عرض عام
في ديسمبر ١٩٢٦، نصَ خطاب مرسل من وزارة الخارجية البريطانية إلى مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. على أنه "استنادًا إلى الأسس السياسية، فإنه من الأهمية الكبيرة تلافي أي إجراء من شأنه إعادة إثارة الخلاف فيما يتعلق بسيادة البحرين".
في ذلك الوقت، لم تعترف الحكومة الفارسية بسيادة البحرين وزعمت أنها إقليم تابع لبلاد فارس. ظل آل خليفة يحكمون البحرين منذ سنة ١٧٨٣ بعدما أطاحوا بالأسرة بالعائلة السابقة التي كانت في بوشهر، غير أنه على مدار ١٥٠ سنة بعد ذلك ظل وضعها يثير النزاعات.
ورغم أن البحرين كانت مستقلة اسميًا، إلا أن يريطانيا أملت سياستها الخارجية منذ القرن التاسع عشر ووطدت سلطتها على الجزر سنة ١٩٠٠ مع تأسيس منصب الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني في البحرين.
الابتعاد عن إعادة إثارة الخلاف
خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين، تعرض مواطنو البحرين القاطنين لمدينة المحمرة (خرمشهر الحالية) في بلاد فارس للتعدي والتهديد من جانب السلطات المحلية.
أُجبر الكثير من البحرينيين في بلاد فارس - وكان غالبيتهم من الشيعة - قهرًا على التجنس بالجنسية الفارسية لتجنب الاعتقال أو الطرد من البلاد. وردًا على ذلك، استنجد المجتمع بحاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة وبكثير من المسؤولين البريطانيين ممَن شغلوا منصب الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين خلال هذه الحقبة.
تردد البريطانيون - ممن كانوا قلقين من التوترات مع بلاد فارس حول البحرين - في ردهم على إجراءات الحكومة الفارسية.
التخفيف من معاناة البحارنة
استمر التعدي على المواطنين البحرينيين وبدأ عجز بريطانيا أو عدم رغبتها في تقديم المزيد من المساعدة الجادة لمواطني دولة واقعة تحت حمايتها يسبب بعض الذعر بين البحارنة (الأهلون الأصليين الشيعة في البحرين).
نوَّه سيريل تشارلز جونسون باريت، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ البريطاني في الخليج العربي في خطاب إلى الإنتداب البريطاني في طهران في أغسطس ١٩٢٩ إلى "أن سكان البحرين لاحظوا أنه بينما تعمل الحماية البريطانية على جزيرتهم على نزع سلطة حاكمهم وتنفيذ سلسلة من الإصلاحات والترتيب لإنشاء قواعد مراكب طائرة وطائرات لنفسها، إلا أنها لا تقوم بشيء ذي قيمة للتخفيف من معاناة البحارنة في بلاد فارس".
افتراض قانوني
في سبتمبر ١٩٢٩، شرح تشارلز جيفري بريور، الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين في خطاب مرسل إلى باريت – الذي كان رئيسه في بوشهر - هذا التناقض. وصف بريور في عبارة شديدة الصراحة فكرة كون البحرين دولة مستقلة بأنها "افتراض قانوني" وذكر أنه لا يؤمن بأن "أي عربي انخدع ولو لوهلة بسياسة تستغل موارد البحرين لصالحنا وتتقاعس عن حماية رعايا هذا البلد ولا تسمح لهم بحماية أنفسهم أو حتى التحالف مع دول أخرى قد تكون لديها رغبة في ذلك".
أشار بريور إلى أنه لو تدخل البريطانيون في أي ولاية هندية على مدار العقد الماضي بقدر ما قاموا به في البحرين لكان هذا قد تسبب في "عاصفة من الاحتجاجات".
نحن نحينا الحاكم وقمنا بنفي أقاربه ووضعنا التعريفة الجمركية بما يناسب مصلحتنا وأرغمنا هذه الدولة ضد إرادتها على منح خصم جمركي لحليفنا بن سعود [...] ومنعنا الاختصاص القضائي للحاكم على جميع الأجانب ونقرر مَن هم الأوربيينالذين يمكنه أو لا يمكنه توظيفهم.
تابع بريور قوله "رفضنا إطلاق يد هذه الدولة في مواردها التعدينية ولقد استرْشَدنا في هذا الشأن بالكامل تقريبا من قِبل مصلحتنا الذاتية" وأوضح أن حاكم البحرين غير مسموح له بمراسلة شركة النفط العاملة في منطقة تعدينه التي حصل على حق امتياز بها إلا من خلال وساطة الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني.
كما قدم بريور اعترافًا مذهلًا أنه إضافة إلى إسهامها البسيط في الأعمال الخيرية "التي كانت لها قيمة سياسية"، لم تتكبد الحكومة البريطانية أية نفقات في البحرين مطلقًا.
واجب تقديم الحماية
ورغم تقييم بريور المُدين للسياسية البريطانية في البحرين، كان يعتقد أنه على بريطانيا الوفاء بالتزاماتها وتقديم المزيد من المساعدة للبحارنة، وقد أكد على هذا الأمر في خطاب بعد عامين في سنة ١٩٣١.
في الخطاب المذكور، أوضح بريور مدى التدخل البريطاني وكيف أن البريطانيين استغلوا شركة النفط بما يناسب "مصلحتهم الإمبراطورية". وقال إنه بما "أننا تدخلنا في شؤون البحرين لحد لا يٌوازي تدخلنا في الهند البريطانية حينذاك فعلينا منح أولئك الناس نفس الدعم والحماية التي نقدمها لسكان الولايات الهندية البريطانية".
ولكن مرّت ثلاثة سنوات، ولم تخف حدة المضايقات للبحرينيين في بلاد فارس. وفي ١٩٣٤، كتب تشارلز بيلجريف، مستشار حكومة البحرين أن "الفُرس يقومون بتدمير أوراق جنسيتهم [البحرينية] ويجبرونهم بالتوقيع على أوراق فارسية ولكن البحارنة يفضلون الموت عن أن يصبحوا رعايا فارسيين."
سياق إمبراطوري
ثمة احتمال قوي أن بريور كان محقًا في قلقه وأنه كان يرى بحقٍ أن على بريطانيا احترام التزاماتها تجاه الواقعين تحت حمايتها. لكن صراحته الشديدة عندما قيّم أنشطة الحكومة البريطانية في البحرين توضّح بجلاء طبيعة دور الإمبراطورية البريطانية في هذه الدولة وهو دور طبقًا لرؤيته كان مدفوعًا بمنطق الإمبراطورية - وبالمصلحة الذاتية البريطانية بحسب وصفه.
في سنة ١٨٩٨، أطلق اللورد كرزون، نائب الملكة والحاكم العام للهند آنذاك قولته الشهيرة "تركستان وأفغانستان وترانسكاسبيا وبلاد فارس [...] بالنسبة إلي هي مجرد قطع على لوح شطرنج يُلعب بها من أجل السيطرة على العالم". ولم تكن البحرين استثناءً من هذه الرؤية للعالم، بغض النظر عن دوافع بريور الشخصية. كانت قطعة أخرى على لوح الشطرنج - تُستخدم لضمان موقع بريطانيا في الهند وزيادة مصلحة إمبراطوريتها العالمية.