عرض عام
هذه المخطوطة المصوّرة المميزة حول فن ركوب الخيل تم تأليفها على يد محمد بن عيسى بن إسماعيل الأقصرائي ودُونت في ١٠ محرم ٧٧٣ هجريًا (الموافق ٢٥ يوليو ١٣٧١). ادعى عنوان المخطوطة أنه يحبط أي رغبة في مزيد من التوضيح في هذا الموضوع وذلك بفضل شموليته.
تحمل المخطوطة عنوان "نهاية السؤل والامنية في تعلم أعمال الفروسية" ومن المرجح أنه مصدرها يعود إلى مصر أو سوريا. وعلى مدار ستمائة عام عقب ذلك، انتهى بها المطاف في مجموعات المكتبة البريطانية.
بينما يمكن دومًا التوصل إلى الأصل، عادة ما يكون مسار المصدر غير معروف إلى حد كبير. فكيف يمكن لنا متابعة رحلة المخطوطة بداية من تاريخ إصدارها وحتى وصولها إلى أرفف المكتبة البريطانية؟
أول مالك معروف: السير توماس ريد
ورد في "سجل المخطوطات الإضافية" الخاص بالمكتبة البريطانية أنه تم شراء هذه المخطوطة من ترِكة السير توماس ريد في مزاد بدارسوثبي للمزادات. ولقد سجل في كتالوج البيع لسنة ١٨٥٢ باسم القطعة ٩٤، "رسالة حول فن ركوب الخيل واستخدام أدوات الحرب، مع رسومات توضيحية، مكتوبة على نحو رائع".
كانت تلك المخطوطة هي ثالث أغلى قطعة من ضمن القطع التي تم الحصول عليها من ترِكة ريد والتي بلغ عددها ٢٦٠ قطعة، وهي القطعة الأغلى على الإطلاق من بين مخطوطاته العربية. تم شراؤها لصالح المتحف البريطاني مقابل أربعة جنيهات، وأربعة شلنات (أي ما يعادل ٥٠٠ جنيه إسترليني اليوم) بواسطة الأخوين توماس وويليام بون، وهما متخصصان في بيع الكتب التراثية تعامل معهما المتحف البريطاني خلال القرن التاسع عشر. وقبل ذلك كان يتم تخمين المصدر من خلال تعقب حياة المالك السابق للمخطوطة.
ريد في الجيش
ولد السير توماس ريد (١٧٨٢ - ١٨٤٩) في كونجليتون بإنجلترا. في سنة ١٧٩٩، وهرب من منزله ليلتحق بالخدمة في الجيش وهو في سن السادسة عشر. عقب مشاركته في عدة حملات عسكرية في هولاندا ومصر وأمريكا. علاوة على شغل عدة مناصب في عدة بلدان في القارة، تلقى ريد العديد من الأوسمة الشرفية والترقيات، والتي كان أهمها حصوله على لقب الفروسية في سنة ١٨١٥، وهو فقط في سن الثالثة والثلاثين. وقد توافق هذا الحدث مع نهاية حياته العسكرية وكان بمثابة نقطة تحول في حياته، حيث أبحر ريد في ٢٩ يناير ١٨١٦ مع السير هادسون لو إلى جزيرة سانت هيلينا النائية جنوب المحيط الأطلنطي.
سجّان نابليون
وفقًا للسيرة الذاتية التي ألفها نجله ألين ريد، تم تعيين السير توماس كرئيس إدارة الجيش. لم يكن فقط ريد هو سجان الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابارت - والذي نفي إلى هناك عقب معركة واترلو - بل إنه كان الوسيط غالبًا هو وكيل تجاري محلي في الخليج يقوم بشكل منتظم بجمع المعلومات الاستخبارية وبمهام التمثيل السياسي. يُشار إليه أحيانًا بـ "وكيل الحكومة" أو "الوكيل المحلي". الرئيسي بين نابليون ولو، والتي كانت علاقتهم تشتهر بالتوتر الشديد.
بينما أشاد الكونت مونثولون (الذي صاحب نابليون إلى سانت هيلينا والذي اشتبه فيه من قبل البعض بأنه قام بتسميمه) بالسير ريد، وأشاد به أيضاً الملازم كليفورد (ضابط بحري زار الجزيرة في ١٨١٧)، إذ لم يكن ريد محبوبًا لدى الجميع. أشار جوركوير، مساعد لو والسكرتير العسكري المفوّض، إلي ريد في مذكرته بعدة أسماء ازدرائية من بينها "المغفل" و"الأبله".
وبالرغم من الشائعات والآراء المتعارضة بشأن معاملة لو السيئة المزعومة لنابليون، يؤكد ألين ريد أن الإمبراطور المنفي كان باديًا عليه إعجابه أو على الأقل تفضيله للسير توماس.
الحياة في تونس
عقب موت نابليون في سنة ١٨٢١، عاد ريد إلى إنجلترا وتزوج من أجنس كلوج. وبقي هناك حتى ١٨٢٤ حيث تم تعيينه في منصب القنصل العام لتونس. علاوة على مسؤوليته الرئيسية في الدفاع ضد فرنسا، حقق أهم إنجازاته في سنة ١٨٤٢ حينما نجح في إقناع بَاي تونس بإلغاء العبودية في مملكته.
ظل ريد في تونس حتى وفاته متأثرًا بمرض السرطان في ١٨٤٩ وتم تكريمه بجنازة شعبية مؤثرة كانت -كما جاء في نعيه- "احتفاءً مبًهجا ووقورًا". تمكن ريد من خلال مكانته المهنية وإنجازاته في البلاد الأجنبية من جمع تلك المخطوطات، إلا أن الحياة التي عاشها خارج نطاق مهامه الرسمية أوضحت سبب سعيه إلى الحصول عليها.
ريد جامع المخطوطات
كان سير ريد عالمًا وخبير تحف أثرية؛ مثله مثل الكثيرين من المسؤولين رفيعي المستوى في ذلك العصر. فقد درس وجمع التحف القرطاجية والرومانية (التي وجدت في أفريقيا) والعينات الحيوانية، ونشر عدة أبحاث وقام برحلات استكشافية إلى أطلال قرطاجة على نفقته الخاصة. تم تسليم العديد من القطع الفنية التي قام ريد بالتنقيب عنها إلى المتحف البريطاني، وكان هذا الإجراء شائعًا في ذلك الحين، بينما قد يمثل ذلك في الوقت الحالي مشكلة دبلوماسية مُعقدة. وكان هذا جزءًا من عمليات النهب الغير رسمية والتخريبية التي كان يشنها المسؤولون الاستعماريون على ثروات وكنوز الإمبراطورية العظمى. ثمة احتمال قوي بأن يكون ريد قد طالب بالاحتفاظ بمخطوطة الأقصرائيخلال تلك الفترة في حياته المهنية.
لسوء الحظ، كان هذا هو نهاية المطاف. فمن المستبعد أن نعرف تحديدًا المكان والزمان والشخص الذي حصل منه ريد على ذلك المجلد المُذهِل. ومع ذلك، فإن الاهتمام الشخصي لمسؤول رفيع المستوى بالتحف الأثرية قد أتاح لنا لمحة بسيطة عن مسارالمخطوطة إلى المكتبة البريطانية، حيث تمثل هناك حاليًا أحد أبرز محتويات المجموعة.