وراغبة في توسيع وحماية مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً مصالحها المرتبطة بالهند؛ ولذلك أدركت بسرعة القيمة السياسية والعسكرية لمثل هذه المعارف.
قام تشارلز دوتي وريتشارد بيرتون ويليام بالجراف والليدي آن بلونت ولويس بيلي جميعهم برحلات إلى داخل شبه الجزيرة العربية في النصف الأخير من القرن التاسع عشر. وكان الكثير منهم قريب الصلة بالجيش البريطاني أو الحكومة البريطانية، حيث كان بعضهم معينون من قِبلهم مباشرًا. إلى جانب نشر روايات عن رحلاتهم، قام معظمهم بتقديم تقارير تفصيلية وعلمية إلى إحدى الجمعيات العلمية – وكانت في الغالب الجمعية الجغرافية الملكية. وتعتبر يوميات لويس بيلي - المكتوبة خلال رحلته إلى الرياض - من الأمثلة على ذلك.
القرن العشرون: الحرب العالمية الأولى والإمبراطورية
في القرن العشرين تزايدت الاستكشافات الأوروبية لشبه الجزيرة العربية، كما أن العلاقة بين الرحالة، الجمعيات العلمية والإمبراطورية البريطانية أصبحت أقرب وأكثر وضوحاً. ففي الحرب العالمية الأولى إشتركت الجمعية الجغرافية الملكية في التخطيط العسكري. لم يكن من المصادفة أن ديفيد هوجارث، وهو عضو بارز في مجلس الجمعية الجغرافية الملكية، كان مستشارًا لتوماس إدوارد لورنس.
أُجري المزيد من الرحلات الاستكشافية على مدار النصف الأول من هذا القرن، حيث أن جيرترود بيل، آرثر وافيل، روبرت تشيزمان وويليام شكسبير قاموا برحلات مشهورة إلى أجزاء من شبه الجزيرة العربية لم يستكشفها إلا القليل من الأوروبيون. ولكن هناك أيضاً استكشافات أقل شهرة من قبل موظفو الإمبراطورية البريطانية والحكومات الهندية، مثل هارولد ديكسون، صِدِّيق حسن، تشارلز دي جاري، فرحان الرحمان. رواياتهم أتت في شكل الخطابات والتقارير واليوميات، التي لم يُنشر بعض منها مطلقًا.
كان بيرترام توماس أول أوروبي يعبر الربع الخالي في١٩٣٠، وأعقبه سانت جون فيلبي بوقت قصير. وأصبح فيلبي منبوذًاً ومتمرداً، وهكذا سعت السلطات البريطانية لمنع محاولاته الأخيرة في السفر إلى المنطقة. والرجل الثالث الذي عبر الربع الخالي هو ثيسيجر، والذي وصف عمله لصالح الحكومة البريطانية بأن ذلك أعطاه "المفتاح الذهبي إلى شبه الجزيرة العربية". كما سلمته الملابس المناسبة لوجهته.
لم يكن لهؤلاء المستكشفين أبدًا أن يحققوا نجاحهم دون معرفة وإرشاد العرب الساكنون في الأماكن التي زاروها؛ وقد نسيت معظم أسماءهم. ولكن على قدم المساواة، لولا الدعم المالي واللوجستيكي من قبل حكومات الإمبراطورية، ما حدثت هذه الاستكشافات. سوف يظل تراث المستكشفين الأوروبيين المبهر مشوبًا دائمًا بعلاقة ما تجمع بين المستكشفين والإمبراطوريات التي دعمت وعززت اكتسابهم للمعارف والأغراض التي كانت تُستخدم من أجلها.