عرض عام
النصوص المُجمّعة المختصرة الرياضية
في العصور القديمة والوسطى، كان هناك القليل من التمييز بين العمل الرياضي الذي يُنشر بهدف نشر الأبحاث، والعمل الذي يُنشر لأغراضٍ تعليمية. وإنما كان التعليم العالي الرياضي قائمًا على قراءة النصوص الكلاسيكية المُعتمدة، بالاستعانة بالشروحات في كثير من الأحيان. لكنَّ ما تتألّف منه تلك النصوص تغيّر مع تقدم العلوم، فيما ازداد عددها في العموم.
"علم الفلك الصغير"
إن "علم الفلك الصغير" هو تسمية ترتبط بتجميعٍ فضفاض لنصوص إغريقية كلاسيكية عن علم الفلك الرياضي دُرست في عصر الإمبراطورية الرومانية (القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الثاني الميلادي)، والعصور القديمة المتأخرة (من القرن الثالث إلى السادس الميلادي). ولابد أن ما يُشكّل الكلاسيكيات في هذا المجال قد تكوّن مع مرور الوقت، وفي الأغلب قام المدرسون بصورةٍ فرديةٍ بإدراج أو استبعاد النصوصٍ وفقًا لما يفضّلونه وما يناسب أساليب تدريسهم.
بحلول العصور القديمة المتأخرة، أصبحت أهمية تلك النصوص مُرتبطة بكونها تمهّد الطريق إلى دراسة كتاب بطليموس المجسطي (منتصف القرن الثاني الميلادي). وأدرك المعنيّون أنها تتضمّن نصوصًا حول موضوعات أساسية في الهندسة لا تتناولها مجموعة رسائل وأبحاث إقليدس "العناصر"؛ مثل حجمي الشمس والقمر وبُعدهما، المخططات البابلية لأوقات ظهور أقواس مسارات الشمس، علم البصريات الهندسية، الهندسة الكروية – وهو مجال تناول موضوعات مثل طول النهار والليل وأوقات ظهور النجوم وأقواس مسارات الشمس.
المتوسطات
إن أصل مجموعة الأعمال باللغة العربية المعروفة باسم المتوّسطات غامض، لكنه يعود على الأرجح إلى أعمال علماء عاصروا بني موسى (القرن التاسع الميلادي) – مثل قسطا بن لوقا (القرن التاسع الميلادي) وثابت بن قرة (حوالي ٨٣٠-٩٠١). والمُعتقَد أن قسطا كتب عملًا بعنوان رسالة في ما يجب أن يقرأ من المتوّسطات قبل المجسطي، وقد قاما هو وثابت معًا بترجمة وتصحيح جميع الأعمال الإغريقية التي نُقلت تحت مُسمّى "علم الفلك الصغير". وعلى الأرجح، فقد شكّلت ترجمات مخطوط أو اثنين من تلك المجموعة نواة ما يُشار إليه بالمتوسطات.
في العصور الوسطى، أضيفت مجموعة من دراسات أخرى إلى المجموعة - ترجمات لدراسات يونانية أحدث وأيضًا أعمال أصلية باللغة العربية كتبها بنو موسى وثابت وغيرهم في الهندسة وعلم المثلثات الكروي. بهذا الشكل المستقر نوعًا ما، استُخدمت "المتوسطات" بوصفها مجموعة النصوص الأساسية التي يجب على من يريد أن يتقن العلوم الرياضية أن يدرسها، وذلك بين مجموعة رسائل وأبحاث إقليدس "العناصر" من ناحية وكتاب "المجسطي" لبطليموس من ناحية أخرى. فيذكر مثلًا أحد أساتذة ابن سينا (٩٨٠-١٠٣٧) "المتوسطات" بين الأعمال التي يجب دراستها في منهاج علم الفلك الرياضي.
إن أكثر طبعات " المتوسطات" انتشارًا هي النسخة المنقحة للعالم الموسوعي الفارسي نصير الدين الطوسي (١٢٠١–١٢٧٤). ففي سياق إعادة تنقيح وتصحيح جميع النصوص اليونانية والعربية الكلاسيكية في العلوم الرياضية، أنتج الطوسي أيضًا طبعات منقّحة لأطروحات عديدة من "المتوسطات". وقد انتشرت هذه الطبعات في العديد من المخطوطات وشكلت جزءًا من الأساس المعتمد لتعليم الرياضيات العالي في الجزء الشرقي من العالم الإسلامي لعددٍ من القرون.
تعليم الرياضيات
كان التعليم العالي في العصور القديمة والوسطى شأنًا شخصيًا يقوم على العلاقة بين المعلم وطالب العلم. وبالتالي فقد تعددت المسارات التي اتبّعها علماء الرياضيات أثناء دراستهم. ومع ذلك فكون بعض النصوص قد ظلّت تشكّل الأساس المُعتّمد لهذه العلوم كان يعني وجوب أن يتقنها المرء ليُعد عالم رياضياتٍ بحق. وعلى الرغم من وجود العديد من الشروحات والأطروحات التوضيحية التي كان الغرض منها أن تكون مكملةً لقراءة الكلاسيكيات، فقد كان تعليم الرياضيات العالي يتمحور حول دراسة أعمال لم تُكتَب في الأصل خصيصًا للطلاب - أعمال مثل مجموعة رسائل وأبحاث إقليدس "العناصر" و"المتوسطات" وكتاب بطليموس "المجسطي". كان هذا التعليم القائم على النصوص يشبه التعليم الأدبي أو الديني، وكان الطالب المُجيد هو الذي يتقن، بل يحفظ عن ظهر قلب، الأعمال العظيمة للأساتذة السابقين.