عرض عام
في ٨ أبريل ١٨٣٢، كتبت السيدة موزة بنت أحمد آل بوسعيد، عمة إمام مسقط، رسالةً عاجلةً إلى البريطانيين عقب اعتقال ابن الإمام وابن أخيه. يدعو ورود اسم السيدة موزة ضمن مجلدٍ لشركة الهند الشرقية إلى الاستغراب، فالمجلد فيما عدا ذلك تسوده كلمات الرجال وأفعالهم. إلا أن التدقيق في المصادر يكشف أنها كانت شخصية تتمتع بالنفوذ وتحظى بالاحترام، مما جعلها جديرةً باهتمام شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا . ولعلها لم تكن الوحيدة بين قريناتها العمانيات؟
"موزة، بنت الإمام أحمد بن سعيد"
هكذا وصف البريطانيون كاتبة الرسالة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن موزة تُعرَّف باسمها الشخصي، وليس فقط عن طريق نسبها لأحد أقاربها الذكور؛ كما أنها لا تُعرَّف نسبةً لدورها كزوجة أو أم. تكتب موزة بصلاحيات الحاكم المؤقت نيابةً عن ابن أخيها إمام مسقط، السيد سعيد بن سلطان آل بوسعيد، طالبةً العون من حلفائه البريطانيين. وتوّثق الأوراق اللاحقة دورها في حماية مسقط أثناء فترةٍ حرجةٍ من الخصومات والصراعات الداخلية في عُمان خلال ثلاثينيات القرن التاسع عشر.
تمردٌ على عدة جبهات
تبين نسخ لرسائل ضمن سلسلة ملفات IOR/F/4 أن إمام مسقط سافر إلى زنجبار في ديسمبر ١٨٣١، تاركًا ابنه، هلال بن سعيد، وابن أخيه، محمد بن سالم، وابن عمهم، سعود بن علي، شيخ بركاء، لينوبوا عنه في غيابه. وفي مارس ١٨٣٢، دعا الشيخ سعود أولاد عمومته ليستريحوا في حصنه خلال جولتهم في المنطقة الداخلية. وما إن صارا داخل الحصن، حتى أُوصِدت أبوابه ليصبحا سجينيّ الشيخ سعود. جاءت رسائل موزة في أعقاب هذه الحادثة، حيث كتبت لكلٍ من حاكم بومباي والمقيم البريطاني في الخليج تطلب منهما إرسال الدعم. في نفس الوقت، وردت مسقط أنباءٌ عن تآمر السيد هلال بن محمد، شيخ السويق، مع الشيخ سعود، وأن حمود بن عزّان، شيخ صحار، يشن حملته الخاصة للاستيلاء على الرستاق من الإمام.
في رسالةٍ إلى المقيم البريطاني في الخليج العربي، روبن أصلان، يصف وكيل الشركة في مسقط الوضع هناك فيقول إن الفوضى تعم المكان بعد أن فر السكان من أطراف المدينة إلى داخلها حاملين معهم ممتلكاتهم، كما أُغلقت المتاجر وسيطرت على الناس "رهبة شديدة" (IOR/F/4/1435/56726، ص. ٢٤٢ظ). بدأت موزة في التحرك على الفور، حيث شرعت في حشد القوات وتعزيز دفاعات مسقط عن طريق توزيع البارود والطلقات على حصون المدينة. كما كتبت رسالةً عاجلةً إلى الإمام وأرسلت ثلاثة مبعوثين إلى بركاء لتتحقق من نوايا الشيخ سعود. وفي الوقت ذاته، استمرت في مناشدة الدعم البريطاني، حيث استدعت أصلان لتستوضح منه متى يُتوقع أن تصل السفن من بومباي. رضخ المقيم البريطاني لإصرارها وكلف مساعده باتخاذ الترتيبات اللازمة لإرسال سفنٍ حربيةٍ تابعةٍ للشركة.
"بفضل رحمة الله وجسارة عمة الإمام، حل السلام التام في مسقط"
في ٢٧ أبريل، قدم وسيط غالبًا هو وكيل تجاري محلي في الخليج يقوم بشكل منتظم بجمع المعلومات الاستخبارية وبمهام التمثيل السياسي. يُشار إليه أحيانًا بـ "وكيل الحكومة" أو "الوكيل المحلي". الشركة في مسقط تقريرًا بآخر التطورات، كاتبًا أن النظام قد ساد المدينة من جديد. واصلت موزة الدفاع عن أراضي الإمام في ربيع وصيف ١٨٣٢، وتميزت في دورها كقائدٍ مؤقت خلال هذه الفترة العصيبة. وإن كان وجود امرأة في مركزٍ كهذا أمرًا غير اعتيادي، فإننا لا نجد أي تعليقٍ ينم عن ذلك في المراسلات اللاحقة لشركة الهند الشرقية. بل يبدو أن كل الأطراف المعنية قبلوا سلطتها دون نقاش – حيث أثنى وسيط غالبًا هو وكيل تجاري محلي في الخليج يقوم بشكل منتظم بجمع المعلومات الاستخبارية وبمهام التمثيل السياسي. يُشار إليه أحيانًا بـ "وكيل الحكومة" أو "الوكيل المحلي". الشركة على أدائها، وامتثل المسؤولون البريطانيون لطلباتها.
سلطةٌ معترفٌ بها
كانت موزة، حتى قبل هذه الأحداث، شخصيةً لها ثقلها في أوائل القرن التاسع عشر في عمان. ويعود ذلك لدورها في تأمين مركز السيد سعيد في أول حكمه الذي شاركه فيه أخوه سالم في بادئ الأمر. وقد كتب عنها المؤرخ ابن رزيق في القرن التاسع عشر، حيث يشير إليها بـ"بنت الإمام"، مسجلًا الإجراءات المختلفة التي اتخذتها خلال هذه الفترة المضطربة، ومؤكدًا أنها كانت تتمتع بنفس القدر من السلطة التي كان يمتلكها أبناء أخيها، إن لم تكن أكبر (Arab.D.490، صص. ٢٦٦-٢٨٣). وقد ذهبت سالمة بنت السيد سعيد إلى أبعد من ذلك عندما كتبت عن عمتها في أواخر القرن التاسع عشر، فوصفتها بالوصية على عرش أبيها (رويت ، ص. ١٦٠). من وجهة نظرٍ بريطانية، قد لا يذهب العقيد صمويل باريت مايلز لتسميتها بالوصية، ولكنه مع ذلك لا يغفل دور موزة كمستشارة وقائدة مؤقتة في عدة مراحل خلال الحكم الطويل للسيد سعيد (مايلز، ص. ٣٠٤، صص. ٣٣٣-٣٣٤، ص. ٣٤٣).
دورٌ مساعد بلا اسم
في حين أن موزة تعد شخصية استثنائية في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. من حيث أن اسمها مذكور، فإنها ليست المرأة الوحيدة التي تولت زمام الأمور في غياب أقاربها الذكور لتدافع عن عائلتها وممتلكاتهم. فضمن نفس الأوراق التي تسجل أحداث سنة ١٨٣٢، تبرز امرأةٌ أخرى في دورٍ مماثل. بينما كان محمد، ابن أخي الإمام، معتقَلًا في بركاء، زحف معتقِله الشيخ سعود نحو حصن محمد في المصنعة. تولت أم محمد، التي لا يرد اسمها في الوثائق، مسؤولية الدفاع عن الحصن. ووفقًا لتقاريرٍ استلمها أصلان، عندما عرض الشيخ سعود على أم محمد أن يحرر ابنها إن استسلمت، ردت عليه بسيلٍ من القذائف المدفعية (IOR/F/4/1435/56762، ص. ٢٤٢ظ). وبدعمٍ من القوات التي أرسلتها موزة، تمكنت أم محمد من الحفاظ على الحصن. وعلى الرغم من انضمام السيد هلال لهجوم الشيخ سعود، فإن أصلان يبلغ بانسحاب كلٍ منهما إلى أراضيه بحلول نهاية شهر أبريل (IOR/F/4/1435/56762، ص. ٢٦٢و).
من الواضح إذن أن الدفاع الناجح عن أراضي الإمام سنة ١٨٣٢ تم بقيادة امرأتين. تقدم لنا هذه السجلات ضمن سلسلة ملفات IOR/F/4 لمحةً عن شخصية موزة الجديرة بالاهتمام وعن السلطة التي تمتعت بها خلال حكم ابن أخيها الممتد، كما أنها تبرز لنا سيداتٍ أخريات تولين القيادة بنجاح. في مقالٍ آتٍ، سنستعرض ما يمكن استخلاصه من هذه النماذج عن دور المرأة في عمان خلال القرن التاسع عشر.