عرض عام
كان أبو الحسين عبد الرحمن بن عمر الصوفي الرازي (٢٩١هـ/٩٠٣م-٣٧٦هـ/٩٨٦م) عالم فلك ومُنّجم إيراني ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسرة البويهية الحاكمة في بلاد فارس وبغداد، لا سيما علاقته بعضد الدولة (توفي في ٣٧٢هـ/٩٨٣م) وابن العميد (توفي في٣٦٠هـ/٩٧٠م) ووزير ركن الدولة (توفي في ٣٦٦هـ/٩٧٦م).
أهدى الصوفي كتابه "كتاب صور الكواكب الثابتة" للخليفة عضد الدولة وصمم دائرة زوالية سميت باسم الحلقة العضدية (تستخدم بشكل أساسي في مراقبة الشمس عند عبورها خط الزوال في منتصف النهار) لرصد الميل الأعظم، وهي زاوية مدار الشمس من خط الاستواء. يمثل مدار الشمس، أو فلك البروج، مسار الحركة الظاهرة للشمس (وفقًا لبطليموس) أو الأرض (وفقًا للفهم الحديث). علاوة على ذلك، اضطلع الصوفي بالأرصاد الفلكية وأنتج مجموعة من الأزياج (الجداول الفلكية)، وكتابًا حول استخدام الأسطرلاب، ومقدمة لعلم التنجيم، وأرجوزة (قصيدة تعليمية) عن النجوم الثابتة، وكان ذلك تحت رعاية عضد الدولة.
فهارس النجوم
قدّم الإغريقيون القدامى أول فهارس للنجوم (وهي قوائم بأسماء النجوم وإحداثياتها وكوكباتها)، ويحتوي الكتابين السابع والثامن من كتاب المجسطي لبطليموس على فهرس النجوم الذي صنَّفه. يتيح الفهرس تعريف النجوم بواسطة رقمها في الكوكبة التي تنتمي إليها وموقعها في الشكل. على سبيل المثال، النجم الأول في كوكبة الدب الأصغر هو النجم الموجود "في نهاية الذيل".
كما يبين الفهرس خط الطول وخط العرض والمقدار (الحجم النسبي) لكل نجم. وقد تم تبني حسابات بطليموس بلا انتقاد في العصور الوسطى عدا تصحيح وحيد هو إضافة ثابت إلى خطوط الطول النجمية نتيجة حركة خطي الاعتدال أو "تقدم الاعتدالين".
بعبارة أخرى، لطالما سميت النجوم بـ"النجوم الثابتة" لأن مواضعها النسبية تبدو كأنها لا تتغير – على خلاف الشمس أو القمر أو الكواكب. ولكنها في الواقع تتحرك ببطءٍ متناهٍ يدفع خط طولها السماوي بنحو خمسين ثانية سنويًا. ولا يمكن ملاحظة هذا التغير خلال الفترات الزمنية القصيرة ولكنه يصبح واضحًا بعد عدة قرون. عُرفت هذه الحركة التي تسمى تقدم الاعتدالين منذ العصور القديمة، إلا أن نيوتن (١٦٤٣-١٧٢٧م) كان أول من فسرها بصورة مادية. وقد صحح تنقيح الصوفي مقدار العديد من النجوم ومواضعها النسبية في الكوكبات وصنّف العديد منها بأسماء اعتُمدت فيما بعد ضمن علم الفلك الأوروبي. وأصبحت الأشكال التي وضعها لكل كوكبة أساس صور الأبراج التي شاعت فيما بعد في العالمين الإسلامي والغربي.
كتاب صور الكواكب الثابتة
درس الصوفي الكوكبات الثمانية والثلاثين التي عرّفها بطليموس وقسَّم عمله إلى ثلاثة أقسام. يضم القسم الأول تعليقات على فهرس بطليموس مع تصحيحات متفرقة لأحجام النجوم، بينما يتناول القسم الثاني المواد المستمدة من التراث الفلكي العربي ويحدد أسماء النجوم باللغة العربية. أما القسم الثالث فيتضمن فهرس النجوم الذي حافظ على خطوط العرض التي حددها بطليموس، في حين تزيد خطوط الطول بقدر ١٢ درجة و٤٢ دقيقة نظرًا لتقدم الاعتدالين بين سنة ١٣٨ وسنة ٩٦٤ ميلاديًا. وقد قام الصوفي بتمثيل كل كوكبة في رسمين توضيحيين (عبارة عن صورتين عكسيتين) "على ما يُرى في السماء" و"على ما يُرى في الكرة". كما يضم القسمان الأول والثاني ملاحظات حول التصحيحات التي أجراها الصوفي على خطوط الطول والعرض التي حددها بطليموس لنجوم معينة ومراجع لنجوم جديدة لم يرد ذكرها في كتاب المجسطي.
أهمية عمل الصوفي وتأثيره
يعد كتاب الصوفي مثالاً جيدًا لتبني الأعمال اليونانية القديمة وتكييفها ونقدها في الحضارة الإسلامية. ففهرس النجوم الذي أعده الصوفي يسير في خطى المجسطي ولكنه يصحح أحجام ٣٧٨ نجمًا. ويستخدم الصوفي الفئات الستة للأحجام التي عرّفها بطليموس إلا أنه يعتمد ثلاث درجات ضمن كل فئة: الأصغر والأكبر والأعظم. كما يضيف الصوفي أربعة وثمانين نجمًا جديدًا ويُدرِج بيانات نجمين أحمرين جديدين هما رأس الغول (Algol, β Persei) والفرد (α Hydrae). بينما صنّف بطليموس نجم الشعرى العبور (الشعرى اليمانية، α Canis Maioris) كنجم أحمر ولم يدرجه الصوفي في قائمته للنجوم الحمراء. ومن المثير للاهتمام أن بطليموس لم يكن المصدر القديم الوحيد الذي وصف الشعرى اليمانية بالنجم الأحمر وقد كان هذا موضوع نقاشات كثيرة حتى القرن العشرين. وفيما يتعلق بالسديم (أو ما سماه الصوفي بالسحابي أو اللطخة السحابية أو الاشتباك السحابي)، يحوي الكتاب أول إشارة إلى ما يعرف الآن بمجرة أندروميدا بعد أن أُعيد اكتشافها في أوروبا في القرن السابع عشر.
صور الكوكبات في كتاب الصوفي مستقاة من المجسطي ولكن مع وجود تغييرات هامة: على سبيل المثال، استبدل الصوفي رأس ميدوسا الدامية في كوكبة برشاوس برأس غولٍ منساب اللحية (وحش صحراويّ). وظهرت هذه الصور في أوروبا فيما يسمى بمخطوطات صوفي لاتينوس (Sufi Latinus) منذ القرن الثاني عشر على الأقل ونُشرت لاحقًا في القرن الثالث عشر ضمن كتب الحكمة الفلكية (Libros del Saber de Astronomía) في عهد الملك القشتيلي ألفونسو العاشر. وقد ترجم عالم الفلك نصير الدين الطوسي (٥٩٧هـ/١٢٠١م-٦٧٢هـ/١٢٧٤م) كتاب الصوفي إلى اللغة الفارسية، وهي الترجمة التي استخدمها أولوغ بيك [الغ بیگ] (٧٩٦هـ/١٣٩٤م-٨٥٣هـ/١٤٤٩م) في فهرس النجوم الذي قام بإعداده – والذي حرره وعلق عليه لاحقًا توماس هايد بعد أن ترجمه إلى اللاتينية (أكسفورد، ١٦٦٥). عبر ذلك المسار، أصبح نقد الصوفي لبطليموس، وكذلك أسماء النجوم التي اعتمدها، متاحًا لعلماء الفلك الأوروبيين المعاصرين.