عرض عام
تقول الصحفية سارة الزومان في هذا المجال: "الموسيقى الكويتية التقليدية ساحرة حقًّا، بمعنى أنها قد تعيد إلى الذهن تراث دولة الكويت العريق وتاريخ نشأتها، وتوجِد رابطًا حقيقيًا بين المستمع إلى هذه الموسيقى من أهل البلد وماضيه."
تتفق معظم المصادر أن فنّ الصوت الخليجي الحضري بشكله الحالي تأسّس في الكويت على يد الشاعر والملحن والمغني وعازف العود عبد الله الفرج (1836-1901 أو 1903). ورغم أنه أمضى سنوات طويلة من حياته في الهند، نظرًا لِكونه "إبن أسرة تجارية غنية هاجرت إلى بومباي..." (سيمون جارجي) - فقد ولد الفرج في دولة الكويت وتوفي فيها. ويمكن الافتراض بأن الفرج عزف في معظم أيام حياته على آلة المِزهر العربي أو ’العود الهندي‘ المبسّطة؛ إذ أنّ آلة العود العربية الكلاسيكية لم تكن معروفة بعد في منطقة الخليج العربي آنذاك.
وفي أيام عبد الله الفرج، اتّخذ فنّ الصوت بالفعل شكله الحالي الذي يركّز على الصوت بوصفه "الأداة الرئيسية" في قالب غنائي موسيقي يتم من خلاله التعبير عن الشعر النبطي والفصيح. ويرافق المطرب الفردي آلة العود كأداة لحنية أساسية، وآلة المرواس، وهي طبل صغير بشكل برميل، فضلاً عن التصفيق باليدين، وفي أغلب الأحيان الكورس أو جوقة المغنّين. وفي عشرينيات القرن الماضي، أضيفت آلة الكمان إلى قالب الصوت لدعم المطرب الأساس.
ويشكّل الصوت الفنّ الموسيقي الذي لعبته أولى التجمعات الحضرية في منطقة الخليج. وربمّا يعود ظهور هذا النوع الموسيقي الشرقي العربي الخليجي في دولة الكويت أوّلاً، إلى أن موقع هذه الدولة على الخريطة جعلها عرضة لتأثيرات ثقافية مختلفة. فهي تقع بين البحر والصحراء، ولذا تأثّرت من ناحية البرّ بمنطقة البصرة (العراق حاليًا) وبلاد فارس والمملكة العربية السعودية، ومن ناحية البحر أي ساحل الخليج العربي، بسلطنة عمان واليمن وصولاً إلى أقاصي أفريقيا الشرقية والهند. ولا بدّ من إخضاع التأثيرات القادمة من الهند وشرق أفريقيا على هذا النوع الموسيقي إلى المزيد من الدراسة والبحث. وعلى أيّ حال، كان فنّ الصوت يؤدّى على متن القوارب التجارية التي تربط دولة الكويت بتلك الدول، جنبًا إلى جنب مع الموسيقى البحرية السائدة. ومنذ الأيّام الأولى لموسيقى الصوت، كان هناك تعاون قوي بين الفنّانين من البحرين والكويت. وبالنسبة للعديد من مقطوعات فنّ الصوت الأولى، يمكن عزو الشعر أو الأبيات اللحنية المُغنّاة إلى اليمن أو منطقة الحجاز غرب المملكة العربية السعودية.
وبفضل الشركات التجارية لتسجيل الأسطوانات بواسطة الغراموفون التي ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين، لدينا في حوزتنا اليوم عددًا كبيرًا نسبيًا من التسجيلات الموسيقيّة. وكان أوائل مطربي فنّ الصوت هؤلاء يعدّون بالفعل على ما يبدو من النجوم المرموقين على مستوى المنطقة، ما يجعلهم أهلاً لأن تحظى أغانيهم بشرف تسجيلها وحفظها على أسطوانات، وذلك على عكس أغاني الفنّ البحري التي لم تكن تعتبر جديرة بالتسجيل.
ويذكر عالم الموسيقى حبيب يمين، وهو مترجم الكتيّب المرافق لأسطوانة فرقة العميري الصادرة عام 2004، الفنّانين المعاصرين لعبد الله الفرج أو أتباعه المباشرين مثل إبراهيم بن يعقوب، والأخوان خالد ويوسف البكر (1870 أو 1875- 1955)، وحسين الزاير، وناصر بن يعقوب.
تابع الإرث الفنّي ليوسف البكر مسيرته في القرن العشرين، مع تسجيل هذا الفنّان 60 عملاً في مجال فنّ الصوت في العام 1953. ومن فّناني الصوت المتميّزين الآخرين من الجيل الثاني الذي برز في أوائل القرن العشرين، المغني عبد اللطيف الكويتي (1901 أو 1904-1975)، الذي كان يغنّي بمرافقة عازف الكمان سامي الشوا، ومحمود الكويتي على آلة العود، وحمد بوهويدي على المرواس، وعبد الله الفضالة والأخوان صالح الكويتي على آلة العود وداود الكويتي على آلة الكمان، وأحمد الزنجباري من زنجبار الذي قدِم إلى الكويت وأقام فيها (المرجع: حبيب يمين). وتُعدّ أسطوانات الشيلاك التي أصدرتها شركة "أوديون" لأعمال الفنّان عبد اللطيف الكويتي (بمرافقة سعود المخايطة على آلة المرواس) من الملفّات السمعية الهامة التي توثّق المراحل الأولى لفنّ الصوت. وقد صدرت هذه الأسطوانات في عامي 1928 و 1929 وجرى تسجيلها في مدينتي بغداد، العراق، والقاهرة، مصر.
وقد عمل اثنان من الموسيقيين الكويتيين، وهما الفنان وعازف العود داود الكويتي (1910-1976) والشاعر والملحّن وعازف الكمان صالح الكويتي (1908-1986) مع الكثير من الفنّانين، وقاما بكتابة كلمات العديد من أغانيهم وتلحينها أو بكلا الأمرين. وقد ولد الفنّانان المذكوران في أسرة عراقية قدمت من البصرة إلى الكويت، وأصبحا معروفين من قبل الجمهور الفني العراقي منذ نهاية عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. ويصف الباحث الموسيقي العراقي التسعيني حسقيل قوجمان الفنّان صالح الكويتي مثلاً بأنه "...عازف الكمان والملحن الأكثر مهارة في العراق لثلاثة عقود من الزمن".
وكذلك يعدّ ملّا سعود الكويتي (1900-1971) من بين روّاد فن الصوت البارزين، وقد ولد لأسرة عملت في مجال خياطة البشوت التي مارسها لفترة من الزمن. ويعود تاريخ أغانيه المسجّلة في بغداد إلى العام 1932 على الأرجح. ورغم كونه فنّانًا ذائع الصيت في تلك المرحلة، لا يوجد اليوم سوى عدد قليل جدًا من أسطواناته. ويُذكر أنّ ملّا سعود الكويتي كان على صلة وثيقة باثنين من معاصريه اللذين كانا أكثر شهرة منه، وهما الفنّان البحريني ضاحي بن وليد (1896 أو 1898-1941 أو1951) والفنّان عبد اللطيف الكويتي. ورغم أن معظم المطربين الكويتيين يرافقون أنفسهم بالعزف على العود أثناء غنائهم، تميّزت أغنيات ملّا سعود الكويتي بوجود عدد من العازفين والمغنين الذين يصاحبونه. وقد كان يرافقه على الأرجح الفّنانون ضاحي بن وليد، وداود وصالح الكويتي، وعلي المرواس، وحمد بوطيبان في العزف على آلات الكمان، والعود، المرواس، والطبل، فضلاً عن مرافقة الجوقة له أحيانًا بالتصفيق والغناء.
وقد أنشأت هذه الأجيال المبكّرة من المغنّين والفنّانين الكويتيين، وفي مقدّمهم عبد الله الفرج، إضافة إلى عدد من الفنّانين الآخرين من البحرين، فنّ الصوت، الذي يعدّ نوعًا موسيقيًا خليجيًا حضريًا فريدًا، كما لا يزال يؤدّى في منطقة الخليج إلى أيامنا هذه. وقد تمّ تسجيل العديد من أغاني فنّ الصوت على أسطوانات مصنوعة من الشيلاك (78 دورة/الدقيقة)، ما مكّن من الاحتفاظ بغالبيتها خلال فترة الثمانين سنة الماضية. ولا شكّ أن هذه الأسطوانات تشكّل اليوم مرجعًا هامًّا وقيّمًا يسترشد به مطربو فنّ الصوت الشباب في المنطقة.
إستمع إلى:
قائمة التشغيل من الكويت: