عرض عام
سُجلّت مؤسسة استكشاف الإسفنج في إنجلترا في فبراير ١٩٠٥، ووصلت إلى بوشهر في شهر مايو من العام نفسه. كان ممثلها هو التاجر ميشال هاتينوجلو، والذي انطوت وظيفته على الحصول على امتياز للمؤسسة يمنحها حقوقًا حصرية لاستخراج الإسفنج التجاري في الخليج.
ستار لاستخراج اللؤلؤ
أصبح الخليج، نظرًا لموقعه الجغرافي، ذا أهمية استراتيجية للإمبراطورية البريطانية، وتحديدًا فيما يتعلق بالتحكم في طرق الوصول إلى الهند البريطانية. حيث كانت حماية بريطانيا لقطاع استخراج اللؤلؤ من المطامع الأجنبية جزءًا من آليات حفاظها على السلام البحري في المنطقة. لذلك، عندما علم المسؤولون البريطانيون في الخليج بوصول المؤسسة، أبلغوها بأن "الحكومة البريطانية ليس لديها سلطة منح الامتيازات"، لأن ذلك من شأنه التأثير على الحقوق الحصرية لاستخراج اللؤلؤ التي تمتلكها القبائل على الساحل العربي (IOR/L/PS/10/456، ص. ٢٢٥و). إن بريطانيا هي من منحت هذه الحقوق للقبائل، لذلك اعتُبرت المؤسسة تهديدًا مباشرًا لكل من هذه الحقوق والسلام والسيطرة البريطانية. انتابت المسؤولون البريطانيون الشكوك حول "الأجانب" الذين يمثلون هذه المؤسسة "شبه البريطانية" (IOR/R/15/2/14، ص. ٣و)، ولم يجدوا طريقة لمنعهم من جمع اللؤلؤ بالتزامن مع استخراجهم للإسفنج، وخلصوا في النهاية إلى أن اهتمامات المؤسسة المُعلنة باستخراج الإسفنج لم تكن في الواقع سوى "ستارٍ لاستخراج اللؤلؤ".
في هذه الأثناء، أبلغت وزارة الخارجية المؤسسة بأن بريطانيا ليس لديها سلطة على الساحل العربي شمالي البحرين أو على الجانب الفارسي من الخليج، ما دعا المؤسسة إلى إعلام وزارة الخارجية في أكتوبر ١٩٠٥، بأنها قد تواصلت مع شاه بلاد فارس، الذي منحها امتيازًا لمدة خمسين عامًا بحقوق حصرية لاستخراج الإسفنج بدءًا من الفاو في الخليج إلى جوادر في المحيط الهندي. وهكذا بدأت المؤسسة عملها.
الإسفنج القرني
بحلول الوقت الذي أُنشئت فيه المؤسسة كانت مصائد الإسفنج متواجدة لقرون. ظهر قطاع استخراج الإسفنج التجاري في القرن التاسع عشر، وكان مقره عادةً البحر الأبيض المتوسط، لكنه انتشر مع الوقت في نطاق أبعد ليصل إلى فلوريدا وكوبا. ومع اتساع مجالات استخدام الإسفنج، ولا سيما في الطب والجراحة، كان قطاع استخراج الإسفنج في نمو مطرد حين وصلت المؤسسة إلى الخليج.
وحين علمت الحكومة في الهند بالامتياز الأول، وفي محاولة للتنبؤ بثروات قطاع استخراج الإسفنج التجاري في الخليج، أوعزت لعالم الإسفنج بالمتحف البريطاني راندولف كيركباتريك بإعداد تقرير نشره مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. في نوفمبر ١٩٠٥. ركز التقرير على مصائد الإسفنج المحتملة في الخليج، وخلص إلى أنه على الرغم من أن كيركباتريك كان قادرًا على جمع عينات من الإسفنج القرني أثناء رحلة من البصرة إلى كراتشي، لم يكن ممكنًا تهيئة هذه العينات للاستخدام التجاري. ومع ذلك، فقد أشار كيركباتريك أنه من المحتمل جدًا أن يكون الإسفنج التجاري موجودًا بكميات كبيرة "خاصةً، على سبيل المثال، على أسرّة محار اللؤلؤ الواسعة" وأن "المؤسسة لديها فرصة جيدة جدًا للنجاح" (IOR/L/PS/18/B152، ص.٢و).
وبينما كان المسؤولون البريطانيون يجمعون أبحاثهم، واصل هاتينوجلو شق طريقه حول الخليج، حيث حصل على امتياز آخر من سلطان مسقط لمدة خمسة عشر عامًا، قبل أن يتوجه إلى بندر عباس في نهاية عام ١٩٠٥.
إغواءات وضغائن
دفعت الأنباء غير السارة بحصول المؤسسة على الامتياز الثاني، المسؤولين البريطانيين إلى البحث عن أساس قانوني يطلبون بموجبه من سلطان مسقط إلغاء الامتياز. إلا أنهم اضطروا في النهاية في عام ١٩٠٦ إلى التسليم بالأمر الواقع والقبول بأنه "من الواضح أن الشيء الوحيد الذي يمكن فعله الآن هو مراقبة أثر العمليات التي تباشرها المؤسسة" (IOR/L/PS/10/456، ص. ١١٥و).
في تلك الأثناء، كانت الأخبار عن المؤسسة تنتشر. تحتوي السجلات البريطانية على اقتباس عن القنصل العام الروسي يدعو فيه هاتينوجلو بـ "رجل الإسفنج"، وآخر من مشير الدولة [رئيس الوزراء الفارسي] يشير فيه للمؤسسة بأنها " شركة استغلال الإسفنج اليونانية" (IOR/L/PS/10/456، صص. ١١٧و، ١٢٨و). إضافة لذلك، راجت شائعات حول كون المؤسسة غطاءً للنشاط السياسي المشبوه للحكومة البريطانية، وكان هناك تساؤلات بخصوص ممارساتها. وفي مطلع عام ١٩٠٦، نقل المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي، الرائد بيرسي زكريا كوكس، قصةً تزعم بأن المؤسسة حصلت على الامتياز الفارسي بشكل غير أخلاقي عبر "إغواءات امرأة فاتنة" استُخدمت لاستهداف الشاه خلال جولته الأوربية (IOR/L/PS/10/456، ص. ١٢٠و). وبحلول شهر مارس، اعترف كوكس بأنه "قلق للغاية" وبأن لديه "مخاوف غريزية" من أن الامتيازات ستجلب المتاعب (IOR/L/PS/10/456، ص. ١١٨و).
ومع ذلك، فشلت محاولة هاتينوجلو الأولى في استخراج الإسفنج في الخليج، حيث عاد إلى لندن في أغسطس ١٩٠٦ نتيجة الجو الحار، وعدم توفر الإسفنج الصناعي، و"تسكع" الغواصين، و"الضغينة" بينه وبين "القبطان ديمتري" الذي كان يرشد الغواصين اليونانيين الذين جلبتهم المؤسسة لاستخراج الإسفنج (IOR/L/PS/10/456، ص. ٩٠و). بقيت الحكومة البريطانية قلقة رغم ذلك من احتمالية عودة هاتينوجلو والمؤسسة. وفي نهاية عام ١٩٠٥، حذرت الحكومة في الهند حكام الساحل المتصالح مسمى استخدمه البريطانييون من القرن التاسع عشر حتى ١٩٧١ للإشارة لما يُعرف اليوم بالإمارات العربية المتحدة. من تقديم أي امتيازات بدون مشاورات مسبقة معها. إضافة لذلك، استُؤجرت السفينة البخارية "باتريك ستيوارت" لاستخراج الإسفنج من الخليج وإرساله إلى متحف كلكتا لفحصه.
لكن لم يكن هناك داعٍ لمثل هذه الخطوة في نهاية المطاف. فبحلول عام ١٩٠٨، ودون نجاح يذكر، فقد هاتينوجلو الامتياز الفارسي، وبدا أن المؤسسة قد أوقفت نشاطها، ولم تتحقق مخاوف البريطانيين من قيام المؤسسة في النهاية باستخراج اللؤلؤ. ما تكشفه السجلات هو القلق الكبير الذي أثارته المؤسسة، ومدى أهمية تجارة اللؤلؤ في الإستراتيجية الإمبريالية للحكومة في الهند في الخليج. حيث كان منع البريطانيين لمؤسسة إسفنج صغيرة من النجاح "بنفس أهمية منع دولة أجنبية من إنشاء قاعدة بحرية" على حد تعبير كوكس (IOR/L/PS/10/456، ص. ١٥٢و).