عرض عام
حصل المتحف البريطاني في خمسينيات وستينيات القرن التاسع عشر على مجموعة من المخطوطات تعرف بمجموعة تايلور. وما يميز هذه المخطوطات هو أن جميعها ذات غلاف جلدي أحمر، بالإضافة إلى أن الكثير منها ممهور بختم باللغة العربية فحواه "عبده تايلور". كما تبين المجموعة صلة نادرة بين سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. في المكتبة البريطانية والمجموعة المميزة من المخطوطات العربية في المكتبة.
الأصل
في أبريل ١٨٦٠، ذكر سجل المتحف البريطاني للمخطوطات الإضافية أنه تم شراء ٣٥٥ مخطوطة مدونة باللغات التركية والفارسية والعربية لقاء مبلغ قدره ٢٠٠٠ جنيه إسترليني من إمرأة تدعى السيدة تايلور "بمساعدة النقيب هـ. بـ. لينش" (Add MS 23252-23606). وإذ يصعب التعرف على "السيدة تايلور" من الاسم فقط، فإن مقدمة ملحق خريطة صغيرة أو صورة أخرى محاطة بهامش خريطة أكبر أو خريطة مفردة أو صورة أكبر؛ أو أوراق موضوعة داخل كتاب أو مجلد أرشيفي. فهرس المخطوطات العربي لسنة ١٨٩٤ تشير إلى مجموعة وُصفِت في الفهرس القديم (اللاتيني) بأنها تعود للعقيد روبرت تايلور (١٧٨٨ - ١٨٥٢)، القنصل والوكيل السياسي البريطاني السابق في شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا في بغداد.
روبرت تايلور
وبحسب مذكرة موجزة كتبها صهره توماس كير لينش، فقد أبدى تايلور كفاءة في الدراسات الكلاسيكية. وبعد سفره إلى الهند كضابط تلميذ في سنة ١٨٠٣، حصل على إجازة غياب في سنة ١٨٠٥ ليسافر إلى بوشهر "بغية تحقيق هدفه الخاص في تعلم اللغتين العربية والفارسية". درس تايلور على يد الباحث المعروف سيّد إبراهيم وأصبح ملمًا بالفارسية والعربية. وفي سنة ١٨٠٨، أُرسل إلى بومباي، إلا أنه عاد لفترة وجيزة إلى الخليج سنة ١٨٠٩ بعد أخبار عن استيلاء "مهاجمين من عدة قوارب تابعة للقاسمي" على السفينة "مينيرفا" IOR/R/15/1/729)، ص. ١١و(، حيث تم ذبح غالبية المسافرين على متن السفينة، غير أن ذلك لم يشمل زوجته وابنه، اللذين تم بيعهما، وافتداؤهما بـ ١٠٠٠ تالر ماريا تريزا (عملة شائعة في أرجاء العالم العربي آنئذ) دفعها المقيم البريطاني في بوشهر.
وبعد عدة مهمات أخرى في بومباي، عُيّن تايلور مقيمًا سياسيًا في البصرة سنة ١٨١٩. حيث استأنف دراساته هناك، وكان في وضعية تسمح له بتجميع مخطوطات أكثر من السابق. ثم عُيّن مقيمًا سياسيًا في بغداد سنة ١٨٢١ (وليس ١٨٢٨ كما ذكر لينش)، ومكث هناك حتى سقوطه الدرامي في عمر الخامسة والخمسين.
الفضيحة والإقالة
يقول جـ. بـ. باري إن أحد أسباب سقوط تايلور هي المحسوبيات؛ حيث لوحظ بأنه كان يروّج للمصالح التجارية (وخاصة في ملاحة السفن) العائدة لأخيه جيمس وصهره توماس لينش على حساب مبادىء المصداقية والإنصاف التي اعتُقد أن الحكومة البريطانية تتبناها. وباستغلاله سلطاته الرسمية لمساعدة أقربائه- وغالبيتها مالية- فقد تايلور الثقة وعزل من منصبه بشكل مفاجىء في سنة ١٨٤٣، ثم عاد إلى إنجلترا وتوفي لاحقًا في مدينة بولون الفرنسية سنة ١٨٥٢.
الحياة الشخصية
يبدو أن العقيد تايلور عاش حياةً مليئة بالمغامرات حيث يصفه مكلاود إيستون بأنه "شخصية تكاد تكون أسطورية". في حين يذكر ريد بأنه كان معروف أنه تزوج من فتاة من العائلة الملكية الفارسية، غير أن رواية مكلاود كانت تشي بفضيحة أكبر، حيث يزعم بأن تايلور كان قد خطف وتزوج إحدى قريبات الشاه ذات الإثني عشر ربيعًا خلافًا لرغبة العائلة الفارسية المالكة، على الرغم من أن الشاه، كما روي، كان قد التقاها عندما كان في زيارة رسمية إلى لندن سنة ١٨٧٣. والمعروف أن تايلور تزوج من فتاة أرمينية فارسية تدعى روزا موسكو، توفيت في لندن في ١٥ يوليو ١٨٧٧. ومن المحتمل أن رواية "الاختطاف" هي مبالغة للخرافة التي نُسجت حول العائلة. ولئن كان من المرجح أن روزا كانت مراهقة وقت زواجها، إلا أن ذلك لم يكن أمرًا مستهجنًا في القرن التاسع عشر.
الاهتمامات الأثرية
بعيدًا عن حياته المهنية، وعلى غرار العديد من الضباط البريطانيين في الخارج، كان تايلور هاويًا في مجال الآثار. فبالإضافة إلى جمع المخطوطات، أشيع بأنه اكتشف (أو اشترى، كما يفيد ميتشل) موشور الملك سنحاريب والذي يعرف بموشور تايلور، عندما كان ينقب عن الآثار في المدينة الآشورية القديمة نينوى.
وقد شكل الموشور "وثيقة أساسية مهمة" سجلت صكوك الملك سنحاريب، إذ لعبت دورًا رئيسيًا في فك رموز الكتابة المسمارية. ويذكر موقع المتحف البريطاني بأنه قد تم شراء الموشور من أرملته سنة ١٨٥٥، وكان من ضمن أشياء أخرى من مجموعة تايلور بيعت بعد وفاته.
مجموعة تايلور
كان تركيز مجموعة تايلور من الكتب والمخطوطات العربية والفارسية التي لا تضاهى على العلوم والجغرافيا، ويقول ريد بأن المعروف أن تايلور كان يفتح مكتبته الخاصة للزوار. وكان من بين هؤلاء هنري رولينسون، خليفة تايلور كوكيل في بغداد، ومستكشف بارز ودبلوماسي وناشر يرجع إليه الفضل في فك رموز الكتابة المسمارية الآشورية، وهنري لايارد، المنقِّب في النمرود (كالح) ونينوى وفيما بعد السفير البريطاني إلى القسطنطينية (إسطنبول). لذلك ليس من المستغرب أن ينتهي المطاف بمعظم مخطوطات مجموعة تايلور في المتحف البريطاني، حيث شكلت نواة مجموعة مخطوطاته المدونة باللغة العربية.