عرض عام
بدءًا من عام ١٨٢٠، وعلى مدار أكثر من قرن من الزمان، كانت القواعد التي سهَّلت لوجود القوة البحرية البريطانية القسرية في الخليج محتلةً لباسعيدو وهنجام، وهي أراضٍ إيرانية لم يتم التنازل عن سيادتها أبدًا. سهَّلت هذه القواعد تقدُّم الحروب الاستعمارية، بما في ذلك الحروب ضد إيران نفسها. وبعد تولي رضا شاه بهلوي للعرش الإيراني في عام ١٩٢٥، سعى إلى إحكام السيطرة على الساحل الجنوبي لإيران، وإنهاء التعدّي الاستعماري في إيران، وجعل العلاقات الأنجلو-فارسية أكثر تكافؤًا. وبقيامه بذلك، وضعت حكومته تحديًا خطيرًا أمام الهيمنة البريطانية في الخليج.
حينئذ، اضطر المسؤولون البريطانيون إلى الاعتراف بالوضع غير القانوني لقواعدهم البحرية. وكما كتب جون جيلبرت لايثوايت في عام ١٩٣٤ أثناء عمله في مكتب الهند، كان الموقف البريطاني "ضعيفًا للغاية من الناحية القانونية، وعمليًا كان خاضعًا لتحدٍ مستمرٍ من بلاد فارس، ذي طبيعة محرجة إلى حد ما" (IOR/L/PS/12/3840، ص. ٥٤٠و). كان الخروج من باسعيدو وهنجام متوقعًا، ولذلك بدأ المسؤولون البريطانيون في البحث عن قاعدة جديدة في المنطقة، ومن البديهي أن يحولوا أنظارهم إلى حليفتهم وعميلتهم، سلطنة مسقط وعمان.
خيار مسندم
كان الاستراتيجيون الإمبرياليون البريطانيون يتطلعون منذ فترة طويلة إلى شبه جزيرة مسندم، عبر مضيق هرمز من هنجام. وفي عام ١٩٢٧، حثّ المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في الخليج العربي ليونيل هاوورث على شراء هذه المنطقة من سلطان مسقط، وتحويلها إلى "جبل طارق في رأس الخليج" (IOR/L/PS/12/3840، ص. ٥٦٧و). وتصوَّرَ مسندم كقاعدة تؤمِّن السيطرة البريطانية على الممرات البحرية المؤدية إلى الخليج والخارجة منه، تمامًا مثل جبل طارق في غرب البحر الأبيض المتوسط.
شكّل رضا شاه ضغطًا على مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. وجعله يُفكر من جديد في مسندم، معتبرًا مضيق خور قوي، في رأس شبه الجزيرة، موقعًا مثاليًا لإنشاء قاعدة مستقبلية. ويصف لايثوايت الوضع هناك بأنه "مثير للإعجاب؛ هناك مياه عميقة؛ يجب أن نتحرر من تدخُّل بلاد فارس، ويجب أن نسيطر على رأس الخليج" (IOR/L/PS/12/3840، ص. ٥٦٨و). ولكنَّ مزيجًا من الجوانب العملية والمنافسات بين الإمبراطوريات من شأنه أن يحبط هذا المشروع.
الارتباط الفرنسي
يعود تاريخ القيود الدولية المفروضة على بريطانيا في مسندم إلى القرن التاسع عشر، وإلى زنجبار. ففي عام ١٨٦٢، وقَّعت بريطانيا وفرنسا اتفاقيةً تضمن استقلال سلطنتي مسقط وزنجبار. حدث ذلك بعد سنوات من الشك المتبادل بين المستعمِرين البريطاني والفرنسي في المحيط الهندي، وبلغ هذا الشك ذروته بعد إنشاء مركز تبشيري فرنسي كبير في زنجبار في عام ١٨٦٠. خشي المسؤولون البريطانيون المتشددون من أن يصبح هذا معقلًا عسكريًا لتسهيل الغزو الفرنسي للجزيرة. ولم يكن هذا ليحدث لولا سابقة تقديم المبشرين في وقت سابق ذرائع للتدخل الفرنسي في تاهيتي والهند الصينية. وأُبرمَت اتفاقية عام ١٨٦٢ بين لندن وباريس لتجنّب هذا التنافس الاستعماري.
وكان لهذه الاتفاقية عواقب طويلة المدى في الخليج. وربما تكون قد أنقذت مسقط من درجة أعمق من التوغل الإمبريالي البريطاني، فقد منعت أحكامها مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. من جعل مسقط محمية رسمية في عام ١٨٩٠، ومنعتها من السيطرة على جمارك السلطنة في عام ١٨٩٨. لم تدخر بريطانيا جهدًا لمحاولة إقناع الفرنسيين بالخروج من مسقط، والحصول على "سلطة مُطلقة" في البلاد، إذ عرضَت مساحات كبيرة من الأراضي المستعمَرة في غامبيا والسودان على باريس، لكن باريس لم تكن مهتمة.
ومن ناحية أخرى، سارعت بريطانيا إلى استغلال الاتفاقية لمنع التقدم الفرنسي في المنطقة. ففي عام ١٨٩٨، حصلت فرنسا على امتياز من السلطان لإنشاء محطة تزود بالفحم في مسقط. واحتجت بريطانيا (مهددة السلطان بالقصف ردًا على ذلك)، بسبب انزعاجها من هذا التوغل فيما اعتبرته مجال نفوذها الحصري.
استغلت وزارة الخارجية البريطانية اتفاقية عام ١٨٦٢ لإجبار المسؤولين الفرنسيين على تقديم تنازلات. فرضخت فرنسا، ووافقت على تجريد محطة التزود بالفحم الخاصة بها من أي تحصينات أو أعلام أو حقوق سيادية على الأرض. وفي الثلاثينيات من القرن العشرين، كانت هذه السابقة تعني أن القاعدة المقترحة في خور قوي ستواجه باحتجاجات فرنسية، ومطالب محتملة بقاعدة بحرية خاصة بهم.
هذه القيود الدبلوماسية، إلى جانب المخاوف العملية من كل من الهند والأميرالية بشأن نفقات وصعوبات إدارة قاعدةٍ في مسندم النائية، جعلت إنشاء "جبل طارق في رأس الخليج" غاية لم تتحقق قط.
النقل
بعد هجْر باسعيدو وهنجام على مدار بضعة أيام في أبريل ١٩٣٥، نُقلَت القاعدة البريطانية الرئيسية في المنطقة إلى الجفير، في البحرين. وحرصًا منها على عدم الظهور بمظهر الضعيف أمام السكان المستعمَرين، أصدرت السلطات البريطانية تعليمات إلى المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ "بنشر الشائعات المناسبة على الشاطئ العربي" وصياغة بيان يقدِّم الانسحاب على أنه مبادرة بريطانية، وليس نتيجة للضغوط الإيرانية، وذلك من أجل تقليل فقدان أي "هيبة" (IOR/L/PS/12/3840، صص. ٣٦٢و، ٣٤٠و).
وفي تلك الأثناء، أصبحت خور قوي قاعدة فرعية صغيرة. فلم يُبنَ بها سوى مقصف ونادٍ للضباط وبعض المرافق الأساسية، دون تحصينات أو أعلام، في جزيرة أم الغنم.
خور قوي من الحرب العالمية الثانية إلى الوقت الحاضر
تم تعزيز القاعدة خلال الحرب العالمية الثانية، حيث ضمت محطة تلغراف واستخدمها سلاح الجو الملكي البريطاني كقاعدة إنقاذ جوي-بحري. وبعد أن اعتُبرَت المرافق في جزيرة أم الغنم غير مفيدة في الحرب الباردة، سُلِّمَت إلى السلطنة في سبتمبر ١٩٥٦. ولم يُعلن مجددًا عن عملية التسليم خوفًا من فقدان "الهيبة" خلال فترة سادتها حالة من التوتر الشديد في المنطقة ككل، حيث حدث ذلك بعد أسابيع من تأميم الرئيس المصري جمال عبد الناصر لقناة السويس، وقبل العدوان الثلاثي اللاحق على مصر. وبذلك أصبحت الجفير القاعدة البريطانية الوحيدة في الخليج، وتخلت بريطانيا عنها في عام ١٩٧١، قبل أن تستولي عليها الولايات المتحدة في عام ١٩٧٢، ثم عادت إليها البحرية الملكية في ٢٠١٨.
والآن، تدير البحرية السلطانية العمانية الموقع في جزيرة أم الغنم، والذي ظهر في وسائل الإعلام البريطانية بعد زيارة أحد أفراد العائلة المالكة للموقع في ٢٠١٩، وإن تركزت التغطية الإعلامية على المواجهة مع إيران، بالإضافة إلى دفاع بريطانيا عن الممرات الملاحية وممالك الخليج العربي. من الواضح أن تاريخ التوترات سيستمر.