عرض عام
قاد هاري سانت جون بريدجر فيلبي (١٨٨٥-١٩٦٠)، والذي ادعى ذات مرة بأنه "أول اشتراكي يدخل في الخدمة المدنية الهندية"، بعثة دبلوماسية بريطانية إلى ابن سعود، أمير نجد والملك المستقبلي للسعودية، في ١٩١٧-١٩١٨. وسرعان ما اكتشف أن ولاءه يأخذه بعيدًا عن أرباب عمله وينحو به نحو الشخص الذي يفترض أنه يتفاوض معه. وفي سنة ١٩٢٤، عقب استقالته من منصبه كرئيس الخدمة السرية في فلسطين الواقعة تحت الانتداب البريطاني، استقر فيلبي في جدة، في السعودية الآن، وأصبح المستشار الأول لابن سعود في تعاملاته مع بريطانيا والقوى الغربية الأخرى.
دعم القضية السعودية
بعد أن أشعل فتيل الثورة العربية في سنة ١٩١٦، أعلن حسين بن علي الهاشمي شريف مكة وقائد الثورة نفسَه "ملك العرب"، إلا أنه واجه منافسًا على العرش هو ابن سعود. ورغم أن السياسة البريطانية ساندت الشريف حسين، إلا أنها لم تتجاوز الاعتراف به ملكًا على الحجاز. وفي غضون ذلك، سارع فيلبي إلى تأييد ابن سعود، حتى أنه زوده بمعلومات سرية لمساندته في مطلبه. حيث أوضحت مذكرة من مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. كتبها فيلبي في سنة ١٩١٨ أُسس دعم مطالبة ابن سعود بواحة الخرمة، التي سرعان ما أصبحت موضوع معركة تربة.
اعتناق الإسلام
في سنة ١٩٣٠ اتخذ فيلبي خطوة هامة باعتناقه للإسلام، مما أتاح له فرصة أكبر للوصول إلى ابن سعود ومنحه حق الدخول إلى مدينة مكة المكرمة. وذكر سيسيل هوب جل، القائم بأعمال السفير البريطاني في جدة، لقاءً مع فيلبي بعد ذلك بفترة وجيزة، حيث أشار إلى أنه "لم يدّعِ قط بأن اعتناقه للإسلام كان روحيًا"، بل كان قرارًا فكر فيه مليًا ونبع كرد على "نأيه بنفسه عن القيم البريطانية" (IOR/L/PS/12/15، ص. ٤٤و).
وقد يكون ابن سعود من بين المتشككين بدوافع فيلبي لاعتناق الإسلام، حيث أنه واصل تأجيل منح الأذونات اللازمة لفيلبي لتحقيق طموحه الأعظم بأن يكون أول غربي يعبر صحراء الربع الخالي. ورغم أن بيرترام توماس، مستشار سلطان مسقط وعُمان، سبقه في تحقيق ذلك الهدف، إلا أنه قاد بعثة عبر الصحراء في سنة ١٩٣٢، أسفرت عن إنتاج واحدة من أولى خرائط الربع الخالي.
"معاداة بريطانيا"
لوحظ التحول في ولاء فيلبي في بلده الأصلي، وأصبح ذلك موضوع نقاش متكرر. ففي سنة ١٩٢٩ كتب قائد السفينة الملكية كليماتيس من جدة أن فيلبي كان "مسؤولًا عن الكثير من المخاوف والشكوك التي تعاني منها حكومة الحجاز الآن" وأنه كان لدى فيلبي سمعة بأنه "معادٍ لبريطانيا".
وفي سنة ١٩٣٦، قاد فيلبي بعثة عبر حضرموت وسط اليمن، اعتبرها كل من البريطانيين واليمنيين على أنها جولة للترويج لمطلب ابن سعود بالسيادة على المنطقة، بما فيها أجزاء من محمية عدن التي تديرها بريطانيا. فكتب القائم بأعمال المقيم البريطاني في عدن: "من المفترض أن مستر فيلبي لا يزال يدعي بأنه رجل إنجليزي [...] مما يزيد من الأسف أنه يعمل عمدًا ضد مصالح بريطانيا" (IOR/L/PS/12/2071، ص. ٢١ظ).
في سنة ١٩٤٠، وبعد سنة من ترشحه للبرلمان عن حزب الشعب البريطاني اليميني المتطرف، اعتُقل فيلبي في بومباي للاشتباه في تعاطفه مع النازيين، وتم ترحيله إلى إنجلترا حيث احتُجز لفترة قصيرة. مع ذلك وبعد فترة وجيزة من إطلاق سراحه، نجح في إدخال ابنه كيم فيلبي في الخدمة البريطانية السرية. وفي نهاية المطاف خسر فيلبي نفوذه في المملكة العربية السعودية بعد انتقاده علنًا لنجل ابن سعود وخليفته، الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود، بعد توليه العرش في سنة ١٩٥٣. وتوفي فيلبي في بيروت سنة ١٩٦٠، أثناء زيارته لكيم. وبحسب ما بُلغ، فإن كلماته الأخيرة كانت: "أنا أشعر بالملل الشديد."