عرض عام
ففي أكتوبر ١٩١٩، وفي أول ليلة من زيارته الرسمية إلى بريطانيا، جلس الشيخ أحمد الجابر الصباح، ابن أخ حاكم الكويت، الشيخ سالم المبارك الصباح، بحزن في غرفة فندقية بضواحي لندن.
فقد أدى خطأ في الاتصالات أثناء الإعداد للزيارة إلى عدم بلاغ المسؤولين في لندن عن وصول الشيخ أحمد إلا قبل وصوله بيوم واحد فقط. وكانت جميع الفنادق الفاخرة في وسط لندن، التي تُستخدم عادة لاستضافة الشخصيات الأجنبية المرموقة، محجوزة بالكامل في ذلك الوقت. وبعد ساعات من القيادة حول لندن بحثًا عن فندق، تمكن الشيخ أحمد من إيجاد فندق صغير في نوروود، ضاحية في جنوب لندن.
أهمية استراتيجية كبيرة
كانت الكويت آنذاك محمية بريطانية ومثلت أهمية استراتيجية كبيرة للإمبراطورية البريطانية، وكان هناك انطباع واسع الانتشار بأن الشيخ أحمد - وهو من بين أهم الشخصيات في الدولة - سيخلف عمه في حكم الدولة. ولذا، وفي محاولة البريطانيين التأكيد من إستمرار نفوذهم على الدولة، حرصوا على بناء علاقة وثيقة مع أحمد قبل أن يخلف عمه في الحكم.
ولأسباب مماثلة، تم دعوة فيصل بن عبد العزيز آل سعود من نجد، وهو نجل بن سعود البالغ من العمر ثلاثة عشر عامًا (والملك التالي للمملكة العربية السعودية بين ١٩٦٤–١٩٧٥) لزيارة بريطانيا في الوقت ذاته. وكانت تلك الدعوات إلى أفراد العائلات الحاكمة، مثل الصباح وآل سعود، للقيام بزيارات رسمية إلى بريطانيا أسلوبًا شائعًا في هذه الفترة لدمج تلك العائلات في النظام الإمبريالي البريطاني. وهدفت تلك الزيارات إلى خلق شعور بالولاء الشخصي للإمبراطورية البريطانية واستعراض العظمة والقوة والحداثة للحاضرة في قلب الامبراطورية، وهي مدينة لندن.
’الاكتئاب الشديد‘ بسبب الطقس
عاد دانيال فينسينت ماكالوم، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ البريطاني في الكويت، إلى موطنه في بريطانيا في إجازة خلال زيارة الشيخ أحمد وبعد مرور أسبوعين لزيارة الأخير، تولى ماكالوم مسؤولية الإشراف على الشيخ وحاشيته الصغيرة خلال الفترة المتبقية من الزيارة.
وبحسب تقريره، ورغم انتقال الشيخ أحمد من الفندق في نوروود إلى منزل في بيمليكو بعد ليلة واحدة، ظل الشيخ "مكتئبًا جدًا" لمدة أسبوعين أثناء الرحلة وكانت لديه قائمة طويلة بالشكاوى ضد المسؤولين عن رعايته.
هناك تقرير آخر عن زيارة الشيخ أحمد كتبها الدكتور تشارلز ستانلي ميلريا، وهو طبيب ومُبشِّر في الإرسالية العربية التابعة للكنيسة الإصلاحية الأمريكية تم نشرها تحت عنوان ’الشيخ أحمد يسافر إلى إنجلترا‘ في الجزيرة العربية المهملة، جريدة الإرسالية العربية. وأدعى المقال أن الطقس في لندن ربما قد لعب دورًا في حالة الاكتئاب التي مر بها الشيخ أحمد.
إبل في حديقة الحيوان
اصطحب ماكالوم الشيخ أحمد وحاشيته الكويتية لزيارة قصر البلاط الملكي في هامبتون والمسرح وحديقة الحيوانات في لندن، حيث علّق ميلريا قائلًا: ’لا بد أن رؤية الإبل وهي معروضة للعامة أدهشت [الشيخ أحمد]‘. كما استقلت المجموعة مترو لندن، والذي كان بحسب ميلريا ’مصدرًا للإعجاب الشديد‘ من جانب الشيخ أحمد الذي لم يغادر منطقة الخليج من قبل.
كما يكشف خطاب ماكالوم أن الشيخ أحمد قضى جزءًا كبيرًا من الأسبوع الأخير من زيارته للندن في التسوق. وبحسب ميلريا، كان متجر سيلفريدجيز ’ذلك المتجر الأنجلو أمريكي الضخم متعدد الأقسام في شارع أكسفورد‘ "المتجر المفضل" للشيخ.
سبع عشرة دقيقة مع الملك جورج الخامس
كان العنصر الأبرز والأهم في زيارة الشيخ أحمد موعده الرسمي مع الملك جورج الخامس في قصر باكينجهام. حيث ورد في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. ملخص لخطاب الشيخ أحمد الذي ألقاه في المناسبة إلى جانب تفاصيل الهدايا المقدمة إلى الملك: سيف كان يخص شاه فارس في السابق، خنجر ذهبي، وفحل عربي الذي ’لم يتم تقديمه في قاعة الاستقبال لأسباب بديهية‘ بحسب ميلريا.
وفي مقابل هذه الهدايا، تلقى أحمد لوحة بورتريه موقعةً ومؤطرةً للملك جورج من أجل تسليمه إلى عمه، الشيخ سالم. يذكر ماكالوم أنه في حين أمضى الشيخ فيصل والوفد من نجد ثماني دقائق مع الملك، أمضى الوفد الكويتي سبع عشرة دقيقة. كما ذكر أن الكويتيين - الذين قاموا بتسجيل أوقات الفعاليتين - كانوا سعداء واعتبروا هذا ’نتيجة أفضل مما حققها الوفد الآخر‘.
ورغم البداية المتعثرة للزيارة إلا أن ماكالوم - الذي كان يتمتع بعلاقة جيدة مع الشيخ أحمد - تمكن من تصحيح الأوضاع. وفي تقريره عن الزيارة، استنتج أن الزيارة "قد نفعت الشيخ أحمد جداً، وإذا اهتممنا به كافيًا في المستقبل فليس لدي أي شك أنه سيكون صديق جيد لنا عندما يتولى السلطة". أثمرت جهود ماكالوم في ١٩٢١، أي بعد ثلاث سنوات من زيارته، حيث خلف الشيخ أحمد عمه في منصب حاكم الكويت. وظل في الحكم لمدة ثلاثين عاماً تقريبًا إلى حين وفاته في ١٩٥٠.
تمثل زيارة الشيخ أحمد الطريقة التي كانت تُستخدم بها الزيارات الرسمية - إلى جانب طقوس الهدايا واللقاءات مع الملك البريطاني- من قبل البريطانيون للتأثير على النخب الحاكمة في أنحاء الإمبراطورية البريطانية ولإقامة صداقات معهم ولترويضهم.