عرض عام
وفي وقتٍ ما خلال الأيام الأولى للعام الجديد ١٩١١، اجتمع المقيمين الرئيسيين في دبي للخروج ببيان حول الحادث الذي وقع قبل اجتماعهم بأقل من أسبوعين؛ حيث خلفت معركة دامية بالأسلحة النارية بين السكان المحليين وفرقة بريطانية راجلة العديد من القتلى.
وختم السادة، الراغبين في التأكيد على صحة البيان، كل واحد بختمه الشخصي أسفل البيان كما وقّع وأعلن كل منهم عن موافقته على البيان.
"حادث دبي" عام ١٩١٠
تلى معركة الأسلحة النارية المعروفة بـ "حادث دبي" والتي اندلعت بين السكان المحليين والقوات البريطانية، تبادل مكثف للمراسلات بين شيخ دبي والمقيم البريطاني حيث تنازعا حول المسؤولية عن الحادث. وأرفق الشيخ وثيقة مؤرخة في ٥ ديسمبر ١٩١٠ تحوي إفادة الشهود الخاصة بالسكان البارزين في دبي. وهي تحمل طبعات عدداً كبيراً غير عادي من الأختام الشخصية. وعلى الرغم من أن الوثيقة جاذبة للانتباه نظرًا لحجمها، إلا أن الأختام كذلك تستحق فحصًا مدققًا من حيث نمطها وزخرفتها.
الأختام والتوقيعات وبصمات الإبهام
كانت الأختام بالإضافة إلى التوقيعات وبصمات الإبهام وسائل شائعة للتصديق في ذلك الوقت، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك تحويها مختلف سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. .
وتأخذ غالبية الأختام شكل طابع يحمله المالك حول رقبته داخل جِراب صغير. ولاستخدامه يقوم حامله بغمسه في الحبر ثم الضغط به على الوثيقة المعنية. وتحوي العديد من الأختام أحرف عربية تمثل اسم حامل الختم بالإضافة إلى أنماطٍ زخرفية.
الطائران
ومن بين طبعات الأختام المختلفة على وثيقة الشهود هذه، يبرز ختم واحد بعينه مقارنةً بالآخرين. وعلى عكس الأختام الإسلامية الأخرى التي تزخر عادةً بمجموعة متنوعة من التصميمات الهندسية أو التجريدية، وعوضًا عن التصميمات النصية أو التصويرية المستخدمة في الأختام الغربية، كان هذا الختم يصوّر طائرين إثنين.
يحمل هذا التصميم غير التقليدي صورة طائرين متماثلين - حمامتين على الأرجح - مُنتظمين في نمطٍ واحد ويواجهان بعضهما البعض.
ويوجد بأسفل هذه الصورة المزخرفة حرفين منقوشين ورقمين مكتوبين على شكل أحرف بالإضافة إلى أربعة أرقام أخرى مكتوبة على شكل أحرف. علمًا بأن الحرفين الموجودين في هذا النقش باللغة العربية "ع"،"ب" غير ملتصقين. وعلى هذا النحو، فقد يشير هذين الحرفين إلى الحروف الأولى لاسم المالك الأصلي.
ويعني التصميم غير التقليدي على شكل طائر أن الختم، في أغلب الاحتمالات، يمثل ختمًا إسلاميًا حديثًا نسبيًا. ويبدو أن الأرقام المنقوشة على الختم تؤكد على ذلك. ويظهر العدد الأصغر حجمًا والمكون من أربعة أرقام أولاً ويبدو أنه ١٢٢٤ أو ربما ١٢٣٤. وهو ما قد يمثل العام الذي صُنع فيه الختم؛ ويماثل العام الهجري ١٢٢٤ أو١٢٣٤ العام الميلادي ١٨٠٩-١٨١٠ أو ١٨١٨-١٨١٩ على التوالي. بينما العدد الأكبر حجمًا والمكون من رقمين كونه ٩٢ والواقع أسفل العدد الأول قد يشير إلى العام الهجري ١٢٩٢ أو العام ١٨٧٥-١٨٧٦ في التقويم الميلادي.
الإقرار والتوقيع
تعد الكتابة العربية بخط اليد فوق كل ختم في الوثيقة إما إقراراً وتوقيعًا سوياً أو إقراراً بنفسه فقط (الورقة ٦٠)، نظرًا لأنه من المحتمل أن يكون الاسم المنقوش في الختم قد شوهد بشكلٍ عام كتوقيع في أي قضية.
ومع ذلك، وردت أسماء جميع الأشخاص الموقعين على الوثيقة في أسفل الوثيقة المترجمة إلى الإنجليزية. ومن الواضح أن أيًا من تلك الأسماء لا يعد ختمًا أو توقيعاً، إذ أُضيفت للقائمة بشكلٍ منفرد. بدلاً من ذلك، من الأرجح أنه قام المسؤول البريطاني الذي ترجم ردّ الشيخ وأرفق الشهادة وأرسلها إلى المقيم البريطاني بإضافة تلك الأسماء.
ويبدو أن ترتيب الأسماء الواردة في القائمة يطابق تسلسل إمهار الشهود لأختامهم وإقراراتهم بالوثيقة. ويؤكد ذلك على أن الختم ذي التصميم غير التقليدي على شكل طائر يخصّ أحد "سكان دبي الجديرين بالثقة والميسورين"، محمد بن عبد الرحمن أوازي (الورقات ٥٥ - ٥٦).
ثمة صلة فارسية؟
قد تشير كلمة "أوازي" إلى "آفاز" (إيفاز) وهي منطقة في محافظة فارس ببلاد فارس. على قدم المساواة، نمط كتابة اليد لإقراره هو النستعليق، المستخدم غالباً في النصوص الفارسية-العربية، وهو ما قد يشي بوجود صلة بهذه المنطقة.
وأيًا كان موطنه، فإن اسم المالك لا يطابق الحروف الأولى. فلربما ورث أوازي الختم عن أحد أقربائه؛ إذ من الممكن أن يكون قد حصل عليه بعدة طرق مختلفة. وللأسف، لا توجد معلومات إضافية في الملف عنه أو عن زملائه من الشهود.
مع ذلك، فأن هذا الختم غير التقليدي بنمط الكتابة المميّز لصاحبه، لا سيما عند وضعه جنبًا إلى جنب مع أختام وإقرارات المقيمين البارزين الآخرين في دبي، يرسم صورة فريدة للبلدة في ذلك الوقت. فهو ليس فقط يحوي على النص الفارسي-العربي والنص العربي بوضوح فحسب، بل يعد كذلك نصًا ليس من الممكن التعرف عليه والذي يرجع أصوله إلى جنوب شرق آسيا. ومن الواضح أن دبي في سنة ١٩١٠ كانت موطنًا ذات طابع عالمي متزايد، يقطنه العديد من السكان من ذوي الأصول الثقافية المتنوعة جنبًا إلى جنب.