مخاطر غرق السفن

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

خلال القرن التاسع عشر، كان الخليج يعجّ بالنشاط الاقتصادي، حيث كانت السفن التجارية تحمل البضائع الثمينة إلى الهند ذهابًا وإيابًا، محققة مكاسب كبيرة للتجار. لكن هذا النشاط لم يخلُ من بعض المخاطر التي تعرض لها البحّارة.

في القرن التاسع عشر، ازداد انخراط الوكلاء والمقيمين البريطانيين في الخليج في استعادة البضائع من حطام السفن الغارقة والحصول على تعويضات عن البضائع المفقودة. إلا أن هذه العملية لم تكن بالسهلة، بدءًا من تحديد ملابسات حادث الغرق وانتهاءً بالتفاوض بين السكان المحليين والحكام ووكلاء التأمين وملاك السفن.

رسم لسفينة غارقة بقلم جيمس ماكولاي، ١٨٨٢. Digital Store 10498.d.14. ملكية عامة
رسم لسفينة غارقة بقلم جيمس ماكولاي، ١٨٨٢. Digital Store 10498.d.14. ملكية عامة

التأمين

مع توسع التجارة بين الهند والخليج تطور قطاع التأمين البحري في الهند بوتيرة متسارعة. واعتمد هذا النظام على أفراد متعهدين من التجار أنفسهم ممن يجمعون مواردهم. حيث يعوضون المُلاك إن فُقدت بضائعهم مقابل رسوم تدفع مسبقًا. كانت معظم البضائع المنقولة من الهند إلى الخليج مؤمنة جزئيًا على الأقل، مما يعني أن أية خسائر متكبدة بفعل غرق السفينة يتحملها عدة أطراف وليس ملاك السفينة فقط. حتى وإن كان المتعهدون يتقاسمون المخاطر، من المحتمل أن يخسر المتعهدون الأفراد مبالغ مالية كبيرة.

قانون إنقاذ السفن الغارقة

كما هو الحال اليوم، كان يحق لمن يُنقذ السفن المنكوبة الحصول على مكافأة، وغالبًا ما تكون على شكل حصة من البضائع التي ساعدوا في إنقاذها. غير أن هذه الاتفاقيات لم تكن مبرمة بشكل رسمي واختلفت تفاصيلها من مكان لآخر. على سبيل المثال، قضت العادات والتقاليد في أماكن معينة في الخليج بأن أي ممتلكات تصل إلى الشاطئ تصبح ملكًا للسكان المحليين. أما البريطانيون فقد حاولوا تغيير هذه العادات عبر إبرام مجموعة من المعاهدات.

رقصة الموت: غرق السفينة. الألوان المائية بريشة ت. رولاندسون، ١٨١٦. كرييتف كومونز (مجموعة ويلكوم)
رقصة الموت: غرق السفينة. الألوان المائية بريشة ت. رولاندسون، ١٨١٦. كرييتف كومونز (مجموعة ويلكوم)

المعاهدات

أبرمت اثنتان من أولى المعاهدات البريطانية التي تشير إلى غرق السفن عام ١٧٦٣ مع كريم خان زند، وكيل بلاد فارس، والشيخ سعدون آل مذكور، حاكم بوشهر. نصت كلتا المعاهدتين على أنه في حال جنحت أي سفينة بريطانية نحو الشاطئ أو تحطمت قبالة سواحلهم، فلن يبادر أي شيخ أو حاكم في المناطق المجاورة إلى نهب السفينة أو المطالبة بأي حصة من حمولتها، وإنما سيفعل ما بوسعه لإنقاذ السفينة وبضائعها. أبرمت معاهدات مماثلة مع حكام سقطرى وعدن ومسقط بين عامي ١٧٩٨ و١٨٧٦. وهدفت هذه المعاهدات إلى حماية السفن المبحرة تحت الرايات البريطانية، وبحارتها وحمولتها، غير أن تطبيقها لم يكن دائمًا أمرًا سهلًا ومباشرًا.

روايات متعددة

تباينت الإجراءات المتخذة بعد غرق سفينة ما من حالة إلى أخرى. في كثير من الأحيان كانت مهمة تحديد ملابسات غرق السفينة موكلة إلى الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية أو المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ القريب من المنطقة، ولم تكن هذه المهمة يسيرة في جميع الأوقات. ففي عام ١٨٥٥، غرق مركب يحمل حجاجًا بالقرب من رأس الحد في عمان. تفيد الرواية الأولى للبحّار محمد بن حسن بأن المركب كان يدعى "الحمرة"، وكان يبحر رافعًا رايات عربية. ويستطرد قائلًا إنه عندما غرق المركب، صعد إليه ٢٠٠ من البدو، ونهبوه، وجردوا ركابه من ملابسهم، وقتلوا ثلاثة رجال، وأخذوا عددًا من الركاب عبيدًا. لكن في رواية أخرى لاحقة للنوخذة محمد صالح، والذي يصف محمد بن حسن بأنه "بنصف عقل"، قال إن المركب كان يدعى "فتح الخير"، وأنه كان يبحر تحت الراية البريطانية وقد نُهب بالفعل، لكن لم يُقتل أي شخص أو يؤخذ عبدًا.

مقتطف من إفادة محمد صالح، مع رسالة تفسيرية افتتاحية من العميد ويليام كوجلان، القائم بأعمال المقيم السياسي، ٢١ ديسمبر ١٨٥٥. IOR/R/15/1/157، ص. ١٣٤و-ظ
مقتطف من إفادة محمد صالح، مع رسالة تفسيرية افتتاحية من العميد ويليام كوجلان، القائم بأعمال المقيم السياسي، ٢١ ديسمبر ١٨٥٥. IOR/R/15/1/157، ص. ١٣٤و-ظ

غالبًا ما كانت استعادة البضائع أو ما يعادل قيمتها بموجب المعاهدات من مسؤوليات الوكيل أو المقيم البريطاني. عندما غرقت السفينة "سينتور" سنة ١٨٥٢، ونُهبت بضائعها، قدم المتعهدون التماسًا للمقيم البريطاني لاستعادة البضائع، والتي كانت في أغلبها صبغ أزرق. وأكد له المتعهدون أنه من السهل العثور عليها، حيث أن السفينة كانت تحمل كل إمدادات الصبغ الأزرق إلى الخليج طوال الموسم. نجح المقيم البريطاني، العقيد أرنولد كمبال، في استعادة بعض البضائع، لكنه وجد أن استعادة الحمولة عمل شاق خاصة من تجار لم يكونوا على دراية بأصلها. يضاف إلى ذلك ضعف المبرر القانوني الذي استند إليه قرار استعادة البضائع إلى حد ما، إذ إن التجار حصلوا على الصبغ الذي في حوزتهم عبر شرائه وبالتالي قد يحق لهم الحصول على تعويض.

مقتطف من رسالة العقيد أرنولد كمبال، المقيم في الخليج العربي، يعبر فيها عن الصعوبات المصحوبة باستعادة حمولة السفينة "سينتور" من الصبغ الأزرق، ٢٢ مايو ١٨٥٤. IOR/R/15/1/143، ص. ٢٢١ظ
مقتطف من رسالة العقيد أرنولد كمبال، المقيم في الخليج العربي، يعبر فيها عن الصعوبات المصحوبة باستعادة حمولة السفينة "سينتور" من الصبغ الأزرق، ٢٢ مايو ١٨٥٤. IOR/R/15/1/143، ص. ٢٢١ظ

المساعدة من الشاطئ

بيد أن فقدان البضائع و\أو الأمتعة الشخصية لم يكن أمرًا حتميًا، حيث كان هناك حالات قدم فيها الحكام المحليون المساعدة لأطقم السفن الغارقة، ومن ثم كافأهم البريطانيون. فعندما جنحت السفينة "فيروز"، أرسل الشيخ جابر الأول الصباح، حاكم الكويت، ستة مراكب لمساعدتها على الطفو مجددًا، وقُدم له في المقابل هدايا بلغ مجموع قيمتها ٨٠٠ روبية عملة فضية هندية كانت تُستخدم بشكلٍ واسع في الخليج العربي. . وعلى نحو مماثل، سمح إمام مسقط لطاقم السفينة "سير جيمس كوكبيرن" بالعودة إلى موريشيوس على متن إحدى سفنه، وإنزال بعض أفراد الطاقم في جزيرة سيشل.

كان السكان المحليون يعلمون أحيانًا أن الحكومة البريطانية قد اتخذت نهجًا صارمًا ضد نهب السفن البريطانية. ففي عام ١٨٢٦، أفاد طاقم سفينة أنه عندما غرقت سفينتهم "بدري" قبالة ساحل دشتي في بلاد فارس، استولى السكان المحليون على بضائعهم وجردوهم من ملابسهم. ثم أُجبروا على التوقيع على وثيقة تفيد بأنهم لم يتعرضوا للنهب، بل إنهم فقدوا جميع بضائعهم في السفينة الغارقة، و"لم يتعرضوا لأي أذى أو إزعاج يذكر على يد السكان المحليين" (IOR/R/15/1/36، ص. ٩١و). وطلب المبعوث البريطاني إلى بلاد فارس، العقيد جون ماكدونالد كينير، حينئذ من الحكومة الفارسية تعويض أصحاب البضائع. رفض محمد زكي خان نوري، وزير فارس، الطلب في البداية مشيرًا إلى التقليد السائد في البلاد، ومحاججًا أن المعاهدة مع البريطانيين قد ألغيت. لكنه وافق في نهاية المطاف على التعويض عن نصف قيمة البضائع.

تقرير النوخدة عن غرق السفينة "بدري" ونهبها، ١٠ يونيو ١٨٢٦. IOR/R/15/1/36، ص. ٩٠ظ
تقرير النوخدة عن غرق السفينة "بدري" ونهبها، ١٠ يونيو ١٨٢٦. IOR/R/15/1/36، ص. ٩٠ظ

أفضل من الغرق

لم تكن عواقب غرق السفن وخيمة بشكل عام على طواقمها؛ حيث لم يرد في الملفات حالات قتل مؤكدة بين أطقم السفن. أما بخصوص البضائع، فقد كان بالإمكان استعادة قيمتها سواء من الشيخ أو الحاكم المحلي أو من وكلاء التأمين. ومع علم البحارة بمخاطر جنوح السفن، إلا أنهم كانوا يفضلونها على مخاطر الغرق في عرض البحر.