عرض عام
في بداية سنة ١٨٦٤، عقدت الجمعية الجغرافية الملكية في لندن مناقشتين حول المناطق الداخلية من الجزيرة العربية، والتي أدت إلى طرح مجموعة من الأسئلة حول الموضوع وتم إرسالها إلى لويس بيلي، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي. ونظرًا لخبرته بشؤون المنطقة، كان بيلي الشخص الأنسب للإجابة عن الأسئلة.
منطقة نجد التي لا يُعرَف عنها الكثير
ولكن الجمعية الجغرافية الملكية قدمت أيضًا عددًا من التصريحات التي جذبت انتباه بيلي: ألا وهما عدم قدرة أي إنجليزي على التنقل عبر منطقة نجد (المعروف اليوم بالمملكة العربية السعودية) لأنه سيتم قتله، وعدم وجود أي سجلات علمية أو بيانات دقيقة يمكن أن تحدد خطي الطول والعرض للرياض، عاصمة نجد.
ودفعت هذه التصريحات بيلي إلى اتخاذ قرار. فعقب الرد على أسئلة الجمعية الجغرافية الملكية، أرسل بيلي خطابًا للحكومة البريطانية يطلب الإذن بإجراء زيارة رسمية إلى أمير القبيلة الوهابية، حاكم منطقة نجد والمقيم في عاصمتها الرياض.
وكان هدف هذه الزيارة الحصول على المعلومات حول هذه المنطقة التي لا يُعرف عنها الكثير في الجزيرة العربية، بالإضافة إلى استعادة العلاقات الودية بين القبيلة الوهابية أحد أتباع الحركة الإصلاحية الإسلامية المسماة بالوهابية؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى الرعايا والأراضي الخاضعة لحكم أسرة آل سعود. والحكومة البريطانية. كما أراد بيلي أن يكون الأول ليثبت قدرة الإنجليزي على السفر دون التعرض لأذى ودون خوف من الإصابة في منطقة نجد. في ديسمبر ١٨٦٤، وافقت الحكومة البريطانية على طلب بيلي وبدأ بيلي في الترتيب لهذه المبادرة.
الاستعداد للرحلة
كانت أولى الخطوات التي اتخذها بيلي طلب الحصول على دعوة من الأمير فيصل بن تركي آل سعود، حاكم نجد. لم يتلق بيلي جوابًا مشجِّعًا على خطابه الأول، ولكن مصادره أخبرته أن الأمير فيصل بدأ يميل تدريجيًا إلى الفكرة فقرر بيلي عدم انتظار رد على خطابه الثاني والقيام بالزيارة دون الحصول على إذن رسمي، وفي يناير ١٨٦٥ سافر إلى الكويت لاتخاذ الترتيبات اللازمة لقطع رحلة طويلة عبر منطقة نجد إلى الرياض.
وفور وصوله إلى الكويت، أبلغ بيلي مُضيِّفيه من شيوخ الكويت بنيته السفر إلى الرياض. وكتب خطابًا آخر في الكويت إلى الأمير فيصل يبلغه أنه في طريقه إلى العاصمة وأنه واثق "أن التعارف الشخصي بينهما سيكون مُرضيًا لكلا الطرفين"، ثم بقى في الكويت إلى أن أتاه رد الأمير في 7 فبراير فغادر إلى الرياض في ١٨ فبراير.
ولكن بيلي استغل المدة التي قضاها في الكويت قبل السفر للحصول على معلوماتٍ حول الطبيعة الجغرافية والمناظر الطبيعية للمنطقة الداخلية التي كان سيجتازها، وذلك لترتيب الجِمال و المرشد، إلى جانب معرفة المزيد عن الحياة في الكويت. وقام بتوثيق كل هذه المعلومات بالتفصيل في يومياته وتقاريره.
الوفد المُسافر
عندما غادر بيلي أخيرًا، كان بصحبته الدكتور ويليام هنري كولفيل، جرَّاح المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. في بوشهر الذي كُلِّف بمهمة جمع عينات من الأحياء النباتية والحيوانية التي تصادفها البعثة في الطريق. وقد تم إرسالها إلى حدائق النباتات الملكية في كيو بينما تم إرسال العيِّنات الجيولوجية إلى السير رودريك مورشيسون لفحصها. كان الملازم إدوين دوز أيضًا عضوًا بالوفد المسافر، وكان مسؤولاً عن الحصول على البيانات الفلكية لتحديد خطي الطول والعرض والارتفاع عن سطح البحر للعديد من المناطق التي قطعوها. كما كان ضمن الوفد مترجم المقيمية مكتب تابع لشركة الهند الشرقية، ومن ثمّ للراج الهندي، أُسِّس في الأقاليم والمناطق التي كانت تُعتبر جزءًا من الهند البريطانية أو ضمن نطاق نفوذها. جورج لوكاس، وخادمان مسلمان وآخر فارسي وطاهٍ برتغالي.
استغرقت الرحلة إلى الرياض ستة عشر يومًا، وقام خلالها بيلي وفريقه بتسجيل السمات الجغرافية والمناظر الطبيعية بدقة شديدة، بالإضافة إلى وفرة المياه والمسافات المقطوعة وتفاصيل الناس الذين التقوا بهم في الطريق. وكانوا يأخذون القياسات العلمية ويجمعون المعلومات بصورة سرية لعدم إثارة أي شُبهات.
الوصول إلى الرياض
عند وصول الوفد، أمضى بيلي أربعة أيام في الرياض، وقضى أغلب وقته في مجلس مع الأمير فيصل وأمينه الخاص. وقد ناقشوا العديد من الموضوعات، بما في ذلك خطوط التلغراف الذي كان يتسع نطاقها في منطقة الخليج والسياسات البريطانية لمكافحة العبودية وحدود منطقة نجد والحكم البريطاني في الحكم.
لسوء الحظ لم تطل فترة العلاقات الودية التي عمل بيلي على تعزيزها مع الأمير فيصل، فقد توفي الأمير في وقت لاحق من نفس العام، مخلّفًا وراءه خلافات الداخلية بين أبنائه أدت في النهاية إلى سقوط الدولة السعودية الثانية. وخلال تلك الفترة العصيبة لم يهتم أبناء الأمير باستئناف أو الحفاظ على العلاقات الودية مع بيلي، مما أحبط المحاولات البريطانية وقتها لترسيخ التواصل مع الحُكام السعوديين.