عرض عام
كتب الأوروبيون العديد من القصص عن رحلاتهم في "الشرق" خلال القرن التاسع عشر. وفي حين كان الهدف من هذه القصص التثقيف والمتعة إلا أنها تعرضت للنقد، من قبل المعاصرين وما بعدهم، بسبب نشرها تعميمات لا أساس لها من الصحة تناولت السكان المحليين. ويوجد عدد من مثل هذه الروايات على موقع مكتبة قطر الرقمية، لكن توجد أيضًا بجانبها سجلات تدحض هذه التعميمات.
النظرة الأوروبية
كانت إميلي رويتي (اسمها الأصلي سالمة بنت سعيد آل بو سعيد) ابنة سيد سعيد بن سلطان، سلطان مسقط وزنجبار. وبعد العيش في ألمانيا لعدة سنوات، قامت بنشر مذكراتها سنة ١٨٨٨. وتنتقد إميلي في هذه المذكرات النظرة الأوروبية للشرق كـ "أرض الحكايات الخرافية"، بالإضافة إلى عرض المعلومات على الجمهور الأوروبي عبر قصص رواها زوار عابرون فقط. (رويتي، ص. ١٤٦). ومن بين كافة "المغالطات السخيفة"، تتحسر رويتي بشكل خاص "على الافتراءات حول دونية النساء الشرقيات" (رويتي، ص. ١٥٩). وقد استمرت هذه المفاهيم عن وضع النساء العربيات في مجتمعاتهن لما يربو عن مئة عام.
وجهات نظر مخالفة من الأرشيف
يوجد دحض لهذه الافتراضات المستمرة ضمن سلسلة IOR/F/4 من سجلات مكتب الهند، والتي تتضمن عدة مراجع لنساء في عمان ممن تولين أدوارًا قيادية مؤقتة ولعبن أدوار قادة عسكريين عند الحاجة. ومن بين هؤلاء النسوة موزة بنت أحمد آل بوسعيد، وقريبتها غير المسماة، والدة محمد بن سالم البوسعيد. وخلافًا للقصص التي رواها مسافرون، قدّم قصص سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. هذه وكلاء شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا الذين كانوا يقيمون في مسقط، واعتمدوا على شبكة من المخبرين المحليين لتزويدهم بمعلومات مفصلة.
وعلى نفس المنوال، كتب صمويل هينيل، مساعد المقيم البريطاني في الخليج العربي، تقريرًا سنة ١٨٢٩، يسلط فيه الضوء على قضية هلال بن محمد البوسعيد، شيخ السويق. حيث دعا الإمام الشيخ إلى مسقط، وقام الإمام بسجنه على الفور قبل الإبحار إلى شرق أفريقيا. ووفقًا لهينيل، فإن شقيقة الشيخ هلال قامت على الفور بتجميع القادة المحليين ممن يدينون بالولاء لأخيها، وتأمين دعمهم في حملة لإطلاق سراحه. وبعد الاستيلاء على حصن السويق، "شرعت بمضايقة الأراضي التابعة للإمام والإغارة عليها" (IOR/F/4/1399/55442، ص. ١٥١ظ). هذا الفعل دفع أقرباء ممتعضين آخرين للشروع بانتزاع الأراضي بالقوة وفي غضون شهر، "كان الإمام قد فقد ما يقارب كامل ساحل البطينة الخصب والكثيف السكان ". وفي نهاية المطاف، أُطلق سراح الشيخ هلال وعاد إلى السويق.
نساء لا ينتمين إلى النخبة
كانت جميع النساء المذكورات أعلاه من أفراد الأسرة الحاكمة في عمان، لذلك تمتعن بالامتيازات المرافقة لذلك. الأمر الذي كان له أثر واضح على وجهة نظر رويتي، حيث أنها استثنت معاملة النساء المستعبدات من نقاشاتها عن وضع "النساء في الشرق" (رويتي، صص. ١٤٨-١٤٩). ومع ذلك، فإن البحث الأولي الذي قامت به أولجا أندريانوفا سنة ٢٠١١ حول قواميس السير الذاتية، وسلسلة أحداث زمنية لمؤرخين عُمانيين، ووثائق قانونية من مجموعات خاصة، يشير إلى أن المساهمة العامة للنساء العُمانيات في الحياة السياسية والاقتصادية لمجتمعاتهن قد قُلل من شأنها على نطاق واسع.
ودُعّمت هذه النقطة بقصة كتبها جيمس ريموند ويلستيد. فعلى النقيض من صورة المسافر الأوروبي النموذجي التي صورتها رويتي، أمضى ويلستيد عدة أشهر يتجول في عُمان في الفترة ١٨٣٥-١٨٣٦. حيث استضافه إمام مسقط وساعده، وحصل على روايات مباشرة من السكان المحليين. ومن دون التمييز بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، يعلّق ويلستيد بأنه "أثناء الاضطرابات المدنية، فإن [النساء العُمانيات] غالبًا ما تشاركن في الفعاليات العامة [و] تظهرن بسالة مطلقة" (ويلستيد، ص. ٣٥٤).
البحث مطلوب
شهدت عُمان تحولات كبيرة أثناء الحكم الطويل للسلطان قابوس (حكم ١٩٧٠-٢٠٢٠)، حيث تم إحراز بعض التقدم في مسألة المساواة بين الجنسين. إلا أن باحثين من بينهم أندريانوفا، وزينب حسين، وليون جولدسميث، لا يزالون يصفون البحث الأكاديمي حول وضع النساء في عُمان، اليوم وعبر التاريخ، بأنه بحث غير متطور. كما تحاجج ليندا باباس فنش بأن التصوير "الخيالي" للنساء في الشرق الأوسط في معظمه لا زال بدون منازع يدحضه.
هناك مجموعة من المصادر على موقع مكتبة قطر الرقمية ملائمة للباحثين المهتمين في هذه الموضوع. بالإضافة إلى قصص كتبها مسافرون أوروبيون، يمكن للباحثين الاطلاع على مصادر عُمانية من القرن التاسع عشر مثل ابن رُزيق وسرحان بن سعيد بن سرحان، بالإضافة إلى الأخبار المذكورة أعلاه التي حصل عليها مسؤولون بريطانيون من مخبرين مقيمين في مسقط.
هذا، ولم تكتب النساء أنفسهن أيًا من هذه القصص. فأصواتهن وفي الغالب أسماؤهن غائبة عن قصصهن الخاصة. لكن على الأقل تم الحفاظ على أفعالهن إلى حد ما. وهذه الأفعال تنتظر أن يتم البحث عنها، وهي كفيلة بتقديم الدليل على أنشطة النساء الاجتماعية والسياسية في عُمان القرن التاسع عشر.
ملاحظة من الكاتبة:
إن الكاتبة فتاة بريطانية لا تُجيد اللغة العربية. قام الزملاء المترجمون بالتكرم بإجراء بحث أولي للتأكد من عدم وفرة الكتابات باللغة العربية عن النساء المذكورات في السجلات IOR/F/4 أعلاه. غير أن نطاق هذه المقالة يبقى محدودًا بسبب عدم قدرة الكاتبة على الاطلاع على الأعمال المنشورة باللغة العربية حول الدراسات الجنسانية التاريخية في عُمان. إن الباحثين المهتمين بهذا الموضوع مدعوون للتواصل مع الكاتبة.