عرض عام
كرزون وبلاد فارس والخليج
منذ أن بدأ جورج كرزون حياته السياسية، رسخ في ذهنه أن الحفاظ على النفوذ البريطاني وبسطه في بلاد فارس [إيران] والمنطقة المحيطة بها، بما في ذلك الخليج، ضروري من الناحية الاستراتيجية لحماية الحكم البريطاني في الهند. ولاحقًا، بعد توليه منصب نائب الملك في الهند، شجع التجارة البريطانية في بلاد فارس وزار الخليج بنفسه عام ١٩٠٣. لكن كرزون كان شغوفًا أيضًا ببلاد فارس عمومًا، وتَرَحّل فيها على مدار عدة شهور من أواخر ١٨٨٩ وحتى أوائل ١٨٩٠. وخلال هذه الرحلة، عمل كمراسل لصحيفة "ذا تايمز"، حيث كتب عدة مقالات عن الشؤون السياسية الفارسية. وكما أشار كرزون لاحقًا، فإنه "استغل الفرصة لجمع قدر كبير من المعلومات الإضافية"، والتي دمجها مع أبحاثه التي أجراها سابقًا لتكون نواة كتابه "بلاد فارس والشأن الفارسي" (Mss Eur F111/33، ص. ٥٨و).
بداية طموحة: بلاد فارس والشأن الفارسي
نُشر كتاب كرزون، "بلاد فارس والشأن الفارسي"، على هيئة مجلدين عام ١٨٩٢؛ وكان ولا يزال يُعتبر محاولة طموحة، ويمكن وصفها بالمتغطرسة، لتوثيق تاريخ بلاد فارس وآثارها وطوبوغرافيتها، وإن كان ذلك من منظور مستشرق لرجل تفانى في المشروع الاستعماري البريطاني. وقد وضح كرزون في الفصل التمهيدي أن الغرض من الكتاب هو "تقديم صورة كاملة بالحجم الطبيعي" لبلاد فارس (Mss Eur F111/33، ص. ٦٩و). ويظهر التنوع الكبير في موضوعات الكتاب من عناوين فصوله الثلاثين، حيث يتناول العاصمة طهران وأقاليمها المختلفة ومواقعها التاريخية وسلالة قاجار الحاكمة والخليج وعدة موضوعات أخرى تشمل الحكومة والجيش والبحرية والسكك الحديدية والتجارة باعتبارها موضوعات البحث الرئيسية. كما يحوي الكتاب عدة خرائط والكثير من الرسوم التوضيحية، من بينها صور فوتوغرافية مطبوعة التقطها كرزون بنفسه أثناء رحلاته.
وفي حين تناول الكتاب عدة موضوعات، كان تركيزه محددًا للغاية. فقد أشار كرزون في مقدمة الكتاب إلى أنه "يمكن وصف الهدف الأساسي من هذا العمل بأنه هدف سياسي"، حيث يُشير تعبير "الشأن الفارسي" إشارة شبه مؤكدة إلى الأهمية الاستراتيجية لبلاد فارس في "اللعبة الكبيرة" البريطانية ضد القوى الاستعمارية المنافسة، وعلى الأخص روسيا (Mss Eur F111/33، ص. ٥٩و). ويُشير كرزون في الفصل الأول إلى بلاد فارس باعتبارها إحدى "قطع لوحة شطرنج تُلعب عليها مباراة الهيمنة على العالم" (Mss Eur F111/33، ص. ٦٨و). وبناءً على ذلك، كان من الملائم أن يُخصص كرزون الفصل الأخير للسياسة البريطانية والروسية في بلاد فارس.
ويُشير كرزون في المقدمة إلى أفكار أخرى بخصوص نواياه حيال كتابة "بلاد فارس والشأن الفارسي"، وأمنياته في الاحتفاء بالكتاب. ويُعرب عن أمله في أن يصبح الكتاب "المؤلَف الأساسي الإنجليزي عن هذا الموضوع" (Mss Eur F111/33، ص. ٥٨و). ومع ذلك، يُقر كذلك بأن كتابة مثل هذا العمل المسهب يترتب عليها حتمًا "الوقوع في بعض الهفوات والأخطاء" ويدعو القراء إلى مساعدته في إدخال أي تعديلات ضرورية على طبعة مستقبلية (Mss Eur F111/33، ص. ٦١و). ويدلل ذلك على أن الكتاب ربما لم يحظ برضا كرزون بالكلية. كما توجد دلالات أخرى على ذلك في بعض أوراق كرزون الخاصة.
التجهيز للتنقيح
توجد سلسلة كاملة، ضمن مجموعة أوراق كرزون الخاصة الضخمة، تتناول كتابة "بلاد فارس والشأن الفارسي" ونشره (Mss Eur F111-112 Series 123). كما أُدرجت مسودات مخطوطات لأجزاء كبيرة من الكتاب، فضلاً عن عدد من المراسلات ذات الصلة وقصاصات الصحف والخرائط والتقارير. ويوجد كذلك مجلد يتألف من ملاحظات وأوراق مطبوعة جمعها كرزون في وقت نشر الكتاب، على ما يبدو ضمن تجهيز طبعة منقحة. ويرد في النسخة الشخصية لكرزون دليل آخر على عزمه على تنقيح الكتاب، حيث كتب فيها بخط يده عدة تعليقات وتدلل أكثر على عدم اكتمال الكتاب في نظره.
تحتوي نسخة كرزون الشخصية من الكتاب على عشرات الأوراق المتنوعة أيضًا، ويبدو أنها وُضعت بين الصفحات عشوائيًا. وتتألف هذه الأوراق من مراسلات واردة وقصاصات صحف ومقالات مختلفة من دوريات ومجلات والعديد من الصور الفوتوغرافية والخرائط المبدئية المطبوعة وبعض الملاحظات بخط يد كرزون. عند التمحيص، يتضح أن شخصًا ما (على ما يبدو كرزون) وضع هذه الأوراق عن قصد بهدف الحفاظ عليها، حيث وضع بعضها داخل الأجزاء المرتبطة بها بالضبط. ويُعتبر وجود الكثير من المواد ذات الصلة، والتي تعود إلى الفترة من ١٨٩٢ إلى ١٩٢٤، أي قبل وفاة كرزون بعام واحد، إشارة قوية إلى تخطيط كرزون لتنقيح الكتاب. لكن في نهاية الأمر، يبدو أن حياته السياسية وتدهور صحته قد حال بينه وبين ذلك.
ولعل الإشارة الأكثر وضوحًا إلى رغبة كرزون في تنقيح الكتاب هي مجموعة الملاحظات الخطية داخل المجلد الأول من الكتاب. الملاحظات غير مؤرخة، ولكنها تحمل العنوان "تصحيحات. المجلد I"، وتتألف من ثلاثين صفحة من عمليات التنقيح المزمعة، وتُحدد الصفحة والسطر والتصحيح اللازم بالنص.
فصل الكتاب وإعادة تجميعه، وعدم اكتماله للأبد
مع وجود الكثير من المواد المنفصلة بين صفحات المجلدين، يظهر التحدي التالي: من الضروري إزالة المواد ذات الصلة للحفاظ على المجلدين على المدى البعيد، إلا أن ذلك يعني فقدان صلتها بالصفحات التي تحويها داخل الكتاب. بالنسبة إلى مكتبة قطر الرقمية، تمثل الحل في ترقيم صفحات الكتاب والمواد المُدخلة مع الإبقاء على تلك المواد في مكانها، مما نتج عنه تسلسل ترقيم أوراق واحد. وتوجد على مكتبة قطر الرقمية المواد المُدخلة بترتيبها الأصلي بين صفحات المجلدين (على الرغم من عدم وجود بعضها على الموقع لأسباب تتعلق بحقوق النشر، مثل بعض قصاصات الصحف). بالنسبة للنسخة الورقية، أُخذت المواد المُدخلة وأُعيد وضعها داخل ملف منفصل.
يُعتبر "بلاد فارس والشأن الفارسي" من أوائل إنجازات كرزون المهمة، حتى مع عدم اكتماله في نظر كرزون طوال الوقت. وبفضل الحفاظ رقميًا على صلة الكتاب بالمواد التي أُخذت منه، نستطيع دراستهما معًا والتكهن بشكل الكتاب بعد تنقيحه لو كان كرزون عاش لفترة أطول.