الفريق أول جون جاكوب وتشارلز موراي: سجلات علاقة تكتنفها الضغينة

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

أثناء إخلاء القوات البريطانية لبوشهر، في أعقاب الحرب الأنجلو-فارسية (١٨٥٦-١٨٥٧)، تصاعدت حدة التوتر بين اثنين من موظفي الحكومة البريطانية.

بداية الحياة المهنية والإنجازات في السند

اشتُهر موظف شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا البريطانية جون جاكوب بإنجازاته كحاكم سياسي وعسكري في السند الأعلى، والتي شكلت في أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر الحدود الشمالية-الغربية "المتمردة" للهند الخاضعة للاحتلال البريطاني.

صورة لجون جاكوب، والذي قيل إنه توفى من الإجهاد الناتج عن الإفراط في العمل. التاريخ والمصور غير معروفين. Mss Eur F126/1, f 308
صورة لجون جاكوب، والذي قيل إنه توفى من الإجهاد الناتج عن الإفراط في العمل. التاريخ والمصور غير معروفين. Mss Eur F126/1, f 308

كان جون جاكوب إداريًا ومبدعًا ومبتكرًا خبيرًا. وقد تم توثيق سيرته المهنية وإنجازاته بالإضافة إلى طبيعته "غريبة الأطوار" بشكل جيد. إلا أن التحليل العميق لأوراقه في مجموعات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. والمخطوطات الأوروبية الموجودة لدى المكتبة البريطانية يقدم بعض المعلومات التي يجهلها الكثيرون عن رجل لا يتقبّل أي تحدٍ يهدد سلطته، سواء كان هذا ملموساً أو لم يكن.

صورة للمقر الرئيسي لجون. بلدة خانجرة، حيث أعيد تسمية المكان بـ "جاكوب آباد" تكريمًا له. أعيد إصدارها في كتاب شاند "الفريق أول جون جاكوب"، ص. ٢٨٦. ملكية عامة
صورة للمقر الرئيسي لجون. بلدة خانجرة، حيث أعيد تسمية المكان بـ "جاكوب آباد" تكريمًا له. أعيد إصدارها في كتاب شاند "الفريق أول جون جاكوب"، ص. ٢٨٦. ملكية عامة

الحرب الأنجلو-فارسية (١٨٥٦-١٨٥٧)

في ١٣ مارس ١٨٥٧، وصل جاكوب إلى بوشهر، في بلاد فارس [إيران]. حيث استُدعي لمساعدة صديقه القديم الفريق جيمس أوترام، الذي كان يقود القوات البريطانية التي تقاتل ضد الفرس آنذاك. وبعد بضعة أيام عُين مسؤولاً عن القوات البريطانية في بوشهر، بعد أن أقدم المسؤول السابق على الانتحار، بينما غادر أوترام للقتال في المحمّرة [خرمشهر]. وعندما وصلت أخبار الهدنة في أبريل (وُقعت في ٤ مارس)، أوكلت مهمة تنظيم إجلاء القوات البريطانية إلى جاكوب.

التنافس بين اثنين من الموظفين العامين لدى الحكومة البريطانية

سرعان ما دخل جاكوب في صراع مع تشارلز أوجستس موراي، السفير البريطاني إلى ملك بلاد فارس. إذ تصادم موراي، الدبلوماسي كثير الترحال ذو الخلفية الأرستقراطية الميسورة مع جاكوب، ذو الخلفية والإمكانيات المتواضعة.

صورة لتشارلز أوجستس موراي، أعيد إصدارها في كتاب ماكسويل "السير تشارلز موراي المحترم، قائد فرسان وسام الطُهر، مذكرات"، الصفحة الأولى، ملكية عامة
صورة لتشارلز أوجستس موراي، أعيد إصدارها في كتاب ماكسويل "السير تشارلز موراي المحترم، قائد فرسان وسام الطُهر، مذكرات"، الصفحة الأولى، ملكية عامة

وقع موراي وجاكوب في صراع متكرر حول أيهما هو الممثل الأعلى للحكومة البريطانية في بوشهر، وحول توقيت إعادة نقل القوات إلى الهند. وسرعان ما امتدت خلافاتهما لتشمل مسائل عملية أخرى.

قصة ميرزا آغا

في أبريل، قام جاكوب بعزل ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". آغا، وهو مسؤول انتدبه ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". محمد خان قاجار دولو، القائد العام الفارسي، للتنسيق مع جاكوب. وكان ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". آغا، الذي كان أيضًا يشغل منصب السكرتير الفارسي لموراي في السفارة البريطانية، قد اشتكى من سوء استقباله في المعسكر البريطاني. رد جاكوب على ذلك بغضب شديد، واصفاً الشكوى بأنها "وقحة وغير لائقة على الإطلاق".

نسخة من رسالة من جاكوب إلى ميرزا آغا، ٢٦ أبريل ١٨٥٧. IOR/H/549، ص. ٦٠٤و
نسخة من رسالة من جاكوب إلى ميرزا آغا، ٢٦ أبريل ١٨٥٧. IOR/H/549، ص. ٦٠٤و

وفي إحدى الرسائل، يوعز جاكوب إلى ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". آغا تحديدًا أن "يتفهم أنه منذ مغادرة السير جيمس أوترام، مثّلتُ، و […] أمثّل الآن، الحكومة البريطانية في بوشهر" (IOR/H/549، ص. ٦٠٤ظ).

وفي رسائله، أخذ موراي يدافع بأشد العبارات عن سكرتيره، مجادلاً بأنه لم يكن وقحًا عن عمد وبأنه لم يستحق الإدانة والإهانة أمام العامة التي عرّضه لها جاكوب. وفي رسالة وجهها إلى أوترام لدحض الاتهامات، يشير إلى مقاطع من رسالة جاكوب بأنها "إساءة محضة" (IOR/H/549، ص. ٦٣٢و)، ويضيف بأن على جاكوب الآن التعامل مع سكرتير أقل خبرة وكفاءة بكثير.

قصة "الجاسوس الفارسي" الضابط المهندس

تصاعدت حدة التوتر في مايو ١٨٥٧ عندما قام جاكوب باعتقال اثنين من الرسل وسجنهما – أحدهما ضابط مهندس في الجيش الفارسي – يحمل رسائل من ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". محمد خان إلى السكرتير الفارسي للنقيب فيليكس جونز، الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني والمقيم في الخليج العربي. تضمنت الرسائل التي تم اعتراضها تعليمات بأن يقوم السكرتير بإعداد مخطط لبوشهر وتوابعها. ولإدراكه بأن اتفاقية السلام الأنجلو-فارسية لم تتم المصادقة عليها بعد، وأن تعداد جيشه أقل بكثير من تعداد القوات الفارسية المعسكرة في برازجان، بدأت الشكوك تساور جاكوب. أرسل جاكوب رسالة إلى القائد العام الفارسي تنم عن غضب شديد، متظاهرًا باعتقاده بأن هذه الرسائل مزورة، ومبينًا أنه "ليس لدى السلطات البريطانية ما تخفيه".

نسخة من رسالة من جاكوب إلى ميرزا محمد خان، ١٣ مايو ١٨٥٧. IOR/H/550، ص. ٢٩٦و
نسخة من رسالة من جاكوب إلى ميرزا محمد خان، ١٣ مايو ١٨٥٧. IOR/H/550، ص. ٢٩٦و

يحاول القائد العام الفارسي في رده تهدئة جاكوب، موضحًا أن "مجيء أطراف كهذه ورحيلها […] لا ينبغي أن تخلق أو تثير الشكوك".

نسخة من رسالة من ميرزا محمد خان إلى النقيب فيليكس جونز غير أنها موجهة إلى جاكوب، ١٦ مايو ١٨٥٧. IOR/H/550، ص. ٣١٢و
نسخة من رسالة من ميرزا محمد خان إلى النقيب فيليكس جونز غير أنها موجهة إلى جاكوب، ١٦ مايو ١٨٥٧. IOR/H/550، ص. ٣١٢و

وإذ يُطمئن جاكوب بأن الزيارة لم تكن تنطوي على أي انعدام للياقة (باعتبار أن الجيش الفارسي سيستولي على حامية بوشهر حال خروج البريطانيين منها)، يذكّر ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". محمد خان جاكوب بأن "الصداقة تتطلب تعاملاً لطيفًا وليس صرامةً تجمّد العلاقات" (IOR/H/550، ص. ٣١٢ظ).

وفي غضون ذلك، رفض موراي إحالة نسخ من رسائل جاكوب إلى الحكومة الفارسية في طهران، خشية أن تعيد هذه الرسائل تأجيج أية توترات متبقية في العلاقات الدبلوماسية الأنجلو-فارسية.

نسخة من رسالة من موراي إلى أوترام، ٩ يونيو ١٨٥٧. IOR/H/550، ص. ٣٤٠ظ
نسخة من رسالة من موراي إلى أوترام، ٩ يونيو ١٨٥٧. IOR/H/550، ص. ٣٤٠ظ

تجدد العلاقات الأنجلو-فارسية لكن مع استمرار العداوة بين جاكوب وموراي

أطلق جاكوب سراح الضابط المهندس الفارسي فيما بعد، ولاحقُا في يونيو كان هناك ذوبان للجليد في العلاقات بين جاكوب والقائد العام الفارسي. وبمبادرة من أوترام وميرزا محمد خان، أرسل كل معسكر مبعوثًا رفيع المستوى إلى المعسكر الآخر – الحاج الشيخ محسن خان، سارهانج درجة أولى، وهنري ويلوبي تريفيليان، العميد قائد المدفعية في بلاد فارس. أثمرت الزيارات عن تقارير عالية الإطراء من الجانبين، ولا سيما وصف تريفيليان لحسن الضيافة ولوحات كبار الضباط في المعسكر الفارسي (IOR/R/15/1/174، صص. ٣و-٥٣ظ). وفي رسائله، يعبر جاكوب كذلك عن الاحترام والمودة تجاه ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". محمد خان، حيث كتب: "إذا ما قيّض لي أن أحظى مرة أخرى بسعادة لقاء فخامتكم سواء كان ذلك في بلاد فارس أو في مكان آخر فأنا على يقين أننا سنلتقي كأصدقاء" (IOR/R/15/1/174، ص. ١١٨ظ).

القائد العام الفارسي، ميرزا محمد خان، ويظهر خلفه موكب عسكري في ميدان مشق. جزء من لوحة بريشة محمد حسن خان أفشار (عاش في الفترة ١٨١٨-١٨٧٨) (مؤسسة متحف ومكتبة ملك الوطنية، طهران)
القائد العام الفارسي، ميرزا محمد خان، ويظهر خلفه موكب عسكري في ميدان مشق. جزء من لوحة بريشة محمد حسن خان أفشار (عاش في الفترة ١٨١٨-١٨٧٨) (مؤسسة متحف ومكتبة ملك الوطنية، طهران)

إلا أن جاكوب لم يكنّ نفس الدفء في المشاعر تجاه السفير في بلاد فارس. فعندما حذّر موراي النقيب جونز في ١٧ أغسطس ١٨٥٧ من مؤامرة فارسية مزعومة لمهاجمة القوات البريطانية المعسكرة في بوشهر، رد جاكوب بازدراء، حيث قال إن الدبلوماسي ذا الوجهين كان يحاول إطالة المفاوضات مع الحكومة الفارسية. وفي رسالة إلى جونز، يقول: "أنا لست متفاجئًا من رسالة مستر موراي هذه، فروح الرجل الوضيعة تجلّت لي في قصة ميرزا لقب تشريفي كان يُستخدم للأمراء، ثم للقادة العسكريين، ولاحقًا للوزراء وزعماء القبائل وغيرهم من "النبلاء". آغا. كل ما رأيته منه منذ ذلك الحين يتوافق وطبيعته الدنيئة".

نسخة لرسالة من جاكوب إلى فيليكس جونز، ٣٠ أغسطس ١٨٥٧. IOR/H/550، ص. ٦٤و
نسخة لرسالة من جاكوب إلى فيليكس جونز، ٣٠ أغسطس ١٨٥٧. IOR/H/550، ص. ٦٤و

لئن كانت آراء جاكوب عن موراي تنسجم مع قلة احترامه بشكل عام لـ "الكلمات المعسولة، والمكر الدنيء، والصياغة الراهنة للدبلوماسيين الحاذقين والماكرين" (8023.d.37، ص. ٣٨٢)، فإن هناك من الأدلة ما يشير إلى وجود آخرين  في دوائر السند ممن ينظرون إلى موراي أيضاً بازدراء. ففي رسالة إلى جاكوب، يكتب الرائد هنري جرين، المشرف السياسي الأعلى على حدود السند الأعلى، بأنه ينصح زميلًا بألا يوافق على أي منصب مرتبط بموراي، الذي يدعوه بالـ "متغطرس […] المكروه في كافة الأرجاء".

رسالة أصلية من هنري جرين إلى جون جاكوب، ١٠ مايو ١٨٥٧. IOR/H/550، صص. ٦٥٠ظ -٦٥١و
رسالة أصلية من هنري جرين إلى جون جاكوب، ١٠ مايو ١٨٥٧. IOR/H/550، صص. ٦٥٠ظ -٦٥١و

ويبدو أن هذا الرأي يلقى التأييد كما هو مبين في رسالة من المفوض في السند إلى جاكوب.

رسالة من هنري بارتل فرير إلى جاكوب، ٦ يونيو ١٨٥٧. مقتبسة في كتاب شاند "الفريق أول جون جاكوب"، ص. ٢٧٤، ملكية عامة
رسالة من هنري بارتل فرير إلى جاكوب، ٦ يونيو ١٨٥٧. مقتبسة في كتاب شاند "الفريق أول جون جاكوب"، ص. ٢٧٤، ملكية عامة

الخاتمة ١٨٥٨

على إثر عودته إلى منصبه في السند، في ديسمبر ١٨٥٧، وصلت رسالة رسمية إلى جاكوب من اللورد كلارندون، وزير الدولة للشؤون الخارجية، تناشد كلا الموظفين العامين "بأن يدفنا أي خلافات ربما تكون قد نشأت في طي النسيان" (IOR/H/550، ص. ٣٩٦ظ). إلا أن هناك دليلًا على أن جاكوب احتفظ بآرائه القوية عن تشارلز موراي. ففي رسالة إلى لويس بيلي بتاريخ ٤ يونيو ١٨٥٨، يستشيط جاكوب غضبًا من تجاهل الحكومة البريطانية لتوصياته بالتحلي بالشجاعة في الحملة الفارسية "لأنني تحدثت بصراحة، دون أن أنحني لأحد، ووبخت الأرستقراطي المتغطرس مستر موراي".

رسالة من جاكوب إلى لويس بيلي، ٤ يونيو ١٨٥٨. Mss Eur F 126/1، ص. ١١٦ظ
رسالة من جاكوب إلى لويس بيلي، ٤ يونيو ١٨٥٨. Mss Eur F 126/1، ص. ١١٦ظ