عرض عام
سهل بن بشر (عاش ما بين ٢٠٥ه /٨٢١م -٢٣٥ه / ٨٥٠م) كان خبير بالتنجيم والرياضيات في خدمة والي خرسان طاهر بن الحسين الأعور (٢٠٥ه/ ٨٢١م -٢٠٧ه / ٨٢٢م) كما خدم لاحقًا الحسن بن سهل (المتوفى في ٢٣٦ه / ٨٥٠-٨٥١م)، الأمين والوالي لدى الخليفة المأمون (١٩٨ه / ٨١٣م -٢١٨ه / ٨٣٣م). ويشي ذلك بأنه كان مقيمًا في بغداد أثناء البرنامج الكبيرللبحوث الفلكية تحت رعاية الخليفة المأمون وعندما بلغ الاهتمام بعلم التنجيم، الذي قد بدأ في عصر الخليفة المنصور (١٣٦ه/ ٧٥٤م- ١٥٨ه/ ٧٧٥م)، ذروته.
سهل بن بشر
لم يسلم لنا سوى القليل من المعلومات حول سهل؛ حيث لا نعرف سوى أنه كان يهوديًا واعتنق الإسلام. وتندرج جميع أعماله الباقية تحت فئة علم التنجيم، ووفقًا لقائمة قدمها ابن النديم في ٣٧٧ه / ٩٧٧-٩٧٨م ، فإنهما قد اعتنيا بجميع فروع علم التنجيم: خرائط بروج نجوم الطالع (كتاب المواليد الكبير وكتاب المواليد الصغير)، بالإضافة إلى ذكرى نجوم الطالع (كتاب تحويل سني المواليد) والاختيارات (كتاب الاختيارات) والمسائل (كتاب المسائل الكبير)، فضلاً عن علم التنجيم العالمي (كتاب تحاويل سني العالم) وعلم الأرصاد الجوية الخاص بالتنجيم (كتاب الأمطار والرياح)، وغير ذلك. وقد تم على الأرجح تلخيص هذه المواد في كتابيه كتاب المدخل الكبير وكتاب المدخل الصغير. ونعرف أن أعماله قد بلغت الأندلس تقريبًا في سنة ٣٣٨ه/ ٩٥٠م، حيث اقتُبس منها في كتاب غاية الحكيم (Picatrix)، كما تُرجمت إلى اللاتينية على يد مترجم مجهول في القرن الثاني عشر وتُرجمت كذلك إلى اليونانية البيزنطية. ويحوي ما يقرب من خمس وخمسون مخطوطة وسبعة إصدارات مطبوعة يرجع تاريخها إلى ١٤٨٤ و١٥٥١م، مجموعة كبيرة من كتاباته باللغة اللاتينية حيث يُشار إلى اسمه فيهن بسائل/سهيل/سهيل بندرز.
رسالة سهل بشأن (المسائل)
لا يحمل العمل المحفوظ في مخطوطة المكتبة البريطانية Or. 12802 أي عنوان، وذلك على الرغم من وجود نسخة أخرى في حامعة ييل (Arabic MSS 523) تحمل عنوان كتاب في علم الفلك والبروج والأحكام الفلكية على التمام والكمال (وهو كتاب يُعنى على سبيل الحصر بعلم التنجيم وعلامات الأبراج والتوقعات الفلكية). علمًا بأن هذا النوع من كتب التنجيم يخاطب طبقات المجتمع العليا ويختلف عن النصوص الأكثر شيوعًا والمستخدمة من قبل خبراء التنجيم في أسواق المدينة.
ويتألف الكتاب من جزئين واضحين: الجزء الأول هو مقدمة تعالج علامات الأبراج (المنازل الاثنى عشر لخريطة البروج) والست عشر حالات، التي تحلل أحوال الكوكب بالنسبة للكواكب الأخرى في خريطة البروج ذاتها. وعادةً ما ترتبط خرائط البروج تلك بالجزء الثاني، المتعلق بالمسائل. والمسألة هي أسلوب تنجيمي يتألف من طرح خريطة بروج "للحظة الراهنة"، حيث يُوجّه السؤال إلى خبير بالتنجيم والذي يحاول بدوره الإجابة عليه. وتعد اللحظة الراهنة مهمة نظرًا لاعتماد خريطة البروج على متغيّرين وهما: الزمن (لحظة طرح خريطة البروج) والمكان (خط العرض المحلي). شكلت المسائل الموضوع الرئيسي لبقية الكتاب وهي مصنّفة وفقًا لمنازل خريطة البروج الاثنى عشر، حيث يتخصص كل منها في مجال بعينه. ويوجد كذلك ملحق خريطة صغيرة أو صورة أخرى محاطة بهامش خريطة أكبر أو خريطة مفردة أو صورة أكبر؛ أو أوراق موضوعة داخل كتاب أو مجلد أرشيفي. يعالج عدة مواضيع غير مرتبطة بالمنازل. ويحظى هذا النوع من النصوص - بالإضافة إلى الرسائل المعنية بالاختيارات والتي تحاول اختيار لحظة مواتية لإجراء نشاط معين - باهتمام واضح لدى المؤرخين الاجتماعيين نظرًا لما تقدمه من معلومات بشأن نوع المشاكل التي أهمّت الناس في ذلك الوقت.
إرث سهل
تعد أعمال سهل بن بشر مثالاً واضحًا للاهتمام الذي أحاط بعمل التنجيم خلال الجزء الأول من فترة الخلافة العباسية (القرنين الثاني/الثامن-الرابع/العاشر)، وربما يُعزى ذلك للنفوذ الفارسي. ولم يذكر بحثه الخاص بالمسائل سوى اسم مرجع خاص بخبير بالتنجيم يهودي آخر يُدعى ماشا اللاه (المتوفى في حوالي. ٢٠٠ه / ٨١٥-٨١٦م)، لكن ثبُت أنها تستعين بكتاب أسفار موسى الخمسة ("بينتاتويخ") لدوروثيوس الصيدي والمترجم من اللغة الفهلوية على يد عمر بن الفرخان الطبري (المتوفى في ٢٠٠ه / ٨١٥-٨١٦م). وكشفت رعاية ولاة الخلافة العباسية أ عن إهتمامهم الكبير بمعرفة المستقبل وكان سهل ممثلاً لخبراء التنجيم حيث عمِل في دوائر السلطة في ذلك الوقت. كما تُرجمت أعمال سهل لاحقًا إلى اللاتينية وحققت انتشارًا رائعًا في أوروبا الغربية.