عرض عام
العلاقات الأنجلو-فارسية في أواخر القرن الثامن عشر
تكثفت العلاقات بين بلاد فارس وبريطانيا خلال منتصف القرن الثامن عشر نتيجة السلطة المتزايدة لشركة الهند الشرقية ورغبتها في تعزيز التجارة وتأمين حدود الهند البريطانية. ففي عام ١٧٩٨، أصبح مهدي علي خان بهادر جنج ممثل بريطانيا لدى بلاد فارس في بلاط فتح علي شاه قاجار، وكانت مهمته الرئيسية تتمثل في تعزيز تجارة شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا من خلال التوسع في بيع المنتجات الصوفية البريطانية في بلاد فارس، بالإضافة إلى تكليفه بعرقلة العلاقات بين فرنسا وبلاد فارس.
وفي عام ١٨٠٠، غادر ضابط شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا جون مالكوم في مهمته الأولى إلى بلاد فارس، وكان هدفه ترسيخ الاتصالات التي بدأها مهدي علي خان لتتخذ العلاقات بين الهند البريطانية وبلاد فارس القاجارية شكلًا رسميًا. توصل مالكوم إلى معاهدتين مع البلاط الفارسي ركزتا على تعزيز أواصر الصداقة بين بلاد فارس والهند البريطانية. وقد أدت هاتان المعاهدتان، في سياق الحرب بين بريطانيا وفرنسا الثورية آنذاك، إلى فتح الموانئ الفارسية للتجارة البريطانية وإغلاقها أمام التجار الفرنسيين.
بعد ذلك بعام، عُيِّنَ الحاج خليل خان قزويني سفيرًا لبلاد فارس لدى الحكومة البريطانية في الهند. وكان أحد أسباب اختياره علاقاته كتاجر، وبالأخص علاقاته المهنية مع كلٍ من صمويل مانيستي وهارفورد جونز، وكيلَيّ شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا في البصرة. وكانت إحدى أولى مهام الحاج خليل خان هي تسليم تعديلات الشاه على معاهدتيّ مالكوم السياسية والتجارية، والرد على زيارة مالكوم للبلاط الفارسي في العام السابق بزيارةٍ مماثلة.
تسجل الدورية البريطانية "السجل السنوي الآسيوي" وصول خليل خان إلى بومباي [مومباي] في ٢١ مايو ١٨٠٢. وحسب السجل، فقد كانت رحلة السفير وحاشيته مليئةً بالمصاعب والمخاطر، ومن بينها فقدانه "جزء كبير من ممتلكاته" عندما تعرضت إحدى السفن لأضرار جسيمة (IOR/F/4/160/2791، ص. ٢٢٢ظ). إلا أن السفير وحاشيته لاقوا ترحيبًا كبيرًا عند وصولهم لبومباي عوَّضهم عن معاناتهم في تلك الرحلة. يسترسل السجل في وصف مظاهر الحفاوة التي استقبلت بها الحكومة البريطانية في بومباي الحاج خليل للدلالة على أهمية العلاقة مع بلاد فارس. وأحد أهم هذه المظاهر هو توفير الحكومة البريطانية حراسًا مخصصين للسفير يتألفون من قوات محلية وضباط بريطانيين من مؤسسة البنغال. وكان الحاج خليل قد سافر مع حاشية ضخمة مؤلفة من حوالي ١٢٠ شخصًا (منهم الأقارب والحراس وسائسي الخيل والخدم) بالإضافة إلى الحيوانات والهدايا.
موت وكارثة في بومباي
لكن كل هذه الجهود ذهبت هباءً، لأن الأمور تدهورت على نحوٍ مأساوي بعد شهر واحد. ففي ٢٠ يوليو ١٨٠٢، اندلع اقتتال في مقر السفير بين حراسه الشخصيين الفارسيين والحراس المقدَّمين من شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا . وفي رسالة موجهة إلى اللجنة السرية قبل ١٧٨٤، لجنة مسؤولة عن تأمين عمليات الشحن الخاصة بشركة الهند الشرقية. بعد ١٧٨٤، تلخص دورها الرئيسي في نقل المراسلات بين مفوّضي البرلمان لشؤون الهند والحكومات الهندية التابعة للشركة في المسائل ذات الطبيعة السرية. لحكومة بومباي، يقول جوناثان دانكن، حاكم بومباي، أن الحاج خليل تدخَّل وفي محاولاته "[إنهاء] الاقتتال، أُصيب بجرحٍ من قذيفة بندقية مَسْكيت أدى لمقتله على الفور تقريبًا." كما لقي عددٌ من الفرس الآخرين مصرعهم وأصيب غيرهم بجروح، وكان من بينهم آغا حسين، ابن شقيق الحاج خليل.
لا يحدد "السجل السنوي الآسيوي" ولا السجلات البريطانية الأخرى سبب الاقتتال، ولكن يبدو أن الضحايا كانوا حصرًا من الفُرس، حيث لا توجد بلاغات عن إصابات بين موظفي شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا . وتنقل مذكرات المحامي ويليام هيكي الشهيرة وجهة نظر المسؤولين البريطانيين وآغا حسين بأن الحراس الفُرس هم من بدأ العراك. وفي حين أن هناك العديد من الإشارات إلى هذه الأحداث في السجلات التاريخية وتقارير السفراء على الجانب الفارسي، لا يوجد سجل آخر باللغة الإنجليزية يوضح بدقةٍ أسباب اندلاع العنف في تلك الليلة.
تحجيم الضرر
ما لا شك فيه هو أن مقتل السفير الفارسي أحدث توترًا كبيرًا لدى المسؤولين البريطانيين. فمنذ اللحظة الأولى، انتابهم الذعر بشأن تأثير الحادثة على العلاقات الأنجلو-فارسية الودية التي لم تكد تترسخ، حيث قُتل السفير وهو من المفترض تحت حماية الحكومة البريطانية في الهند. سارع المسؤولون البريطانيون إلى التحقيق في تفاصيل الحادث ودوافعه، كما ناقشوا الخطوات الإضافية التي يجب اتخاذها لمراضاة أهل السفير وتحجيم الضرر على العلاقات البريطانية مع البلاط الفارسي. وكانت أولى هذه الخطوات إلقاء القبض على جميع حراس شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا وعلى الضابطَين المناوبين، الملازم فيتشر والنقيب روتليدج، قائد الحرس. بعدها، أُحيل الضابطان وبعض الحراس المتورطين في الحادث إلى مجلس تحقيق عُقِد في بومباي ثم خضعوا للمحاكمة والإجراءات القضائية. عوقب روتليدج بتجريده من رتبته وحرمانه من راتبه لمدة عام، بينما رُحِّل فيتشر والحراس الآخرون إلى جزيرة سالسيت المجاورة.
بعد فترةٍ من الحداد وعقب تعافي الجرحى، شجّع الحاكم العام في الهند غالبية حاشية السفير، بما في ذلك "الرجال الأكثر احترامًا الذين كانوا من ضمنها''، على العودة إلى بلاد فارس، حتى "يتمكنوا من خلال تقاريرهم من تبديد مشاعر الذعر والرعب التي يُخشى أنها استُثيرت" نتيجة الحدث المأساوي (IOR/F/4/160/2791، ص.٢٣٢و). وعلى الرغم من مقتل الحاج خليل، واصلت العلاقات الأنجلو-فارسية أعمالها مع بقاء آغا حسين الذي اعتُرِف به رئيسًا جديدًا لما تبقى من البعثة الفارسية في بومباي.
بالتزامن مع ذلك، أُرسل جثمان الحاج خليل إلى مدينة النجف الشيعية المقدسة مع تبرعٍ سنوي قدره ١٠,٠٠٠ روبية عملة فضية هندية كانت تُستخدم بشكلٍ واسع في الخليج العربي. "لتوزيعها من أجل أغراض العبادة والأعمال الخيرية عند الضريح" (IOR/F/4/160/2791، ص.٢٤٦و). كما سعت شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا إلى تهدئة عائلة الحاج خليل ومرافقيه بدفع التعويضات لهم، والتي كان من بين مستلميها ابنه وابن أخيه، بالإضافة إلى عائلات الفُرس الآخرين الذين قُتلوا أو جُرحوا في الحادثة. وقد وصل المبلغ النهائي المدفوع إلى ٤٤,٨٠٠ روبية عملة فضية هندية كانت تُستخدم بشكلٍ واسع في الخليج العربي. .
وفي إجراءٍ نهائي لضمان تفهُّم الشاه وللحفاظ على التحالف الأنجلو-فارسي، قام ريتشارد كولي مصطلح يُستخدم للإشارة إلى العمال القادمين من عدة بلدان آسيوية، ويُعتبر هذا المصطلح الآن ازدرائيًا. ويليسلي، الحاكم العام لفورت ويليام والبنغال (والشقيق الأكبر لآرثر ويليسلي، دوق ويلينجتون)، بكتابة رسالة اعتذار يؤكد فيها أن الحدث المؤسف كان حادثًا عرضيًا. وكان من المفترض تسليم الرسالة عن طريق جوناثان هنري لوفيت، المقيم البريطاني في بوشهر، ولكن بسبب المرض وصلت الرسالة إلى طهران في ٢ يوليو ١٨٠٤ عن طريق مانيستي.
العلاقات الأنجلو-فارسية في أعقاب الحادثة
حسب السجلات البريطانية، قبِل الشاه أن وفاة الحاج خليل كانت حادثًا، ولم يحمِّل بريطانيا مسؤولية الحادث. ومع إحساسهم بالرضا والارتياح إزاء ذلك، واصل المسؤولون البريطانيون بناء العلاقات مع بلاد فارس. وقد اُختير محمد نبي خان شيرازي، نسيب الحاج خليل، ليصبح السفير الفارسي التالي إلى الهند البريطانية. وبالإضافة إلى كونه شاعرًا وبعد ذلك وزيرًا لإقليم فارس، تضمنت إنجازات السفير الجديد البقاء على قيد الحياة لفترة أطول بكثير من سلفه.