عرض عام
كان جورج أغسطس فريدريك فيتزكلارنس (١٧٩٤ -١٨٤٢)، أول إيرل لمونستر، أكبر ابن غير شرعي لدوق كلارنس (الملك ويليام الرابع فيما بعد) وعشيقته الممثلة دوروثي (دورا) جوردان. أبحر هذا الرجل المولود في لندن إلى شبه الجزيرة الأيبيرية ليشارك في حرب شبه الجزيرة في ١٨٠٧ وعمره أربعة عشر عاماً فقط. إن انغماس فيتزكلارنس في أجواء الحروب في بواكر عمره ربما يفسر عاداته اللاحقة في البحث والاقتناء بل ربما يفسر أيضاً وفاته غير المتوقعة.
ضابط بالجيش ورحّال وعالم
خدم فيتزكلارنس في حملات عديدة في القارة ورغم أنه جُرح مرتين إلا أنه ميّز نفسه وحصل على كثير من الترقيات على مدار حياته العسكرية. ورغم إعفائه من الكتيبة التي كان منضماً إليها في ١٨١٤، تقاعد في النهاية على رتبة لواء في ١٨٤١.
وقد وثّق رحلة عودته عبر البر من الهند إلى إنجلترا في يوميات مفصلة نُشرت بعد ذلك باسم "يوميات طريق عبر الهند". وكان ذلك بمثابة بداية تستحق الإشادة لاهتمامات فيتزكلارنس العلمية. حيث أصبح زميلاً في الجمعية الملكية وكان من الأعضاء المؤسِسين للجمعية الملكية الآسيوية وبدأ جمع أبحاثه الخاصة في أوائل عشرينيات القرن الثامن عشر.
مجموعة ضخمة من المخطوطات
دفع اهتمام فيتزكلارنس الشخصي بتاريخ فنون الحرب - التي ألّف فيها كتاباً في نهاية المطاف - إلى جمع مجموعة ضخمة من المواد في أواخر أعوامه منها مخطوطة عربية عنوانها "كتاب الحيل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب" وهي الآن جزء من المجموعة في المكتبة البريطانية.
يزعم كاتب المخطوطة أن نصها العربي مترجم من مخطوطة إغريقية عُثر عليها في مقبرة الإسكندر الأكبر. وكانت هذه سمة معروفة في مثل هذه الأعمال المنشورة، ومنحتهم شرعية. في الواقع، يُعتقد بأن الكاتب هو القائد والمخطط التكتيكي المملوكي محمد بن منكلي أو ابن منجلي (عاش بين ١٣٦٢ - ١٣٧٦م). ومن بين مالكيها السابقين بحسب المكتوب في صفحة العنوان: محمد بن نور الدين المنوفي الحنفي الذي نقش اسمه في (١٠٣٩هـ/١٦٢٩ -١٦٣٠م) ونقش وختم أبو الوفاء الشيخ سليمان أوليا زاده.
ولكن فيتزكلارنس لم ينقش اسمه في صفحة العنوان مثلما فعل المالكين السابقون، بل علمنا أنها كانت تخصه فقط من خلال تبويب صغير في سجل المكتبة البريطانية الخاص بالمخطوطات الإضافية. وفيه عرفنا أنها اشتُريت من "مزاد إيرل مونستر" في ٦ أبريل ١٨٤٣ بعد سنة من وفاته. ولكن كيف وصلت المخطوطة إلى مجموعة المكتبة؟
وصمة اللاشرعية
كان فيتزكلارنس ممتعضاً من وضعه كابن أكبر للملك معترف به ولكنه غير شرعي. حيث ظل مستاء تجاه هذا التظلم وكثيراً ما إنتقد أباه وطالب الحصول على أوسام ومال . وبعد عدم تلبية طلبه لرفعه إلى درجة دوق هدد بالانتحار وجُعل بدلاً عن ذلك أول إيرل لمونستر في ١٨٣١ وهو شرف لم يكن راضياً عنه. وتدهورت علاقته بأبيه على نحو درامي بعدما صار ويليام ملكاً في ١٨٣٠ ولم يتصالحوا مع بعض.
نهاية غير متوقعة
مساء ٢٠ مارس ١٨٤٢ بعد اليوم الذي شوهد فيه أنه "شديد التدهور جسدياً وعقلياً" أطلق جورج فيتزكلارنس النار على نفسه في مكتبة بيته بلندن. وكشف تقرير نُشر في جريدة بيرث جازيت أنه أطلق النار على نفسه أولاً بيده قبل أن يُعثر عليه منطرحاً على الأرض "ووجهه قطع متبعثرة". وانتُهي إلى أنه كان انتحاراً تحت تأثير حالة من الاختلال العقلي المؤقت. ,أدى سخط فيتزكلارنس وزيادة اضطرابه العقلي إلى نهايته المأسوية.
الأصل
لم يترك فيتزكلارنس وصية وانتقلت ممتلكاته ومنها مكتبته إلى زوجته ماري (ولدت بإسم ويندهام) وبعد ذلك لابنه الأكبر ويليام ثانيإيرل لمونستر. في أبريل ١٨٤٣، بيع جزء من الممتلكات وحاز المتحف البريطاني هذه المخطوطة عن طريق بائع كتب في لندن اسمه توماس رود الأصغر. ربما يشير وصف سجل المكتبة البريطانية إلى مزاد ممتلكات ويليام، ابن فيتزكلارنس. ولكن نظراً للموضوع ولاهتمامات فيتزكلارنس الأكبر ليس هناك مجال للشك أن الإيرل الأول هو الذي حاز على هذه المخطوطة، والتي كلفت المتحف البريطاني أربعة عشر شيلينج، تعادل حوالي مائة جنيه بعملة اليوم. واليوم، تعتبر هذه المخطوطة أغلى بكثير من حيث ندرتها وأهميتها التاريخية. مع ذلك، فإن قصة أصل هذه المخطوطة استثنائية وربما يكون من باب السخرية المحزنة أن جامعاً متخصصاً في المخطوطات عن فنون الحرب اختار لنفسه مثل هذا الموت العنيف.